تسارع تبخر الاحتياطي النقدي يفاقم الضغوط المالية على تونس

تتصاعد التحذيرات من انحدار الاقتصاد التونسي إلى فخ الركود بعدما سجل تعافيا ملحوظا مؤخرا، نتيجة تسارع تبخر الاحتياطي النقدي كونه يفاقم الضغوط المالية مما يقلص قدرة الحكومة على المضي في الإصلاح ريثما تتلقى تمويلا من المانحين الدوليين.
تونس - تراقب أوساط اقتصادية في تونس باهتمام بالغ التأثيرات المحتملة التي يمكن أن يخلفه تآكل مخزون العملة الصعبة لدى البنك المركزي، رغم تأكيد البيانات الرسمية أن الاقتصاد شهد نموا مفاجئا في الربع الثالث.
ويتخوف البعض من خطورة تعمق الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها التوازنات المالية أصلا، ومنهم من دق جرس الإنذار من تداعيات خروج الإنفاق عن سيطرة الحكومة ولجوئها المتزايد إلى الاقتراض الداخلي والخارجي.
وتراجع احتياطي النقد الأجنبي لدى المركزي إلى 21.9 مليار دينار (6.7 مليار دولار) بحلول الاثنين الماضي وهو ما يغطي 99 يوما من عمليات التوريد، مقابل 125 يوما قبل عام.
وهذا أدنى تراجع لاحتياطي النقد الأجنبي لتونس منذ نحو ثلاثة أعوام، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة مالية متفاقمة تهدد وارداتها من المواد الحساسة.
وفي وقت سابق هذا الشهر كانت الاحتياطات النقدية عند نحو 6.97 مليار دولار بعدما كانت في النصف الأول من العام الجاري فوق حاجز السبعة مليارات دولار.
ويقول خبراء إن هذا التراجع يعود أساسا إلى تفاقم ميزان العجز التجاري إلى مستوى بسبب تأثيرات الأزمات العالمية التي تسببت في زيادة تكاليف الشحن مع ارتفاعات متواترة في أسعار الطاقة والغذاء.
وتشير أرقام معهد الإحصاء الحكومي إلى أن العجز التجاري اتسع في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 19 مليار دينار (5.93 مليار دولار).
ويشكل عجز الطاقة 36.6 في المئة من العجز التجاري الإجمالي، علما وأنه ناهز 3.3 مليار دينار (أكثر من مليار دولار) خلال نفس الفترة من العام الماضي.
ودون احتساب الطاقة، بلغ العجز التجاري مع نهاية سبتمبر الماضي 12.1 مليار دينار (3.87 مليار دولار).
وكان بلحسن شيبوب مدير الانتقال الطاقي بوزارة الطاقة قد قال لرويترز في مايو الماضي إن “فاتورة شراء الغاز المحلي والأجنبي قد تصل هذا العام إلى نحو 2.6 مليار دولار مقارنة مع 1.5 مليار دولار العام الماضي”.
واعتبر المعهد أن العجز التجاري للسلع ناتج بالأساس عن العجز المسجل مع الصين البالغ 2.1 مليار دولار وتركيا المقدر بنحو 960 مليون دولار.
ويتزايد القلق بشأن اتساع العجز التجاري جراء الارتفاع السريع لفاتورة استيراد الطاقة والغذاء، وسط محاولات حكومية لتسريع مواجهة تفاقم اختلال التوازنات المالية، التي تتطلب علاجات عاجلة.
ووفقا لبيانات سابقة أعلنها المركزي، فقد ارتفعت تحويلات المغتربين بنسبة 13.3 في المئة خلال الثلث الأول من هذا العام بنسبة 13.3 في المئة لتصل إلى 780 مليون دولار، بالإضافة إلى زيادة إيرادات السياحة بنسبة 58 في المئة مسجلة 254.7 مليون دولار.
ويأتي تسجيل هذه الأرقام مع ظهور أرقام رسمية تظهر أن الاقتصاد التونسي نما بنسبة 2.9 في المئة في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوما بنمو قطاع الخدمات.
وكان نمو الاقتصاد في الربع السابق قد بلغ نسبة 2.3 في المئة مقابل 2.6 في المئة في الربع الأول من هذا العام. وكان الناتج المحلي الإجمالي قد نما بنسبة 1.7 في المئة في الفترة نفسها قبل عام.
وأرجع معهد الإحصاء هذا النمو إلى ارتفاع وتيرة نمو القيمة المضافة في قطاع الخدمات، والذي بلغ 4.3 في المئة على أساس سنوي، وبدرجة أقل إلى تقلص التراجع في قطاع البناء والتشييد.
وأوضح أنه في خضم ظرف اقتصادي عالمي صعب والضغوط التضخمية غير المسبوقة، يواصل النشاط الاقتصادي تدارك الركود الذي تبع الأزمة الصحية لعام 2020، في حين لا يزال الناتج المحلي دون مستواه المسجل في نهاية 2019.
وسجلت تونس نسبة تضخم قياسية في أكتوبر الماضي حيث بلغت 9.2 في المئة مما خلف ضغوطا كبيرة على المستهلكين وعلى قطاع الأعمال.
وعانى الاقتصاد التونسي منذ اندلاع أزمة كورونا، ودخلت البلاد في مفاوضات طويلة مع صندوق النقد الدولي، وتوصلت في أكتوبر الماضي إلى اتفاق على مستوى الخبراء بترتيب تمويل مدته 48 شهرا بقيمة 1.9 مليار دولار.
وكما هو الحال بعد موافقة الخبراء، فإن الاتفاق النهائي بشأن الترتيب يخضع لموافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، والذي من المقرر أن يناقش طلب برنامج تونس مطلع الشهر المقبل.
2.9
في المئة نسبة نمو الاقتصاد بالربع الثالث من 2022 مقارنة مع 2.3 في المئة بالربع السابق
ويهدف البرنامج الجديد إلى استعادة استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي والعدالة الضريبية وتكثيف الإصلاحات التي تدعم بيئة مواتية للنمو الشامل وتوفير فرص عمل مستدامة.
وكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي قد توقع في سبتمبر الماضي أن تتوصل بلاده خلال الأسابيع المقبلة إلى اتفاق مع الصندوق بشأن قرض تتراوح قيمته بين ملياري دولار و4 مليارات دولار على ثلاث سنوات.
وكانت الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابة عمالية في البلاد، قد اتفقا على زيادة الرواتب في القطاع العام بنسبة 3.5 في المئة، وهي خطوة تساعد في تخفيف الخلافات مع سعي تونس للحصول على مساعدة من صندوق النقد.
ووفق المركزي في بداية أكتوبر بعد إقراراه زيادة معدلات الفائدة 25 نقطة أساس، ليصل إلى 7.25 في المئة، من المتوقع أن تستمر ضغوط التضخم نتيجة زيادة تأثير العوامل الداخلية أو الخارجية، التي تزيد حاليا من حدة الضغوط على الأسعار.
وأشار حينها إلى “ضعف القدرة الإنتاجية للاقتصاد في ظل ارتفاع الطلب على وجه الخصوص، وهو ما يمثل مصدرا رئيسيا للضغوط التضخمية”.