تزايد الضغوط لتسريع إعادة هيكلة الاقتصاد السوداني

تزايدت ضغوط الأوساط الاقتصادية على السلطات السودانية من أجل تسريع اعتماد سياسات جديدة لتحفيز النمو، من خلال إعادة هيكلة القطاعات الاستراتيجية للحد من تراجع قيمة العملة المحلية ومحاصرة التضخم.
الخرطوم - بعث خبراء سودانيون بإشارات سلبية تحذر من آثار كارثية أعمق ما لم يحدث تغيير جذري وبشكل سريع في الوضع الاقتصادي، لاسيما مع استمرار الاضطرابات في البلاد.
ولدى هؤلاء قناعة راسخة بأن السياسات الاقتصادية المضطربة أثرت على قدرة المنتجين على الاستثمار في القطاعات الإنتاجية الاستراتيجية وأضعفت التمويل.
وتشكّل الزراعة والصناعة والمعادن وغيرها عصب الاقتصاد السوداني، الذي يشكو من أزمات مزمنة.
وبعد ثلاثة عقود من حكم الرئيس السابق عمر البشير، اتجهت أنظار السودانيين نحو الحالة المعيشية الصعبة ومدى إسهام تغيير نظام الحكم في البلاد، في قلب الموازنة الاقتصادية.
وفي محاولة لمساعدة المجلس العسكري الانتقالي على إصلاح الأوضاع، اقترح الخبير الاقتصادي كمال عيسى ملامح خارطة طريق لدفع عجلة الإنتاج في القطاعات الإنتاجية الرئيسية.
ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية للخبير قوله إن “أهم ملامح هذه الخارطة تتمثل في الإلغاء الفوري للضرائب والرسوم المباشرة وغير المباشرة المفروضة على هذه القطاعات على الأقل لفترة زمنية معيّنة”.
وأوضح أنه من الضروري توجيه كافة موارد الدولة لدعم هذه القطاعات لإحداث معدلات النموّ المطلوبة في فترة قياسية.
وطيلة سنوات سار اقتصاد البلاد في طرق وعرة، كانت الأزمات المعيشية أبرز ملامحه، وإهمال كامل للقطاعات الإنتاجية التي لم تستطع الحكومات السابقة تسخير الموارد الطبيعية الهائلة في البلاد.
ويملك السودان مقومات زراعية هي الأكبر في المنطقة العربية، بواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، بجانب مساحة غابية تقدر بنحو 52 مليون فدان.
وتسهم الزراعة، التي يعمل فيها مئات الآلاف من السودانيين بنحو 48 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أنها تمتلك قدرات تؤهلها لأن تصبح سلة غذاء للعالم.
وتشير التقديرات إلى أن المستغل من الأراضي الزراعية في الوقت الحالي يصل إلى نحو 45 بالمئة فقط من إجمالي المساحات المتاحة للزراعة.
وفي الشق الحيواني، تتمتع البلاد بنحو 102 مليون رأس من الماشية مع معدل أمطار سنوي يزيد على 400 مليار متر مكعب.
ولكن السياسات الاقتصادية في عهد البشير لم تأت بأي نتائج ملموسة، في ظل الحظر الأميركي، الذي استمر لعقدين من الزمن كان قد بدأ في 1997.
وتواجه المصانع السودانية أسوأ كابوس لها منذ تولي البشير السلطة خاصة مع الضبابية، التي ترافق خطوات معالجة الاختلالات في التوازنات المالية.
كما أن قطاع المعادن لا يزال غارقا في أزمات مختلفة، رغم مردوديته العالية وإمكانية رفد خزائن الدولة سنويا بالملايين من الدولارات.
ووفق إحصائيات حكومية رسمية، بلغ إنتاج السودان من الذهب العام الماضي 105 أطنان، شكل التعدين المحلي منه حوالي 80 بالمئة.
وحُرم السودان إلى حد كبير من الاستفادة من مصادر التمويل الدولية في السنوات العشر الماضية، بسبب عقوبات أميركية تم رفعها بشكل جزئي في أكتوبر 2017.
ومنذ ذلك الحين، يحاول المسؤولون اجتذاب مستثمرين إلى الاقتصاد، الذي غاص في فوضى غير مسبوقة منذ أن انفصل الجنوب في 2011، آخذا معه ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من النفط، وهو المصدر الرئيسي للعملة الصعبة.
ويرى عيسى أنه يجب اتخاذ قرارات اقتصادية حاسمة لإعادة هيكلة الاقتصاد وتحرير السوق بصورة كاملة، بما في ذلك سوق العمل مع تبنّي مبدأ الشفافية والمساءلة في كافة العمليات والمعاملات المصرفية لإيجاد مناخ أعمال جاذب.
وأكد أن على السلطات الحالية حل واحتواء مشكلات المستثمرين بالسرعة المطلوبة من خلال إصلاحات تشريعية وإدارية فعّالة على أن ترفع هذه التشريعات معدلات الأمان، وتعمل على تقليص نسب المخاطر في مجال الاستثمار بالبلاد.
ومن الواضح أن هناك حلقة مفقودة في إدارة الأزمة، وأن الارتباك السياسي قد أثّر كثيرا على الدولة، التي كانت ترزح تحت احتياطات نفطية كبيرة قبل انفصال الجنوب.
ورغم كل المحاولات لجذب الاستثمارات في تلك القطاعات الحيوية، إلا أن الخرطوم عجزت عن الاستفادة من الأموال المتدفقة إليها وزيادة احتياطاتها النقدية من العملة الصعبة، التي تعدّ من بين الأضعف بين الدول العربية بواقع مليار دولار، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي.
وأعلن المجلس العسكري منذ توليه زمام السلطة في أبريل الماضي حزمة إجراءات اقتصادية، تهدف إلى امتصاص غضب المواطنين للذين يطالبون بالإسراع بإصلاح الأوضاع المتدهورة.
ويرجّح مراقبون أن يواصل المجلس تحركاته لتصحيح الأوضاع الاقتصادية، رغم أنها تباطأت قليلا في الفترة الأخيرة نتيجة دخوله في نقاشات مع المعارضة المدنية لتقاسم السلطة.
وربط البعض ذلك التحرك بردود الأفعال الإقليمية والدولية، خاصة مع وقوف السعودية والإمارات بكل ثقلهما خلف السودان لدعم استقراره، وهو ما سينعكس على مناخ الأعمال واستقطاب الاستثمارات في المستقبل.
ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة المغتربين، محمد الناير، إن السباق مع الزمن مهم، مما يتطلب من المجلس العسكري سرعة تعيين حكومة كفاءات للقطاع الاقتصادي، دون النظر إلى الانتماءات الحزبية.