تسارع تضخم ديون الحكومات يخنق الاقتصاد العالمي

حملت تحذيرات خبراء منظمة أونكتاد في دراسة حديثة حول مخاطر اتساع رقعة ديون الحكومات في طياتها قلقا أكبر من خروج هذه المحنة عن السيطرة مع تراكم الأزمات وتنوعها دون إيجاد حلول عملية لتخفيفها، مما يخنق الاقتصاد العالمي ويهدد رخاءه.
جنيف - دقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر بشأن تصاعد أعباء الديون، التي تملكها الحكومات على الازدهار العالمي بعدما نمت بشكل كبير العام الماضي بالنظر إلى ما خلفته الأزمات المتتالية خلال الأعوام الأربعة الأخيرة من مشاكل.
وسلط تقرير جديد لمنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) الذي يحمل عنوان “عالم الديون 2024: عبء متزايد على الرخاء العالمي”، الضوء على الارتفاع غير المسبوق في الدين العام، وسط زيادة الإقبال على الاقتراض رغم أسعار الفائدة المرتفعة.
وتطرقت الدراسة المنشورة على المنصة الإلكترونية للمنظمة الأممية إلى الاقتراض الحكومي العام المحلي والخارجي، والذي وصل إلى ذروة تاريخية بلغت 97 تريليون دولار في عام 2023، بزيادة ملحوظة 5.6 تريليون دولار عن العام السابق.
وأساسا، تطفو كل الدول فوق بحر من الديون وصلت إلى 313 تريليون دولار لتعادل نحو ثلاثة أضعاف قيمة الناتج الإجمالي العالمي البالغ نحو 104.4 تريليون دولار في العام الماضي.
وشدد معدو التقرير بقيادة الأمين العام لأونكتاد ريبيكا جرينسبان على أن “الارتفاع المثير للقلق في أعباء الديون العالمية يتطلب إصلاحات عاجلة للأنظمة المالية الدولية لحماية الناس والكوكب وبناء مستقبل مزدهر”.
واقترحوا أيضا زيادة التمويل لتوفير قدر أكبر من السيولة أوقات الأزمات، حتى لا تضطر البلدان إلى الاستدانة كملاذ أخير، مع زيادة الاقتراض المرن من خلال تعبئة بنوك التنمية المتعددة الأطراف والموارد الخاصة.
كما طالبوا صناع القرار إلى اتخاذ إجراءات لمعالجة الكلفة المرتفعة للديون والمخاطر المتزايدة لضائقة القروض، مع زيادة التمويل طويل الأجل الذي يمكن تحمله، وتوسيع التمويل الطارئ ليشمل البلدان التي تواجه قيود سيولة قصيرة الأجل.
وخلال العقد الماضي، ازدادت مديونية الدول النامية بأكثر من الضعف، والأسباب متعددة، من بينها انخفاض قيمة عملاتها مقابل الدولار، وغالبا ديونها مسعّرة بالعملة الأميركية، وأيضا تضخم الأسعار، وكل ذلك يؤدي إلى تجفيف احتياطاتها من العملات الأجنبية.
ويبلغ نصيب الدول النامية من إجمالي الدين العالمي على الحكومات، حوالي ثلث المبلغ، مما يعيق قدرتها على دفع تكاليف الخدمات الحكومية الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.
ويتزامن ارتفاع الدين العالمي مع صعود أسعار الفائدة خاصة على الدولار إلى ذروة 23 عاما، عند مستوى 5.5 في المئة، حيث تشكل العملة الأميركية أكثر من 70 في المئة من مجمل الديون.
وأشارت أونكتاد إلى أن الأزمات المتتالية والأداء البطيء وغير المتكافئ للاقتصاد العالمي تعد السبب وراء الزيادة السريعة في الدين العام العالمي.
وانضمت بلدان مثل مصر والمكسيك والبرازيل والهند، إلى الدول التي لديها أكبر قدر من الدين العام، وذلك نسبة إلى ناتجها المحلي الإجمالي.
◙ 97 تريليون دولار ديون الحكومات في 2023 بزيادة 5.6 تريليون دولار عن 2022
وقالت جرينسبان إنه “مع زيادة تكلفة الاقتراض في أجزاء كثيرة من العالم، قفزت الفائدة على الدين العام إلى 847 مليار دولار العام الماضي، بزيادة 26 في المئة عن العامين السابقين”.
وتعتبر أرقام الدين العالمي على الحكومات، جزءا من إجمالي مختلف الديون العالمية من حكومات وقطاع خاص وأفراد، والبالغ 315 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي.
وفي أفريقيا على وجه الخصوص، أدى تعثر اقتصادات دول القارة في أعقاب الأزمات العالمية المتعددة إلى زيادة عبء الديون. وارتفع عدد بلدان القارة التي تزيد نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها عن 60 في المئة من ستة إلى 27 بين عامي 2013 و2023.
ومن ناحية أخرى، أصبح سداد الديون أكثر تكلفة، وهذا يؤثر على البلدان النامية بشكل غير متناسب.
ودفعت الدول النامية خلال العام الماضي 847 مليار دولار من صافي الفوائد، بزيادة قدرها 26 في المئة عن عام 2021. واقترضت دوليا بمعدلات أعلى مرتين إلى أربع مرات من الولايات المتحدة وستة إلى 12 مرة أعلى من ألمانيا.
وقالت أونكتاد إن “الارتفاع السريع في تكاليف الفائدة يحد من الميزانيات في البلدان النامية. وفي الوقت الحاضر، يخصص نصفها ما لا يقل عن 8 في المئة من الإيرادات الحكومية لخدمة الديون، وهو الرقم الذي تضاعف في السنوات العشر الماضية”.
وعلاوة على ذلك، في العام الماضي، خصصت 54 دولة نامية، نصفها تقريبا في أفريقيا، ما لا يقل عن 10 في المئة من الأموال الحكومية لمدفوعات فوائد الديون.
◙ حجم ديون كافة الدول بلغت 313 تريليون دولار العام الماضي، وهي تعادل ثلاثة أضعاف الناتج العالمي البالغ 104.4 تريليون دولار
ومع اشتداد الأزمة، أصبحت الإجراءات الرامية إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية أمرا ملحا.
وعلى الرغم من هذه الضرورة الملحة، تخصص البلدان النامية حاليا نسبة أكبر من ناتجها المحلي الإجمالي لمدفوعات الفائدة، تصل في المتوسط إلى 2.4 في المئة، مقارنة بالمبادرات المناخية البالغة 2.1 في المئة، فالديون تحد من قدرتها على معالجة تغير المناخ.
وكشف التقرير أن نحو 3.3 مليار فرد من أصل 7.95 مليار نسمة هم عدد سكان العالم، يقيمون في دول تتجاوز فيها مدفوعات الفائدة الإنفاق على التعليم والصحة مجتمعين.
وعلى سبيل المثال، يتجاوز إنفاق الشخص العادي على الفوائد في أفريقيا نحو 70 دولارا، ونصيب الفرد في القارة من التعليم حوالي 60 دولارا، والصحة 39 دولارا.
ويعيش عدد كبير من الأفارقة من بين 769 مليون أفريقي في بلدان حيث تفوق مدفوعات الفائدة الاستثمارات في التعليم والصحة، وهو ما يمثل ما يقرب من ثلثي مجموع السكان.
واعتبر البنك الدولي في فبراير الماضي، أن ارتفاع تكاليف الاقتراض سوف يحدث طفرة في حاجة الدول النامية إلى تحفيز اقتصاداتها المتباطئة لكي تستطيع من تجنب عواقب الصدمات الراهنة لفترة أطول.
ومن المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي للعام الثالث على التوالي إلى 2.4 في المئة قبل أن يرتفع إلى 2.7 في المئة في العام المقبل، وهذه المعدلات لا تزال أقل بكثير من متوسط 3.1 في المئة المسجل في العقد الماضي.