تساؤلات عن دور البرلمان التونسي في ظل صلاحيات واسعة للرئيس

نجحت تونس في إجراء الانتخابات التشريعية في ظروف ملائمة بالرغم من حملات المعارضة، لكن هل يقدر البرلمان الجديد على أن يكون في مستوى تطلعات التونسيين، وأن يكون قادرا على معارضة السلطة التنفيذية والاختلاف معها في ظل قانون يجيز سحب الثقة من أي نائب.
تونس - انتخب التونسيون السبت برلمانا جديدا مجرّدا من سلطات فعلية في انتخابات تشريعية تشكل الحجر الأخير في بناء نظام رئاسي يسعى قيس سعيّد إلى إرسائه منذ أن إجراءات صيف 2021، وهو نظام يقوم على جعل الرئيس المصدر الرئيسي للسلطة، على أن يكتفي البرلمان بالجانب التشريعي بخلاف النظام الذي تم اعتماده في السابق.
وجرت انتخابات السبت وسط قلق بشأن مدى قدرة النواب الجدد على الاضطلاع بمسؤولياتهم، خصوصا وأن عددا كبيرا من المترشحين لا يتوفرون على سجلّ سياسي ولا يملكون زادا فكريا يخوّل لهم طرح مشاريع القوانين، وخاصة القدرة على الوقوف بوجه قوانين الحكومة المدعومة من الرئيس في ظل سيف سحب الثقة المسلط عليهم.
ولم يكن الإقبال على مراكز الاقتراع كبيرا في غياب التنافس الذي كانت تغذيه الأحزاب في السابق.
وبدت الحملة الانتخابية التي استمرت ثلاثة أسابيع باهتة، كان ظهور المرشحين خلالها محدودا ومن دون أن يطغى عليها أيّ طابع تنافسي، بينما غاب عنها السجال الانتخابي في وسائل الاعلام.
بموجب الدستور، لن يكون بوسع نواب البرلمان إقالة الرئيس ولا إسقاط الحكومة إلاّ بتوفر شروط من الصعب تحقيقها
ويتكوّن البرلمان الجديد من 161 نائبا. وسيحل محل البرلمان السابق الذي جمّد أعماله سعيّد في 25 يوليو 2021 وحلّه لاحقا واحتكر السلطات في البلاد، مبررا قراره آنذاك بالانسداد السياسي وتواصل الأزمات السياسية في البلاد إثر خلافات متكررة بين الأحزاب في البرلمان.
لكن هذا البرلمان الذي سيتم إعلان نتائج انتخابه بعد دورة ثانية بين فبراير ومارس القادمين، سيكون مجرّدا من السلطات استنادا إلى الدستور الجديد الذي تم إقراره إثر استفتاء شعبي في يوليو الفائت ولم يشارك فيه نحو سبعين في المئة من الناخبين.
وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة “نواب البرلمان القادم سيدخلون قصر باردو وهم محدودو الصلاحيات في المؤسسة التشريعية، كما أن السير الذاتية للعديد من المترشحين بعيدة كل البعد عن الإلمام بمشاكل الجهات إذا ما ذهبنا في فكرة البناء القاعدي والعمق الاجتماعي وضعف التجربة السياسية”.
وأوضح في تصريحات سابقة لـ”العرب”، “هناك وظيفة تشريعية، ولكن يجب تقديم الإضافة المرجوّة، وهؤلاء يقتحمون العمل السياسي بقيود عديدة، كما لا توجد علاقة تربط بين النواب، وكل نائب يمثل بدوره كتلة برلمانية”.
وأردف علالة “للأسف سيكون هناك انتشار آخر للشعبوية في تونس، وهؤلاء رصيدهم الأكاديمي والعلمي ضعيف وهدفهم فقط الشهرة أو الظهور التلفزيوني والإعلامي واستسهال المناصب السياسية، وكل شخص يرى نفسه نائبا في البرلمان”.
وبموجب هذا الدستور، لن يكون بوسع نواب البرلمان إقالة الرئيس ولا إسقاط الحكومة إلاّ بتوفر شروط “من الصعب جدّا” تحقيقها، حسب الخبير السياسي حمادي الرديسي.
في المقابل يمكن لمجموع النواب تقديم مقترحات ومشاريع قوانين لكن تبقى للرئيس الأولوية في ذلك.
وينص القانون الانتخابي الجديد على الاقتراع الفردي ويحل محل انتخاب اللوائح، ما يضعف مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات. وقد نتج عن ذلك ترشح شخصيات غير معروفة غالبيتها دون انتماءات سياسية.
ويقول أستاذ العلوم السياسية حمزة المؤدب إن “هذا التصويت إجراء شكلي لاستكمال النظام السياسي الذي فرضه قيس سعيّد بتركيز السلطات بين يديه”.
ويضيف أن “التونسيين يعلمون أن البرلمان لن يكون له وزن سياسي وسيتم تجريده من كل السلطات”، وإنه “لا يوجد جو انتخابي (…) إنه ليس بحدث”.
ويؤكد المؤدب على أن المترشحين غير معروفين لعامة الناس و”مبتدئون في السياسة، وغير قادرين على التعبئة في سياق اقتصادي متدهور للغاية”.
وترشح للانتخابات 1085 شخصًا غالبيتهم غير معروفين. وذكر “المرصد التونسي للانتقال الديمقراطي”، أن نصف المترشحين أساتذة (نحو 26 في المئة) وموظفون حكوميون بمستوى متوسط (نحو 22 في المئة).
ويظل الشغل الشاغل لـ12 مليون تونسي، بمن فيهم تسعة ملايين ناخب مسجل، ارتفاع تكاليف المعيشة مع تضخم يبلغ حوالي 10 في المئة واستمرار الفقدان المتكرر لبعض المواد الغذائية على غرار الحليب والسكر.
وقاطعت غالبية الأحزاب السياسية في تونس وفي مقدمتها حزب النهضة الإسلامية والذي كان مسيطرا على البرلمان منذ 2011، الانتخابات وقالت إنها لن تعترف بنتائجها.
ويرى المؤدب في هذا السياق أن الهدف هو “إعادة تشكيل نظام سياسي أحادي، كما يريد الرئيس سعيّد، لا يشرك فيه الاتحاد العام التونسي للشغل ولا المجتمع المدني ولا حتى الأحزاب”.
القانون الانتخابي الجديد ينص على الاقتراع الفردي ويحل محل انتخاب اللوائح، ما يضعف مشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات
وهاجم الاتحاد الذي يمثل الثقل النقابي في البلاد، مؤخرا انتخابات الرئيس واعتبرها من دون “طعم ولا لون”.
وقرّرت منظمة “بوصلة” التي تراقب النشاط البرلماني في البلاد منذ 2014، عدم مواصلة عملها الرقابي على البرلمان مبررة قرارها برفضها أن تكون “شاهد زور على برلمان كرتوني”.
وقالت هذه المنظمة غير الحكومية إنها لا تريد “إضفاء الشرعية على هيئة وهمية يتم إنشاؤها فقط لدعم توجيهات الرئيس”.
ويعتبر هاميش كينير المحلل في مكتب “فيريسك مابلوكروفت الدولي”، أن الانتخابات “ستسهل مع ذلك علاقات تونس مع شركائها الخارجيين الرئيسيين، من خلال إنهاء 17 شهرًا من عدم اليقين الدستوري” منذ احتكار سعيّد للسلطات في البلاد.
ويقول كينير إنه سيكون من الأسهل الحصول على مساعدات من المانحين الدوليين “بفضل عودة وضوح الرؤية السياسية بشكل أكبر، حتى لو كانت الشرعية الديمقراطية للانتخابات التشريعية ضعيفة”.
وتبدو هذه الانتخابات مفصلية بالنظر إلى الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في البلاد.
وأرجأ صندوق النقد الدولي الذي كان من المقرر أن يعطي الضوء الأخضر الاثنين لمنح تونس قرضا رابعا على 10 سنوات (حوالي ملياري دولار)، قراره إلى مطلع يناير بطلب من الحكومة التونسية التي لم يُغلق ملفها بالكامل.