تسجيل محادثة مع أردوغان يكشف عمق أزمة قطاع البناء التركي

بيانات البنك المركزي التركي بخصوص إيداع المستثمرين بالعملة المحلية تدحض التوقعات بعودة الأمور إلى نصابها في عام 2019.
الخميس 2019/02/14
حديث الكواليس يثبت كذب أردوغان

كشفت محادثة مسربة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من ميكروفون مفتوح سهوا، إقرارا حكوميا بواقع الدمار الذي تعاني منه مشاريع البناء والإسكان في تركيا لتدحض التصريحات المكابرة بتحسن الاقتصاد التركي.

إسطنبول (تركيا) – أظهرت محادثة مسربة دون قصد بين عمر بولوت رئيس سلطة الإسكان الحكومية التركية والرئيس رجب طيب أردوغان عن مشكلات مالية خطيرة تتعلق بمشروع بناء رئيسي في إسطنبول، وذلك خلال المحادثة التي كان يفترض أن تكون خاصة، اتجاه الاقتصاد التركي نحو التأزم.

وسمع بولوت على ميكروفون مفتوح يشكو من قضايا المال الظاهرة بينما كان يقف على خشبة مسرح بجوار أردوغان وعدد من مقاولي البناء في إسطنبول بمناسبة بدء إعادة بناء مركز أتاتورك الثقافي في ساحة تقسيم.

وقال بولوت في مقاطع المحادثة المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ويوتيوب “سيد الرئيس لدينا مشاكل خطيرة في ما يتعلق بالأموال… ربما يمكننا مناقشة ذلك في وقت ما”. ويرد أردوغان “استمر، استمر”، ثم يستجيب بولوت بالقول “لقد تأثرنا بشدة. لقد تدمرت سلطة الإسكان الحكومية”، بعد ذلك استخدم أردوغان الميكروفون لمعرفة ما إذا كان مفتوحا أم لا.

ويقول جان تيومان الكاتب في موقع “أحوال تركية” إن سلوك المستثمرين يتناقض مع حديث الحكومة المتكرر عن تجاوز الأزمة الاقتصادية، وإن المواطن سيشعر بالتحسن بشكل أكبر خلال الأشهر القادمة.

وكانت التطورات التي طرأت على حجم الودائع الادخارية، التي تشكل أساس الاستثمار في تركيا، مؤشرا قويا على اتجاه الوضع الاقتصادي نحو التأزم، وتدني سعر صرف الليرة مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى من جديد، وأن الأمور لا تتجه إلى الاستقرار كما تزعم الحكومة.

وتشير الإحصاءات إلى تراجع الودائع بالليرة التركية، بعد أن قام المواطنون بنقل مدخراتهم إلى أصول أخرى بالعملات الأجنبية، وهو سلوك يذكّرنا تماما بما حدث في النصف الثاني من عام 2017.

كما تدحض البيانات الصادرة عن البنك المركزي التركي ما ذهب إليه الذين توقعوا أن تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي خلال العام الجاري، إذ عمد المستثمرون إلى زيادة مدّخراتهم في البنوك إلى العملة الأجنبية، حتى وصلت منذ بداية العام إلى 7 مليارات دولار.

وهذا الرقم يعادل زيادة قدرها 3.36 بالمئة، وهو ما يؤشر إلى أن النظام المالي اتجه خلال الفترة الأخيرة إلى مرحلة جديدة للغاية، وبالتأكيد لن تكون إلى الأفضل.

ولقد أظهرت الأحداث السابقة أن المستثمر كان محقا عندما سارع خلال النصف الثاني من عام 2017 إلى الإيداع بالعملات الأجنبية بشكل كبير، إذ شهد العام الماضي تقلبات عنيفة في سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية والدولار على وجه الخصوص.

انحسار ودائع المستثمرين بالليرة يعري أوهام تعافي الاقتصاد
انحسار ودائع المستثمرين بالليرة يعري أوهام تعافي الاقتصاد

ويؤكد تيومان أن المستثمرين الذين قاموا بإيداع أموالهم بالعملات الأجنبية انتهزوا فرصة انخفاض سعر الصرف لتحقيق أرباح كبيرة خاصة في النصف الثاني من 2017، بعد أن ارتفع سعر صرف الدولار إلى 7 ليرات خلال شهر أغسطس قبل أن تتراجع بشكل حاد العام الماضي.

وقام أصحاب الودائع في الفترة الفاصلة بين شهري مارس وأغسطس الماضيين ببيع ما يقرب من 24 مليار دولار، حيث جرى تحويل الجزء الأكبر منها إلى خارج البلاد، وبذلك تراجعت المدخرات بالدولار من 208 إلى 186 مليار دولار.

ومع أن التفكك السريع في الحسابات بالعملة الأجنبية، إضافة إلى إقدام المركزي على رفع سعر الفائدة بشكل تاريخي، أديا إلى بث أمل جديد لليرة. لكن، وكما أكدت البيانات الصادرة مؤخرا، كان هذا الوضع مؤقتا، لأن الزيادة في الودائع بالعملات الأجنبية، التي تسارعت وتيرتها اعتبارا من ديسمبر الماضي، قد تحولت هذا العام إلى زيادة مفاجئة.

وتؤكّد البيانات كذلك أن حجم الودائع قد ارتفع في البنوك بقيمة 15.5 مليار دولار، مقارنة بشهر أغسطس الماضي، وهو ما يعني زيادة بنسبة لا تقل عن 8.5 بالمئة، وهي نسبة لا يستهان بها خلال هذه الفترة القصيرة.

ويشير هذا التغير إلى أن المستثمر، الذي باع العملة الصعبة في الفترة المذكورة وأحدث تغييراً في المحفظة النقدية البالغة 24 مليار دولار خلال هذه الفترة، قد وضع ثلثي هذا المبلغ في البنوك مرة أخرى.

ويقول تيومان إنه مما لا شك فيه أن إقبال المستثمرين على شراء الدولار، وإيداع مدّخراتهم به يدل على تراجع ثقتهم في العملة المحلية، وفي هذا دلالة أيضا على أنهم يترقبون تحركا جديدا في سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة التركية.

وإضافة إلى هذا، توجد عدة مؤشرات أخرى والتي يستند إليها المستثمرون في بناء توقعاتهم لاتجاه وضع الاقتصاد المحلي نحو التأزم خلال الفترة المقبلة.

وتشير البيانات بعد ذلك كله إلى ابتعاد المستثمرين عن الإيداع بالليرة اعتبارا من أغسطس الماضي، رغم الارتفاع التاريخي لسعر الفائدة الذي أقره البنك المركزي، مما يعني أن عمليات الادخار تعاني من حالة ركود. وفي المقابل لم تتوقف الحكومة، رغم كل هذا، عن رسم صورة وردية للوضع الاقتصادي في تركيا.

10