تزايد الضغوط لإعادة تشغيل المصفاة الوحيدة في المغرب

كثفت أوساط سياسية واقتصادية مغربية ضغوطها على الحكومة لحثها على النظر في إعادة تشغيل المصفاة الوحيدة في البلاد، حيث اقترحت تدابير عاجلة لحلّ المشكلة على وجه السرعة بهدف تحقيق أمن الطاقة في ظل ارتفاع الأسعار ولرفد خزينة الدولة بعوائد مستدامة.
الرباط – عادت مشكلة شركة سامير المغربية لتكرير النفط التي دخلت متاهة الديون قبل أعوام إلى الواجهة مرة أخرى مع غليان أسعار الوقود في الأسواق العالمية بسبب تداعيات حرب أوكرانيا بعد أن برزت مطالبات بالإسراع بإعادة تشغيلها.
ويمارس برلمانيون واقتصاديون منذ عدة أسابيع ضغوطا على السلطات لمعالجة أزمة المصفاة الوحيدة الواقعة بمدينة المحمدية قرب الدار البيضاء. ويقترح هؤلاء تأسيس صندوق تضامني خاص لإنقاذ المصفاة، لأجل تحقيق السيادة الطاقية وتوفير فرص العمل، في وقت لم تصدر الحكومة أي إشارة للمضي في هذا الاتجاه.
وكانت هذه المصفاة، التي تأسست في العام 1959، قد توقفت عن العمل منذ عدة سنوات بعد قرار قضائي بتصفيتها في عام 2016، بعدما أصبحت عاجزة عن سداد الديون المستحقة عليها لصالح الدولة والمزودين والتي تقدر بنحو 4.4 مليار دولار.

رجاء كساب: المغرب ليس في حاجة إلى إحداث مصفاة جديدة للتكرير
ويستورد المغرب كل حاجاته من المواد النفطية، وبات تزويد السوق يتم مباشرة عبر موردين منذ توقف العمل في المصفاة. وإلى جانب ذلك قمة آلية تم تطبيقها منذ سنوات لربط أسعار السوق المحلية بالأسعار العالمية.
وأكد البرلماني خالد الشناق، عن حزب الاستقلال المشارك في الحكومة، أن تأسيس الصندوق ضرورة دعتها الظروف الحالية لتجاوز الأضرار البليغة التي لحقت الاقتصاد وعصفت بالقدرة الشرائية للمغاربة خاصة على مستوى سوق المحروقات. وأشار إلى أن المصفاة التي تعطل العمل بها منذ العام 2015 مكنت من تحقيق صناعات بترولية مهمة في السابق، وساهمت في تحقيق السيادة الطاقية.
أما المجموعة البرلمانية لحزب التقدم والاشتراكية المعارض فطرحت مبادرة بناء مصفاة جديدة للتكرير بالاكتتاب العام مع مساهمة الدولة أو أي وسيلة تمويلية مُبتكرة مناسبة أخرى كون الدولة تخسر أكثر من 7 مليارات درهم (700 مليون دولار) سنويا من العملة الصعبة، جراء إغلاق مصفاة سامير.
لكن رجاء كساب عضو الجبهة الاجتماعية والقيادية بالكنفدرالية الديمقراطية للشغل ترى أن المغرب ليس بحاجة إلى إحداث مصفاة جديدة لتكرير البترول، طالما أن هناك إمكانية لإعادة تشغيل مصفاة المحمدية، التي تتوفر على وسائل لوجستية عالية.
ووجهت هيئات نقابية انتقادات إلى الحكومة بسبب رفضها مقترحي قانونين لإنقاذ المصفاة وتخفيض أسعار الوقود، الأمر الذي يفوت على المغرب تأمين حاجياته من الطاقة بتخزين البترول أو تكريره ووقف غلاء أسعار المحروقات التي يعرفها العالم. ورفضت الحكومة مقترحي قانونين تقدمت بهما الكونفدرالية الديمقراطية للشغل بمجلس المستشارين، الأول يتعلق بتأميم الشركة، والثاني يهم تسقيف أسعار المحروقات.
ويسعى مقترح تأميم الشركة، التي هي في طور التصفية القضائية، لبيع كافة الأصول والممتلكات والعقارات والرخص وبراءات الاختراع المملوكة لها للتخلص من الديون والرهون والضمانات لحساب الدولة المغربية.
وقال الحسين اليماني الكاتب العام لنقابة صناعات البترول والغاز الطبيعي إن “موقف الحكومة في هذا الجانب يفوت الفرصة على المغرب لإعادة تشغيل سامير، سواء لتخزين البترول أو تكريره، وإعادة تنظيم أسعار المحروقات والحد من الغلاء الحالي”.
وتقدر تكلفة صيانة خزانات المصفاة بنحو مئة مليار درهم (10 مليارات دولار)، لكن المطالبين بإعادة تشغيلها غير مقتنعين بالمبررات التي تقدمها الحكومة. وتبرر الحكومة استمرار إغلاق سامير بكونها تخضع للتصفية القضائية، رغم استنفاد الإجراءات القضائية بعدما قالت محكمة النقض كلمتها.
واعتبر اليماني أن الرفض الحكومي، إلى جانب ما تم الحديث عنه من تفويت للفرصة على البلاد، يعد مصادرة لحق النواب في تشريع القوانين التي تخدم مصالح المغاربة، ويكرس دعاة من يقولون لا جدوى من الحكومة والبرلمان.

الحسين اليماني: موقف الحكومة من عدم بيع المصفاة ينطوي على لبس
كما أبدى استغرابه كون المقترح الذي رفضته الحكومة سبق لحزب الاستقلال الذي يشكل الأغلبية أن تقدم به في الولاية السابقة، وهنا يطرح السؤال حول تغير موقف الحزب من المعارضة إلى الحكومة بعدما كان هذا المطلب ضمن برنامجه الانتخابي.
ولا يزال قرابة 800 عامل يتلقّون الحدّ الأدنى لأجورهم، والتي تصرف من المبالغ المتبقية في حساب الشركة والمتأخرات التي تم الحصول عليها لاحقا من زبائنها.
وبسبب تعطيل العمل في المصفاة فإن وقع الخسائر التي يتكبّدها الاقتصاد المغربي لم ينعكس فقط على مستخدميها وكوادرها، بل امتد ليمسّ جيوب المواطنين في ما يتعلق بأسعار المحروقات التي ارتفعت.
وراسل المكتب التنفيذي للجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة كل البرلمانيين والمستشارين لتحمل مسؤولياتهم في هذا الظرف الدقيق لمناقشة والمصادقة على مقترح القانون الرامي لبيع أصول الشركة ومقترح القانون المتعلق بتنظيم أسعار المحروقات.
وأكد الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي أن ثمة خياريْن أمام الدولة لإعادة الحياة إلى شركة سامير، أولهما أن تدخل كمساهم في رأسمال الشركة، والثاني يتمثل في تأميمها، بتحويل ديونها إلى أسهم، على اعتبار أن الدولة هي أكبر الدائنين.
واعتبر فريق حزب التقدم والاشتراكية بالبرلمان في سؤال كتابي إلى رئيس الحكومة، أن شركات توزيع المحروقات الكبرى ومحدودة العدد هي المستفيدة من إغلاق سامير واستيراد المواد المكررة عوض النفط الخام.
ووجه اتهاماته للشركات العاملة بالسوق المحلية في هذا المجال بأنها تستغل الوضعية الراهنة لتدمير القدرة الشرائية للمواطنين عبر مراكمة أرباح فاحشة تقدر بالمليارات من الدولارات.
وترى كساب أن إعادة تشغيل مصفاة سامير رهينة بتوفر إرادة سياسية، معتبرة أن الحكومة تراهن على عامل الوقت لدفع العاملين الذين مازالوا يدافعون عن تشغيلها إلى الاستقالة، في ظل تقادم المُعدات لتطوي هذا الملف بشكل نهائي.
وأكدت نقابة صناعات البترول أن الحكومة تنتصر للواقع القائم حاليا، وتشجع على المزيد من ضرب استقرار السوق. وتقول إنه بذلك تشجع على هذه الأسعار المفتوحة اليوم على كل الاحتمالات والتي ليس من المعروف إلى أين ستصل في ظل الضبابية التي لا تزال تلقي بظلالها على الأسواق العالمية.