تسريبات الثانوية العامة تضع الحكومة المصرية في مرمى نيران الغضب

انتقادات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي عقب تسريب صور أسئلة امتحان اللغة العربية من داخل اللجان.
الأحد 2021/07/11
ضروري معالجة الأسباب الكامنة وراء الظاهرة

القاهرة - قرر أعضاء لجنة التعليم بمجلس النواب المصري السبت، استدعاء مسؤولين بوزارة التربية والتعليم بعد الإخفاق في تأمين امتحان اللغة العربية للثانوية العامة (البكالوريا) من التسريب على منصات التواصل الاجتماعي، رغم إجراءات التأمين والمبالغ المالية الباهظة التي تمّ إنفاقها على ذات الغرض.

وضجت صفحات التواصل الاجتماعي بالصخب في مصر السبت عقب تسريب صور أسئلة امتحان اللغة العربية من داخل اللجان، ما أحدث حالة من الغضب المجتمعي استدعت البرلمان للتحرك لتهدئة الشارع، والإيحاء بأن هناك محاسبة سياسية فورية للمتورطين في تأمين امتحانات البكالوريا.

ما أثار غضب الناس بقوة أن طارق شوقي وزير التربية والتعليم تعهد بعدم تكرار وقائع التسريب التي تحدث في الامتحانات طوال السنوات الماضية، وتمسك بتطبيق نظام الإجابات في “البابل شيت” بداعي أنه يمنع الغش، رغم التحفّظ الشعبي عليه.

عكست طريقة تسريب الامتحان من داخل اللجان أن الحكومة تتعامل مع هذا الملف الشائك بطريقة تفتقد الاحترافية، لأن نفس الأسلوب يتكرّر منذ عام 2011 دون وضع خطة محكمة حتى تحولت امتحانات البكالوريا إلى أزمة مجتمعية.

يكتفي أمن اللجان بتمرير عصا إلكترونية على جسد الطلاب للكشف عن أجهزة الهواتف المحمولة قبل استخدامها في الغش، وهي طريقة لا تتناسب مع وسائل الغش، مثل سماعات الأذن متناهية الصغر، والنظارات المتصلة بهواتف ذكية.

كانت الحكومة تُمنّي نفسها بالنجاح هذا العام في تأمين ورقة الأسئلة من التسريب لامتصاص غضب الشارع على إخفاقها في تعميم تجربة الامتحانات الإلكترونية بعد إنفاق الملايين من الدولارات عليها وإلغائها في اللحظة الأخيرة، لكنها أخفقت في المهمة.

جمال زهران: الحكومة ليست لديها خطة واضحة للتعامل مع الملفات الحساسة
جمال زهران: الحكومة ليست لديها خطة واضحة للتعامل مع الملفات الحساسة

وتخشى دوائر سياسية أن يتسبب ملف تسريب الامتحانات في إثارة احتقان الشارع في توقيت بالغ الحساسية، يتزامن مع التحديات الإقليمية التي تواجهها السلطة على وقع أزمة سد النهضة الإثيوبي والإخفاق في حلها بشكل يُرضي الغاضبين.

وتمثل امتحانات البكالوريا للمصريين مسألة حيوية حيث تحدد مستقبل ومصير الطالب جامعيا ووظيفيا واجتماعيا، لكن أزمة الحكومة في تعاملها أنها تكتفي بتطبيق إجراءات تقليدية في التأمين تثير امتعاض الناس ولا تتعامل مع الامتحانات بذات الثقل والأهمية.

وأقنعت وزارة التعليم الأهالي بأن تطبيق نظام “البابل شيت” كبديل عن التابلت في الامتحانات، حل مثالي لوقف الغش والتسريب، وروّجت للشارع أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يدعم هذا التوجه، ليصل إلى الرأي العام أن القرار مغلف بدعم رئاسي ما يدفعهم إلى القبول والكف عن إعلان التذمر.

قال جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس لـ”العرب” إن الإخفاق في وقف الغش في توقيت التفاف الشارع حول السيسي للوصول إلى حل سلمي أو عسكري لسد النهضة، يعكس أن الحكومة ليست لديها خطة واضحة للتعامل مع الملفات الجماهيرية وانعكاساتها السياسية على الأوضاع الداخلية.

وأضاف لـ”العرب” أن الارتباك المتكرر في ملف التعليم المرتبط بالملايين من الطلاب والأهالي، يوحي للناس بعدم وجود محاسبة للمسؤولين عن التلاعب بالمشروعات التي تلامس صميم اهتمامات الشارع ويبرهن على افتقاد الحكومة للحنكة السياسية في امتصاص غضب الناس.

ولا يرتبط تذمر الشارع المصري من التسريب بشريحة المعارضين للحكومة فحسب، وهو ما لا تدركه دوائر سياسية، لأن أي إخفاق في ملف التعليم يوحّد كل فئات المجتمع ضد الحكومة، باعتبارها تعبث في الاستثمار الحقيقي للكثير من الأسر المصرية.

وأكد عماد السيد، وهو رب أسرة من مؤيدي السيسي، أنه كان يأمل أن تصل الحكومة إلى حلّ جذري لأزمة الغش والتسريب، كما نجحت في ملفات وقطاعات أخرى أكثر تعقيدا، لكن للأسف يظل الفشل مستمرا في هذا الملف.

وأوضح لـ”العرب” أن مواجهة الحكومة أزمة الغش بالامتحانات بأسلوب الترهيب فقط يعكس أنها تفتقد الحلول العملية وتعتمد على المراوغة في إدارة الملف ليصمت الناس، وهو نفس أسلوبها لإسكات المعارضين على إخفاقاتها بقطاع التعليم عموما.

ويرتبط الخطر الأكبر بعناد الحكومة مع المراهقين والشباب وعدم الاستماع إليهم وإلزامهم بنظام امتحانات لا يقبلونه لأسباب كثيرة طوال العام يحتجون عليه، لأن ذلك سوف يهز علاقتهم بالمؤسسات الرسمية التي كانت سببا في ضياع مستقبلهم، وقد يتم توظيف ذلك سياسيا لاحقا كأداة للانتقام من قبل معارضي السلطة.

واعترف الطالب أحمد (ع) الذي نجح بالغش في البكالوريا العام الماضي لـ”العرب”، أنه طالما لم يعد الشخص المناسب في المكان المناسب، سياسيا ووظيفيا، فلا قيمة لسلوك الطرق المشروعة للنجاح، فالغش بالامتحانات تعبير عن احتجاج وشعور بالإحباط من المستقبل أكثر منه ثقافة، لأن الحكومة لا تقدر المجتهد بحق.

ويعكس سلوك الغش غياب الحماس لدى أغلب الناس للنجاح بالجهد، وشعورهم بأن المجتهد ليس له مكان، وهذه معضلة سياسية أكبر للحكومة، فهي وإن كانت تخطط للمستقبل فمن يتم التعويل عليهم يعتقد بعضهم أن “الغشاش” أوفر حظا، طالما أهدرت الحكومة العرق والالتزام ولم تحم المجتهد من المتحايل.

4