تزييف الفيديوهات صناعة في الحرب الدعائية ضد السعودية

تداول مقطع فيديو في الكويت عام 2014 على أنه استهداف حوثي لنجران يلقي الضوء على  انتشار الأخبار الكاذبة لتضليل الرأي العام ونشر الشائعات.
السبت 2019/07/20
أحداث حقيقية تستخدم في سياق آخر على مواقع التواصل الاجتماعي

كشف فريق تقصي حقائق في وكالة فرانس برس أن مقطع الفيديو الذي يصوّر اقتحام الحوثيين مدينة نجران السعودية وتم تداوله بين عشرات آلاف المستخدمين لمواقع التواصل، ولاسيما على صفحات تستهدف السعودية، يعود إلى الكويت عام 2014، وانتشر في إطار الحرب الدعائية ضد السعودية على مواقع التواصل الاجتماعي.

بيروت – ينتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يدّعي ناشروه أنه يظهر مدنيين يفرون من مناطق سعودية سيطر عليها المتمردون الحوثيون في يونيو، لكن ما يظهره في الحقيقة هو تفريق تظاهرة جرت عام 2014 في الكويت.

المقطع يختصر صناعة كاملة من الأخبار الكاذبة لتضليل الرأي العام ونشر الشائعات استنادا إلى وقائع أو أحداث أو تصريحات لسياسيين، فقد تبيّن لفريق تقصّي صحّة الأخبار في وكالة فرانس برس أن المقطع بدأ بالانتشار فجر السادس من يونيو 2019. وقبل ذلك بساعات، وتحديداً عند الرابعة من بعد ظهر الخامس من يونيو، زعم المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع السيطرة على عشرين موقعاً في منطقة نجران.

ثم نشر المقطع تحت عناوين تدّعي أنه يصوّر اقتحام الحوثيين مدينة نجران أو مدينة الخوبة في السعودية، وهروب المواطنين.

ثم انتشر المقطع بهذا السياق بين عشرات آلاف المستخدمين لمواقع التواصل، ولاسيما على صفحات تستهدف السعودية. وجمع الآلاف من المشاركات ومئات آلاف المشاهدات على صفحات مختلفة، كما نشر على يوتيوب أيضا.

وكثيراً ما يعلن الحوثيون استهداف مواقع في نجران القريبة من الحدود اليمنية، وأحياناً اقتحام مناطق حدودية، دون أن تكون أخبارا صحيحة.

وتعد الأخبار الزائفة المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي المصدر الثاني لفقدان الثقة في الإنترنت بعد الجرائم الإلكترونية ومرتكبيها، لكنها ما زالت تقوم بتأثير لا يستهان به وتلقى أذنا صاغية لدى الكثير من المستخدمين الذين لا يمتلكون الخبرة الكافية لتحليل الأخبار أو مقاطع الفيديو للتحقق من صحتها، وهو ما ينطبق أيضا على بعض الصحافيين الذين يستقون أخبارهم من مواقع الشبكات الاجتماعية، دون تدقيق أو تثبت.

ويظهر الفيديو الملتقط ليلا أشخاصاً يهربون في كلّ الاتّجاهات وسط الدخان ودويّ أبواق قد تكون صفّارات إنذار أو سيّارات إسعاف أو شرطة، فيما يسمع صوت شخص يطلق نداء استغاثة “أوصلوا الأمر لكبار المسؤولين في المملكة… القصف علينا لم يتوقّف منذ أربع ساعات”.

لكن بالتدقيق في الفيديو يظهر جليا أن المشاهد في المقطع لا توحي بأن السكان يهربون من قصف أو اجتياح، إذ يعمد المدنيون في مثل هذه الظروف إلى الاختباء وعدم الخروج إلى الشوارع.

كما يبدو الصوت في المقطع مركبا عليه ولم يسجّل في مكان الأحداث، لاسيّما وأن حركة التصوير الثابتة لا تنسجم مع لهاث المتكلّم وكأنه يجري أو في حالة ذعر، عدا عن أنه من المستبعد أن يطلب مواطن من مشاهدي مقطع فيديو إبلاغ سلطات بلاده أن مدينته تتعرّض لقصف أو اجتياح منذ ساعات، وكأنها على غير علم بما يجري في إحدى مدنها.

بالفعل، أرشدت تجزئة المقطع إلى صور ثابتة والتفتيش عنها باستخدام محرّكات البحث إلى نفسه منشوراً في العام 2014 مع خلفيّة صوتيّة مختلفة، على أنه لتفريق تظاهرة في الكويت آنذاك.

وعُثر أيضاً على مقطع آخر بثّته قناة “اليوم” الكويتية المعارضة في العام 2014، فيه الكثير من العناصر المشابهة، أو اللقطات المماثلة إنما من زاويتين مختلفتين، ما يؤكد السياق الحقيقي للفيديو.

فيظهر في المقطعين على سبيل المثال الفتى ذاته يرتدي قميصا أزرق وشعره كثّ وأملس، يسقط أرضا وهو يجري ثم ينهض ويواصل هروبه فيما يرتفع صوت يناديه “حمزة، حمزة، تعال”. ويشهد اليمن منذ العام 2014 حربا بين المتمردين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس المعترف به عبدربه منصور هادي، تصاعدت في مارس 2015 مع تدخل السعودية على رأس تحالف عسكري دعما للقوات الحكومية.

وعند البحث عن أصول انتشار الفيديو، وجد فريق تقصّي صحّة الأخبار أن أول من تداوله مستخدمون سودانيون نشروه فجر السادس من يونيو على أنه يصور سقوط نجران بعد انسحاب الجيش السوداني منها و”مخالفته للتعليمات”.

فريق تقصّي الأخبار كشف أن المقطع بدأ بالانتشار بعد ساعات من إعلان متحدث حوثي السيطرة على مواقع في نجران

والسودان شريك رئيسي في التحالف العسكري الذي تقوده الرياض وأبوظبي ضدّ المتمرّدين الحوثيين في اليمن، ويقاتل الآلاف من الجنود السودانيين في صفوفه.

ويدرك ناشرو الأخبار والفيديوهات المزيفة أن غالبية المستخدمين لا يستطيعون تمييز صحتها، فقد اعترف 86 بالمئة من مستخدمي الإنترنت بأنهم وقعوا فريسة أخبار زائفة، وأن المنبر الأساسي لنشر المعلومات المضللة هو موقع فيسبوك، وفق ما ذكرت دراسة مسحية جديدة أجرتها شركة إبسوس، بتكليف من مركز الإبداع للحكم الدولي، وهو منظمة غير حكومية للتحليلات يوجد مقرها في كندا، بالاشتراك مع جمعية الإنترنت، ومؤتمر التجارة والتنمية التابع للأمم المتحدة.

وتظهر معظم الأخبار الزائفة أيضا – كما تقول دراسة مسحية جديدة – على يوتيوب، وتويتر، والمدونات.

ويعتقد الأشخاص الذين استطلعت آراؤهم أنه يجب على الحكومات وشركات الإعلام على السواء العمل على علاج تلك المشكلة التي تساهم في زيادة فقدان الثقة في المعلومات المنشورة على الإنترنت، وفي تأثيرها السلبي في الاقتصاد والخطاب السياسي.

ويقول فين أوسلير هامبسون، مدير برنامج الأمن والسياسة في أبسوس “تقرير هذا العام بشأن الاتجاهات في العالم لا يؤكد فقط هشاشة الإنترنت، لكنه يظهر أيضا نمو عدم ارتياح مستخدميها من وسائل التواصل الاجتماعي، وما لها من سلطة على حياتهم اليومية”. وقال 49 بالمئة من المشاركين في الدراسة، ممن لا يثقون في الإنترنت، متحدثين عن تأثيرات فقدان الثقة، إن فقدان الثقة دفعهم إلى عدم الكشف عن بياناتهم الشخصية على الإنترنت، بينما يحتاط 40 بالمئة أكثر ويسعون إلى تأمين أجهزتهم، وقال 39 بالمئة إنهم يستخدمون الإنترنت بحرص أكثر.

وليس هناك إلا فئة قليلة من الناس قالوا إنهم يستخدمون أكثر الوسائل المتقدمة في الإنترنت، مثل التشفير (حوالي 19 بالمئة)، واستخدام شبكات افتراضية خاصة لحماية أنفسهم.

وتقول الدراسة إن الولايات المتحدة تتصدر دول العالم في نشر الأخبار الزائفة، تليها روسيا والصين. وتظهر أيضا أن السكان في مصر هم الأكثر من حيث الانخداع بتلك الأخبار. أما الأكثر تشككا فيها فهم سكان باكستان.

وأجريت الدراسة في ما بين 21 ديسمبر الماضي، و10 فبراير 2019. وتمت على أكثر من 25000 شخص، وشارك في تقرير 2019 نحو 25 دولة من أميركا الشمالية وأميركا اللاتينية وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا ومنطقة آسيا.

18