تزايد عدد الوفيات في مراكز الاحتجاز يحرج السلطات السورية

دمشق - يثير تصاعد نسق الانتهاكات في مراكز الاحتجاز في سوريا، والتي أدت إلى وفيات، قلقا في الأوساط الحقوقية والمجتمعية السورية، وإحراجا للسلطة الجديدة.
ومنذ بداية العام الجاري لقي العديد من الأشخاص حتفهم، بعد إيقافهم من طرف القوى الأمنية في عدد من المحافظات ولاسيما في محافظة حمص، وآخرهم شابان من قرية الكنيسة في ريف حمص، جرى اعتقالهما بتاريخ 22 يناير الماضي، أثناء عملية تفتيش في القرية.
ووفقاً للمعلومات الواردة على المرصد السوري، تم إطلاق النار على قدم أحد الشابين خلال الاعتقال، ثم قتلا لاحقاً في السجون التابعة لإدارة العمليات العسكرية، ليتم تسليم جثتي الشابين إلى أهلهما السبت.
وقبل ذلك لقي شاب حتفه تحت وطأة التعذيب في أحد مراكز الاحتجاز، وذلك بعد اعتقاله من قبل مجموعة مسلحة خلال حملة أمنية استهدفت قرية الشنية بريف حمص. وتم العثور على جثمانه بعد مرور أيام على اختفائه، حيث أظهرت تقارير أولية تعرضه لمعاملة قاسية.
12
حالة وفاة على الأقل سجلت أثناء الاحتجاز في الأيام الأخيرة، من بينها وفاة لؤي طيارة في حمص
ويعد منتسبون إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية في النظام السابق أبرز الضحايا، الأمر الذي يُخشى أن يخلق ردود فعل عنيفة، تبقي البلاد في دوامة من العنف.
وأعلنت السلطات السورية السبت عن وفاة شخص تمّ توقيفه على خلفية انتسابه إلى مجموعات رديفة للقوات الحكومية في عهد الرئيس السابق بشار الأسد، توفي أثناء الاحتجاز، مؤكدة فتح تحقيق في “تجاوزات” قام بها عناصر الأمن.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن مدير إدارة الأمن العام في حمص أن دورية منها أوقفت في 29 يناير “لؤي طلال طيارة الذي كان يعمل ضمن صفوف الدفاع الوطني في مدينة حمص، وذلك لعدم تسوية وضعه القانوني وحيازته أسلحة غير مصرح عنها،” مضيفا “تمّ نقله إلى مركز الاحتجاز تمهيداً لإحالته إلى القضاء.”
وتابع أنه أثناء احتجازه “وقعت تجاوزات من قبل بعض العناصر الأمنية المكلفة بنقله، ما أدى إلى وفاته على الفور،” مؤكدا فتح “تحقيق رسمي” وتوقيف “جميع العناصر المسؤولة وإحالتها إلى القضاء العسكري.”
وشدد على أن “هذه الحادثة يتم التعامل معها بجدية مطلقة، ولن يكون هناك أي تهاون في محاسبة المسؤولين.” وأوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان أن طيّارة قضى جراء “ضربة بأداة حادة على رأسه بعد مضي 24 ساعة من توقيفه.”
وأطاحت فصائل تقودها هيئة تحرير الشام بالرئيس بشار الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، مع دخولها دمشق عقب هجوم مباغت بدأته من شمال غرب سوريا قبل ذلك بنحو أسبوعين.
وفرّ الأسد الى روسيا لينتهي بذلك حكمه الذي استمر قرابة ربع قرن، وحكم آل الأسد بدأ مطلع السبعينات من القرن الماضي مع والده حافظ.
ومنذ توليها السلطة، نفّذت السلطات الأمنية سلسلة من الحملات الأمنية التي هدفت إلى ملاحقة ما تسميه “فلول النظام” السابق. وتخللها توقيف المئات ممن لم يسوّوا أوضاعهم مع السلطات الجديدة. في المقابل أفاد سكان ومنظمات بحصول انتهاكات تتضمن مصادرة منازل أو إعدامات ميدانية.
وحفلت أعوام حكم الأسد بممارسات مثل الاعتقالات التعسفية والعنف والتعذيب في السجون، ضمن ممارسات هدفت إلى القضاء على أي شكل من أشكال المعارضة.
منذ وصولها إلى السلطة تحاول القيادة السورية الجديدة طمأنة الأقليات خصوصا الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، لكن وعودها لا يجد لها السوريون أثرا على أرض الواقع
ومنذ وصولها الى السلطة تحاول القيادة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع طمأنة الأقليات خصوصا الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، لكن وعودها لا يجد لها السوريون أثرا على أرض الواقع، في ظل اعتقاد يترسخ بأن لا شيء تغير، وأن الوضع الأمني ينسحب إلى الأسوأ في ظل العقلية الانتقامية السائدة، وفي غياب العدالة والقانون.
والسبت نقلت سانا عن مدير إدارة الأمن العام التزام السلطات “التام بحماية حقوق المواطنين وصون كرامتهم، وأن جميع الإجراءات القانونية ستُتخذ لضمان العدالة والشفافية، وسيتم الإعلان عن نتائج التحقيق فور انتهائه،” مؤكدا على أن “أي انتهاك للقانون لن يُسمح به تحت أي ظرف.”
وشدد المسؤول، الذي لم يُذكر اسمه، على أنه “لا يجوز لأي جهة أو فرد أن يتصرف خارج إطار القانون، ونحن نؤكد أن العدالة ستأخذ مجراها بالكامل، بغض النظر عن هوية الشخص المعني أو انتمائه السابق، وأن حماية المجتمع تتطلب الالتزام الصارم بالإجراءات القانونية.”
ونقلت مجموعة السلم الأهلي، وهي إحدى مجموعات المجتمع المدني، في بيان أن عائلة طيّارة أبلغت بوفاته “جراء أعمال تعذيب من عناصر منفلتة.” وأدانت المجموعة “هذه الجريمة”، معتبرة أنها “ليست مجرد اعتداء على فرد بل اعتداء على قيم الإنسانية والكرامة والحق في الحياة.”
وطالبت السلطات بتحمّل “المسؤولية القانونية والأخلاقية” من خلال “تفعيل دور القضاء” و”ضبط العناصر المنفلتة” و”منع الإفلات من العقاب” و”ضمان الشفافية”.
وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت أنه سجل 12 حالة وفاة أثناء الاحتجاز في الأيام الأخيرة، من بينها وفاة طيارة في محافظة حمص. وكان المرصد قد أفاد بأن مسلحين قتلوا عشرة أشخاص الجمعة خلال “مجزرة” في قرية سكانها من العلويين في محافظة حماة.
وأصدرت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في وقت سابق بيانا حثت فيه الحكومة الانتقالية على تعزيز تدابير حماية المدنيين خلال العمليات الأمنية في ظل التحديات المعقدة التي تواجه سوريا، وأضافت أنَّه تم توثيق انتهاكات شملت التعذيب وإهانة الكرامة الإنسانية والرموز الدينية خلال حملة أمنية في محافظة حمص.