تسارع زخم صفقات الاندماج في قطاع الأعمال العربي

رجحت أوساط اقتصادية أن تشهد الأسواق العربية المزيد من عمليات الاندماج والاستحواذ بعدما أكدت المؤشرات أن ثمة زخما كبيرا لهذا الاتجاه والذي بات يهمين على قطاع الأعمال بالمنطقة لمواجهة رياح التقلبات العالمية المعاكسة ومدفوعا بفورة الإصلاحات التنظيمية.
دبي - يتابع الخبراء والمحللون باهتمام التحولات المتسارعة في عقد صفقات الاستحواذ والاندماج في المنطقة العربية بعدما باتت إحدى السمات البارزة في قطاع الأعمال للهرب من تداعيات الأزمات التي تؤثر في الغالب على نشاط العديد من الشركات.
ولعل المؤشرات التي رصدتها شركة الاستشارات العالمية إرنست ويونغ في أحدث تقاريرها تعطي نظرة فاحصة بشأن ما سيكون عليه هذا الاتجاه في السنوات المقبلة.
ولأول مرة منذ خمسة عقود، سيشكل التضخم محركا رئيسيا للضغوط الاقتصادية على العديد من الشركات التي تبحث عن طوق نجاة للابتعاد عن كوارث محتملة قد تعيق أنشطتها في المستقبل في منطقة ظلت خاملة في السابق بسبب غياب الإصلاحات المطلوبة.

براد واتسون: الإصلاحات المالية تعمل على زيادة شهية المستثمرين
وتحتاج الأسواق العربية إلى البعض من الوقت حتى تستعيد عافيتها في ظل اضطرابات سلاسل الإمداد والتكاليف الباهظة لمدخلات الإنتاج التي تسببت فيها الأزمة الصحية العالمية ثم الحرب في أوكرانيا.
وتلجأ الشركات إلى عمليات الاندماج لتحقيق قيمة مضافة فارقة لطرفي الصفقة، مما يجعلها في وضع قوة ويفتح لها الباب أمام نهضة مضاعفة عدة مرات من حيث الاستقرار والنمو للكيانين معا.
وبحسب إرنست ويونغ فقد ارتفعت نسبة صفقات الاندماج والاستحواذ بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال النصف الأول من العام الجاري بواقع 12 في المئة على أساس سنوي لتبلغ حوالي 359 وبقيمة 42.6 مليار دولار.
وعزت شركة التدقيق المالي، التي تتخذ من لندن مقرا لها، في تقرير نشرته على منصتها الإلكترونية هذا النمو في الصفقات بالمنطقة إلى ثلاثة عوامل رئيسية تتضمن ارتفاع أسعار النفط وانحسار قيود الإغلاق بسبب الوباء والثقة المتزايدة بأداء الشركات.
ويقول خبراء إرنست ويونغ إن ثلاث صفقات حازت على الاهتمام الأكبر خلال الفترة بين يناير ويونيو الماضيين، تمثلت باستحواذ غذاء القابضة الإماراتية على شركة تموين لإدارة الشركات الإماراتية بصفقة بلغت قيمتها 2.4 مليار دولار.
كما شهدت السوق الإماراتية كذلك استحواذ كيو القابضة، وهي صندوق ثروة سيادي تابع لإمارة أبوظبي على شركة ريم للاستثمار مقابل 1.6 مليار دولار.
في المقابل، كانت أكبر الصفقات في السعودية، تملّك صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي البالغ حجم أصوله 620 مليار دولار) لحصة 16.8 في المئة من أسهم شركة المملكة القابضة، المملوكة للأمير الوليد بن طلال، مقابل 1.5 مليار دولار.
وتأتي موجة الاندماجات والاستحواذات العربية بينما اضطرت العديد من الشركات حول العالم لسحب أو تعليق صفقات تمويل بالمليارات من الدولارات منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، بما في ذلك عمليات الاكتتابات العامة الأولية والسندات أو القروض.
ويتوقع براد واتسون رئيس قطاع الصفقات والاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في إرنست ويونغ أن يستمر نشاط الاندماج والاستحواذ في المنطقة.
الأسواق الأكثر جذبا
1- الإمارات
2- مصر
3- السعودية
4- المغرب
5- سلطنة عُمان
* شركة الاستشارات العالمية إرنست ويونغ
ونسبت وكالة بلومبرغ إلى واتسون قوله إن “أجندات التنويع الاقتصادي التي أطلقتها الحكومات تواصل تعزيز الاهتمام بالصفقات الاستراتيجية”.
وأوضح أن الإصلاحات المالية، لاسيما في الإمارات والسعودية، والتي تهدف لتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، تعمل على زيادة شهية المستثمرين.
وفضلا عن ذلك فالخبير الاقتصادي واتسون يعتقد أن الازدهار الذي تشهده الشركات الناشئة المزدهرة يعزز من نشاط الصفقات.
ورغم أن تقلب أسعار النفط مؤخرا، وعدم اليقين الاقتصادي والاضطرابات بالأسواق العالمية، “أثّرت بشكل هامشي”، بحسب إرنست ويونغ، لكن نشاط الصفقات كان مدفوعا بشكل كبير بأداء صناديق الثروة السيادية وشركات الملكية الخاصة.
وتظهر الإحصائيات أن هذه الكيانات استحوذت على ما بين 35 و38 في المئة من إجمالي عدد وقيمة عمليات الاندماج والاستحواذ خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري.
ومثلت الإمارات الوجهة الأكثر جذبا لهذه الصفقات مع 18 صفقة، بينما كانت السعودية مصدرا للعدد الأكبر منها مع تنفيذ 27 صفقة.
ويرى أنيل مينون رئيس خدمات استشارات صفقات الاندماج والاستحواذ وأسواق رأس المال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى إرنست ويونغ أن “أهم ما ميّز سوق الصفقات هو انخفاض الاعتماد على الصفقات التي تقودها مؤسسات مرتبطة بالحكومة”.
وقال إن القطاع الخاص تصدّر مشهد إبرام الصفقات في المنطقة، الأمر الذي يعكس وفرة السيولة.
وتصدّرت السوق الإماراتية عمليات الاندماج والاستحواذ بالمنطقة تليها مصر والسعودية والمغرب وسلطنة عُمان.
359
صفقة في ستة أشهر بقيمة 42.6 مليار دولار أي بنمو بنحو 12 في المئة على أساس سنوي
وكانت أول خمسة قطاعات استقطبت الصفقات هي النقل والمنتجات الاستهلاكية والاتصالات والعقارات والطاقة والمرافق.
وهيمنت الشركات الأميركية على نحو 30 في المئة من صفقات الاندماج والاستحواذ الواردة إلى المنطقة، فيما تنوعت الحصص من شركات أخرى من كندا وأوروبا وحتى الصين.
وفي طليعة تلك العمليات استحواذ صندوق سي.دي.بي.كيو الكندي في يونيو الماضي على حصة 22 في المئة من ملكية موانئ دبي العالمية في ميناء جبل علي والمنطقة الحرة بجبل علي ومجمّع الصناعات الوطنية في إمارة دبي، مقابل خمسة مليارات دولار.
وعلى الناحية المقابلة، تمثلت أكبر صفقة صادرة من المنطقة باتجاه الأسواق الدولية، باستحواذ مجموعة الإمارات للاتصالات على حصة 9.8 في المئة بمجموعة فودافون البريطانية، في صفقة ناهزت 4.4 مليار دولار.
وذكر موقع إكسفورد بزنس غروب في العديد من تقاريره أنه بفعل تراجع أسعار النفط منذ 2014 بدأت أعداد من الشركات والبنوك الخليجية والعربية تلجأ إلى مثل هذه العمليات لتعزيز مرونتها وقدرتها على التكيّف في مواجهة مختلف التحدّيات.
وفي ظلّ بيئة يحكمها الاضطراب وعدم اليقين في الوقت الراهن، تحاول الشركات الكبرى حول العالم تثبيت قيمة المؤسسة فيما تقوم شركات الأسهم الخاصة بتبسيط محافظها الاستثمارية.
وتشير التقديرات إلى أن توافر رأس المال قد انخفض أو ظل ثابتا في أسواق معينة من العالم، فيما أصبحت الشروط المالية أكثر تقييدا اليوم مقارنة بالعام الماضي ما يفاقم الضغوط.
وتخلق هذه البيئة فرصا للشركات التي لديها هيكل رأس مال مناسب لالتقاط لاعبين أضعف من خلال عمليات الاندماج والاستحواذ وبناء قدرة تنافسية أكبر على المدى الطويل، وربما بأسعار مخفضة.
ومن ناحية أخرى، يعيد البعض من الشركات والصناديق تقييم المناطق الجغرافية التي تشكل تحديا أو غيرها من تدابير خفض التكاليف واتخاذ إجراءات استراتيجية لتقليص المحافظ وهياكل الشركات.