تزايد المطالبات التونسية بتنويع الأسواق لتفادي تأثيرات الحرب التجارية

تونس - بدأت تتزايد الأصوات داخل الأوساط الاقتصادية والسياسية التونسية الداعية إلى ضرورة تنويع الأسواق الخارجية لتفادي التأثيرات السلبية الناجمة عن الحروب التجارية العالمية، وعلى رأسها تلك القائمة بين الولايات المتحدة وعدد من شركائها التجاريين.
وهذه الدعوات ليست جديدة، لكنها أخذت في الفترة الأخيرة زخما أكبر مع تزايد المؤشرات على هشاشة النموذج الاقتصادي التونسي القائم إلى حدّ كبير على علاقات تجارية تقليدية مع عدد محدود من الشركاء، خاصة دول الاتحاد الأوروبي.
واستيقظت تونس كغيرها من دول العالم مطلع أبريل الماضي على هجمة الرسوم الأميركية الشاملة، وسط تضارب في التقييمات حول تأثيراتها على الاقتصاد رغم أنها تحمل في طياتها انعكاسات مختلطة، وفق المحللين.
ورغم أن التأثيرات المباشرة لتوسيع نطاق الإجراءات الحمائية التي طالت تونس بنسبة 28 في المئة كرسوم إضافية على صادراتها إلى السوق الأميركية تبدو محدودة، لكنها قد تقلص تجارة البلد مع الولايات المتحدة وخاصة بالنسبة للتمور وزيت الزيتون والنسيج.
وفي أحدث المؤشرات على هذه المخاوف توقع المرصد التونسي للاقتصاد انخفاضا في عائدات الصادرات التونسية وخاصة زيت الزيتون بسبب الرسوم التي فرضتها الولايات المتحدة ثالث أكبر زبون لهذا المنتج، وهو ما قد ينعكس سلبا على الميزان التجاري.
وذكر المرصد في ورقة تحليلية نشرها مؤخرا وأوردتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية الأحد أن سوق زيت الزيتون التونسي سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة في ظل سياسة الرسوم الأميركية قد يتأثر، مشددا على ضرورة أن تقوم تونس بتنويع الأسواق.
وأوضحت الورقة التي جاءت تحت عنوان “السياسة الحمائية الأميركية يمكن أن تكون مكلفة لتونس”، أن في ظل رسوم أقل من 20 في المئة مطبقة على الدول الأوروبية وبعض الدول المصدرة الناشئة مثل تركيا والأرجنتين والمغرب، فإن القدرة التنافسية لزيت الزيتون التونسي، تواجه انخفاضا في السوق الأميركية.
كما رجح خبراء المرصد في تقريرهم بروز انعكاسات أخرى غير مباشرة بسبب خضوع إيطاليا وإسبانيا لنفس السياسة الحمائية للولايات المتحدة، مما سيقلّل من وارداتهما من زيت الزيتون التونسي بكميات كبيرة.
ويظهر التحليل الأولي للصادرات التونسية إلى الولايات المتحدة أن زيت الزيتون يشكل نحو 59 في المئة من القيمة الإجمالية للتجارة الخارجية للبلاد.
وتعد الولايات المتحدة ثالث أكبر مستورد لزيت الزيتون التونسي، كما تمثل تونس ثالث أكبر مزود لزيت الزيتون إلى الولايات المتحدة بواقع 15 في المئة من إجمالي قيمة وارداتها من هذا المنتج بعد إسبانيا وإيطاليا.
وشهدت قيمة الصادرات إلى السوق الأميركية منذ العام 2020 نموا ملحوظا، إذ سجلت منذ ذلك التاريخ وحتى نهاية العام الماضي نموا بنسبة 144 في المئة.
وأدى ذلك إلى تحقيق فائض تجاري قدره 215.8 مليون دينار (71 مليون دولار)، ما جعل الولايات المتحدة سادس أكبر مستورد للمنتجات التونسية بحصة تتجاوز 3 في المئة من إجمالي قيمة الصادرات.
وأفاد المرصد بأن الرسوم الجمركية الإضافية الجديدة المفروضة ستؤثّر سلبا على عائدات التصدير وخاصة زيت الزيتون والأسمدة التي سيتم تخفيضها، لاسيما وأن تونس ليست في وضع يسمح لها بالدخول في حرب تجارية.
ويؤكد هذا الوضع ضرورة تسريع تنويع الأسواق التصديرية لاسيما من خلال التوجّه إلى الدول التي تسجل معها تونس ميزانا تجاريا سلبيا، وكذلك إلى أسواق زيت الزيتون الناشئة في كل من أفريقيا وآسيا.
وحتى الآن لا يزال حجم التجارة التونسية مع دول قارة أفريقيا ضعيفا من حجم التجارة الخارجية للبلاد سنويا، بينما تبلغ أكثر من 50 في المئة مع دول أوروبا، وفق مركز النهوض بالصادرات.
وقال وزير التجارة وتنمية الصادرات سمير عبيد في افتتاح “أيام الشراكة في الأعمال الأفريقية” الاثنين في تونس، وتستمر ثلاثة أيام إن “أفريقيا في قلب التقلبات في النظام التجاري العالمي.”
وأشار إلى أهمية تموضع القارة كمجتمع اقتصادي قادر على التصحيح عبر تعزيز المبادلات البينية والاعتماد على الإرادة الأفريقية المشتركة.
وأكد عبيد أن المبادلات التجارية بين تونس ودول أفريقيا جنوب الصحراء بلغت نحو 550 مليون دولار سنة 2024، أي ما يعادل 0.8 في المئة فقط سنة 2006.
وأشار إلى أن الصادرات قرابة 1.1 في المئة من إجمالي المبادلات الجارية، مقارنة بنسبة 9.7 في المئة سنويا بمعدل نموّ مسجّل خلال العقد الماضي 425 مليون دولار، وهو ما يمثل 2.1 في المئة من عائدات التصدير.
وتشير الدراسات إلى وجود إمكانيات تصديرية غير مستغلة في حدود بلدان أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 8.7 في المئة، أي ما يمثل 518 مليون دولار، وهو ما يفتح آفاقا واعدة لتوسيع حضور تونس الاقتصادي في هذه المنطقة الحيوية.
وعلى المدى البعيد، اعتبر خبراء المرصد أن من الضروري مراجعة الأسواق التصديرية، لاسيما من خلال التوجه إلى الدول التي تسجل معها ميزانا تجاريا سلبيا وكذلك أسواق زيت الزيتون الناشئة في أفريقيا وآسيا.
ومع ازدياد المطالبات بتنويع الشركاء التجاريين، تبرز الحاجة إلى تبني إستراتيجية وطنية شاملة للتصدير، تستند إلى رؤية بعيدة المدى ترتكز على دعم الابتكار وتحسين جودة المنتجات وتحفيز الشركات الصغيرة والمتوسطة وتطوير البنية التحتية للنقل والتخزين.
ويرى كثيرون أن تنويع الأسواق ليس مجرد خيار ظرفي تمليه التوترات الراهنة، بل هو ضرورة حيوية تفرضها التحولات العميقة في الاقتصاد العالمي، والتي تتطلب من تونس الاستعداد الجيد لها حتى لا تظل رهينة لتقلبات الأسواق التقليدية.