تسارع خطوات تشكيل حكومة لإقليم كردستان العراق على وقع المتغيرات العاصفة في المنطقة

المؤشرات الإيجابية على قرب فك عقدة تشكيل حكومة جديدة لإقليم كردستان العراق تتواتر مشيرة إلى تحقيق تقارب ملموس في الرؤى بين الحزبين الرئيسيين المعنيين بالملف، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وقد سرعت من وتيرة التقارب أحداث المنطقة وتقلباتها وما أثارته من مخاوف على الاستقرار في العراق ومن ضمنه الإقليم.
أربيل (إقليم كردستان العراق)- سجّلت جهود تشكيل حكومة جديدة لإقليم كردستان العراق تقدّما ملحوظا كان قد تعذّر تحقيقه على مدى الأشهر الخمسة الماضية على إجراء الانتخابات البرلمانية في الإقليم، وذلك بسبب تباعد الرؤى بين الحزبين الرئيسيين الفائزين في تلك الانتخابات، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، حول شغل المناصب القيادية في السلطة.
وساهم لقاء جمع بين مسرور بارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي، رئيس الحكومة الحالية، وبافل طالباني رئيس الاتحاد الوطني في فك الانسداد في مفاوضات تشكيل الحكومة، فيما بدا أن للتطورات العاصفة والتقلبات التي شهدها المشهد الإقليمي دورا ما في تليين موقف الاتّحاد والاقتراب أكثر من شريكه وغريمه التاريخي الحزب الديمقراطي تحت وقع تراجع المحور الذي ينتمي إليه ويضم قوى وفصائل شيعية عراقية موالية لإيران وباتت واقعة تحت ضغوط أميركية شديدة، في مقابل تحسّن موقف تركيا ووضعها في المنطقة والعراق وهي التي تصنف حزب طالباني في خانة أعدائها وتمارس عليه ضغوطا وتوجه له تهديدات بسبب علاقاته بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا ضدها متواصلة منذ أربعة عقود.
وأفضى اجتماع رفيع المستوى بين ممثلين عن الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في أربيل مركز إقليم كردستان إلى التوصّل إلى المسودة النهائية للرؤى المشتركة للمرحلة المقبلة لتكون أرضية لتشكيل الحكومة واستكمال هيكلة مؤسسات الحكم الذاتي في الإقليم.

سعدي بيره: مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة تسير بشكل جيد
وجاء الاجتماع استكمالا للقاء الذي عقد الأحد بين مسرور بارزاني وبافل طالباني ووصفه رئيس حكومة الإقليم بأنّه كان مثمرا موضّحا أنّه جرى الاتفاق خلاله على “ضرورة تشكيل حكومة قوية وموحدة تلبي تطلعات المواطنين،” ومؤكّدا تحقيق “تقدم وتفاهم جيدين” بشأن المسألة.
كما تحدّث طالباني بإيجابية عن الاجتماع قائلا إنّه “كان اجتماعا مثمرا للغاية واتفقنا خلاله على العديد من القضايا الإستراتيجية التي تخدم مصلحة شعبنا. وستستمر اجتماعاتنا وهدفنا هو الإسراع بتشكيل حكومة تخدم مواطنينا.”
ومن جهته أكّد سعدي أحمد بيره المتحدث باسم الاتحاد الوطني أنّ المفاوضات بين حزبه والحزب الديمقراطي لتشكيل الحكومة الجديدة للإقليم تسير بشكل جيد.
وقال بيره في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية إن الاجتماع الايجابي الذي عقد بين الاتحاد والحزب الديمقراطي جاء بعد اجتماع القمة الذي عقد بين بافل طالباني ومسرور بارزاني، موضحا أن الحوارات تسير نحو المصادقة على المسودة الأخيرة للرؤى المشتركة ومن ثم ستبدأ مرحلة توزيع المناصب بين الجانبين.
وأضاف أن المسودة تتضمن تفاهما أفضل بين الجانبين لتشكيل حكومة موحدة لإقليم كردستان وبناء قوة موحدة للبيشمركة وإنهاء ظاهرة الإدارتين في الإقليم وتحديد سياسة موحدة له.
وأوضح أيضا أنّ المسودة ستصبح برنامج عمل الحكومة الجديدة لمعالجة المشاكل وإنهاء التمييز بين المناطق في الإقليم وتحديد مهام كل وزير ومسؤول في الحكومة.
ودعا المتحدث باسم الاتّحاد الوطني إلى تعزيز وتطوير العلاقات بين الاتحاد والحزب الديمقراطي وتحقيق التقارب بينهما والعمل معا وتوحيد الرؤى تجاه جميع الملفات، مؤكّدا قوله “نحن نؤمن بالتعددية والأبواب مفتوحة أمام جميع الأطراف السياسية للدخول في اتفاق تشكيل الحكومة” بين الحزبين الرئيسيين.
ووصف بيره العلاقات بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي بالجيدة، مضيفا “نحن نعمل على خدمة المواطنين وتعزيز الاستقرار وتشكيل حكومة شاملة تعمل على خدمة المواطنين، ونحن نفضل تشكيل حكومة قوية لديها برنامج محكم، على الإسراع بتشكيل حكومة لا تكون بمستوى التحديات والأوضاع الراهنة وعلينا العمل بكل دقة على تشكيل الحكومة الجديدة.”
وتطرق بيره في حديثه إلى جانب من علاقة سلطات الإقليم بالسلطة الاتحادية العراقية التي تميزت خلال الفترة الماضية بكثرة التجاذبات حول مسائل اقتصادية ومالية. وقال إنّ الاتحاد الوطني الكردستاني يعمل على التوصل إلى اتفاق مع بغداد حول موضوع الغاز والنفط داعيا إلى التعامل بمسؤولية مع الحكومة الاتحادية وإنهاء الأزمة التي يعاني منها مواطنو الإقليم وخاصة ما يتعلّق بموضوع الرواتب، وإلى معالجة جميع المشاكل عن طريق الحوار والتفاهم.
ويعكس كلام سعدي بيره درجة اللين في خطاب الاتحاد الوطني بعد أن كانت قيادات الحزب قد أعلت من سقف مطالبها بشأن تشكيل الحكومة وأبدت إصرارها على الحصول على مناصب قيادية خارج الاستحقاق الانتخابي للاتحاد الذي وضعته نتائج الانتخابات ثانيا بعد الحزب الديمقراطي ومتأخرا عنه بستة عشر مقعدا من مقاعد البرلمان المنتخب في أكتوبر الماضي.

لاهور شيخ جنكي: السليمانية معقل الاتحاد والمركز الرئيسي لنفوذه قد لا تنجو بسهولة من الاصطفافات التي أنشأها بافل طالباني
وجعلت قيادات الاتحاد على مدى الأشهر الماضية من شعار تصحيح مسار الحكم واجهة لطموحها لقلب معادلة السلطة القائمة في الإقليم والتي اقتضت أن يكون الحزب الديمقراطي قائدا رئيسيا لسلطات الحكم الذاتي تبعا لوزنه السياسي وحجمه الجماهيري والانتخابي.
وسُجل مؤخّرا تراجع ملحوظ لذلك الشعار من خطاب تلك القيادات التي بدأ بعضها يبحث له عن تأويل مرن أقل إثارة للخلافات. وقال سعدي بيره إنّ “التفاهمات (بين الاتحاد والديمقراطي) ستؤدي بلا شك إلى تصحيح مسار الحكم.”
وينطوي التسريع في جهود تشكيل حكومة جديدة لإقليم كردستان على مصلحة مباشرة للاتحاد الوطني الكردستاني نظرا لما يوفّره له وجود سلطة مستقرّة ومتماسكة من مظلة لمواجهة الضغوط التي أصبح معرضا لها بسبب تراجع محور أصدقائه الإيرانيين في مقابل صعود المحور التركي المضاد له.
ومؤخّرا تحدّث السياسي الكردي لاهور شيخ جنكي زعيم ومؤسس جبهة الشعب عن مدى الضغوط التي باتت مسلطة على الاتّحاد وقيادته بفعل التطورات الإقليمية والدولية العاصفة.
وقال شيخ جنكي متحدثا من موقع المطلع على كواليس السياسة في إقليم كردستان العراق وعلى خلفيات الاتحاد باعتباره كان أحد قيادييه البارزين قبل انشقاقه عنه، إنّ السليمانية معقل الاتحاد والمركز الرئيسي لنفوذه قد لا تنجو بسهولة من الاصطفافات التي أنشأها بافل طالباني وجعلت الاتحاد في نظر الإدارة الأميركية جزءا من محو المقاومة بقيادة إيران التي أصبحت مع عودة الرئيس الجمهوري إلى سدّة الحكم في مرمى الضغوط الأميركية القصوى.
ويشير زعيم جبهة الشعب بذلك إلى العلاقات الواسعة التي أقامها رئيس الاتحاد الوطني مع الأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة ذات النفوذ الكبير في الدولة العراقية والصداقات المتينة التي باتت تربطه مع كبار قادة الميليشيات مثل قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق ما جعل بافل طالباني وحزبه أقرب إلى صفّ إيران وموضع ثقتها قياسا بقوى وشخصيات كردية عراقية أخرى وخصوصا الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي تنظر إليه طهران بارتياب وتعتبره منحازا لصف أعدائها ومنافسيها على النفوذ في العراق والمنطقة.
ولم تكن تلك العلاقات والصداقات من دون فوائد آنية لقيادة الاتّحاد التي لم تتردّد في الاستعانة بهؤلاء الأصدقاء وبنفوذهم وهيمنتهم على مؤسسات الدولة الاتّحادية في تحسين وضعها السياسي في إقليم كردستان العراق، وهو ما تجسّد على سبيل المثال في تدخل القضاء العراقي بطلب من الاتحاد نفسه لتعديل قوانين وإجراءات الانتخابات البرلمانية للإقليم أملا في قلب ميزان القوة في البرلمان لمصلحته وعلى حساب منافسه الأول الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو ما لم يتحقق بالفعل خلال الانتخابات الماضية على الرغم من أنّ التعديلات التي فرضها القضاء العراقي كانت تصب بالفعل لمصلحة الاتحاد وضد مصلحة الديمقراطي.
ويمثّل صعود تركيا وتقدّم نفوذها في العراق كذلك مصدر قلق للاتحاد الوطني الذي تحوّلت علاقاته القوية بحزب العمال الكردستاني إلى عبء عليه في وقت تحوّل فيه الملف ذاته إلى ورقة قوة في يد قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد أن أصبح رئيس الحزب مسعود بارزاني قائدا لجهود إنهاء الصراع الطويل بين أنقرة والمسلحين الأكراد سلميا.
ولم تكن هذه المعطيات المستجدّة داخل إقليم كردستان العراق ومن حوله من دون تأثير على موقف الاتحاد الوطني وتعديلها باتجاه الواقعية والتهدئة مع الشريك الكبير الحزب الديمقراطي، الأمر الذي بدأ ينعكس بشكل عملي على جهود تشكيل حكومة جديدة للإقليم.