تزايد الأمل بنجاح الدبلوماسية في حلّ الأزمة الأوكرانية

أولاف شولتس يسعى للحفاظ على التضامن الأوروبي مع كييف وتجنيب ألمانيا أزمة طاقة.
الخميس 2022/02/10
حراك ألماني لإبعاد شبح الحرب

يواصل الأوروبيون مساعيهم الدبلوماسية لحل الأزمة الأوكرانية، خاصة وأن اندلاع حرب بين روسيا وأوكرانيا بسبب الخلافات الأمنية ستكلفهم غاليا عكس الولايات المتحدة البعيدة جغرافيا. ويبدو نقص إمدادات الطاقة أكثر ما يؤرق الأوربيين رغم بحثهم عن خيارات بديلة في حال قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القيام بالمغامرة.

برلين- يكثّف المستشار الألماني أولاف شولتس جهوده الدبلوماسية لنزع فتيل الأزمة على الحدود الأوكرانية – الروسية، ليستكمل بذلك مسعى أطلقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبدأت أولى ثماره تظهر الأربعاء بدليل “المؤشرات الإيجابية” التي تحدثت عنها موسكو وكييف.

وأكّدت أوكرانيا الأربعاء أنّ هناك “فرصاً حقيقية” لخفض حدّة التوتر على حدودها مع روسيا حيث حشدت موسكو أكثر من مئة ألف عسكري في خطوة يخشى الغرب أن تكون تحضيراً لغزو عسكري للجارة الموالية للغرب، في حين تحدّث الكرملين عن “مؤشّرات إيجابية”.

وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا للصحافيين “اليوم هناك فرص حقيقية لتسوية دبلوماسية”، محذّرا في الوقت نفسه من أنّ “الوضع لا يزال متوتراً لكنّه تحت السيطرة”.

وأضاف أنّ حكومته تأمل بأن تنجح المساعي الدبلوماسية التي كثّفها الأوروبيون خلال الأيام الأخيرة، بالإضافة إلى التهديدات الغربية بفرض عقوبات “غير مسبوقة” على موسكو في حال غزت قواتها بلاده، في إبعاد شبح الحرب عن أوروبا.

دميترو كوليبا: الدبلوماسية الأوروبية تستمر في خفض التوترات مع موسكو

وتسعى أوكرانيا للتقليل من أهمية الحديث عن احتمالات نشوب حرب، لما لذلك من تأثير سلبي على مناخ الاستثمار والمزاج العام في البلد. لكنها دعت في نفس الوقت إلى فرض عقوبات وقائية على روسيا بهدف معاقبتها على دورها في النزاع المستمر منذ ثمانية أعوام في الشرق الانفصالي لأوكرانيا.

وقال كوليبا “من دون مبالغة، تسعى روسيا للانتقام لخسارة الاتحاد السوفييتي الحرب الباردة، ولهذا نتحدث اليوم عن الدفاع عن كامل الهندسة الأمنية لأوروبا”.

وأضاف أن “موقف أوكرانيا هو أنه في السنوات الماضية عكفت روسيا بشكل خطير على انتهاك القانون الدولي واتفاقيات مينسك المتعلقة بتسوية النزاع الانفصالي. ولهذا السبب يجب أن تُعاقب بفرض عقوبات”.

بدوره أعلن الكرملين الأربعاء أنّ هناك “مؤشرات إيجابية” تدل على إمكانية تسوية الأزمة الراهنة.

وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للصحافيين “برزت مؤشرات إيجابية تدل على أنّ الحلّ لأوكرانيا يمكن أن يستند فقط إلى الالتزام باتفاقيات مينسك” الموقّعة في 2015 بين كييف والانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا.

لكنّه حذّر من أنّه ليس هناك أيّ مؤشر من السلطات الأوكرانية على استعدادها “للإسراع” في القيام بما “كان ينبغي على كييف القيام به منذ فترة طويلة”. وأضاف “لذلك هناك مؤشرات إيجابية، ومؤشرات أقلّ إيجابية”.

والتقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الثلاثاء في كييف في إطار مساع دبلوماسية أوروبية تهدف إلى تبديد الشعور بالخوف من احتمال قيام موسكو بغزو أوكرانيا.

وخلال مؤتمره الصحافي المشترك مع زيلينسكي قال ماكرون إنه يرى مساراً باتجاه خفض التوتر.

ولفت ماكرون إلى أنّ زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي التقاه الإثنين في موسكو، أكّدا له التزامهما باتفاقيات مينسك للسلام.

وبعدما استقبلت الرئيس الفرنسي الاثنين تستعدّ روسيا لاستقبال وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس التي ستقوم بزيارة إلى موسكو تستغرق يومين.

وبدوره قال وزير خارجية الاتّحاد الأوروبي جوزيب بوريل في ختام زيارته إلى واشنطن إنّ زيارة ماكرون إلى روسيا واجتماعه ببوتين شكّلا “إشارة إيجابية” و”مبادرة جيدة”، وأضاف “أعتقد أنّها (الزيارة) تشكّل عنصر انفراج”.

جوزيب بوريل: زيارة ماكرون إلى روسيا واجتماعه ببوتين شكّلا “إشارة إيجابية” و”مبادرة جيدة

وكثّف المستشار الألماني جهوده الدبلوماسية على خط الأزمة الأوكرانية لاسيّما بعد الانتقادات الشديدة التي وجّهت إليه في الأسابيع الأخيرة واتهامه من قبل خصومه في الداخل والخارج بأنه يساير بوتين وينأى بنفسه عن الأزمة.

وبعدما التقى في برلين عصر الأربعاء رئيسة الحكومة الدنماركية ميتي فريدريكسن، يستقبل شولتس الخميس قادة دول البلطيق القلقين بشدّة من تصرفات جارتهم روسيا.

وإثر لقائه فريدريكسن أشاد شولتس بـ”التقدّم” الذي تم تحقيقه باتّجاه خفض التصعيد في أزمة أوكرانيا. وقال للصحافيين خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسة الوزراء الدنماركية “تتمثّل مهمتنا في ضمان الأمن في أوروبا، وأعتقد أنّ ذلك سيتمّ تحقيقه”.

وعلى الرّغم من إعلان برلين عزمها على إرسال 350 عسكرياً إضافياً إلى ليتوانيا لتعزيز قوات حلف شمال الأطلسي في هذا البلد، إلا أنّ رفض الحكومة الألمانية السماح لإستونيا بأن تزوّد كييف بمدافع هاوتزر الألمانية الصنع عاد على خليفة أنجيلا ميركل بانتقادات شديدة.

وبعد الزيارة التي قام بها إلى واشنطن الاثنين لطمأنة الأميركيين، واستضافته خلال اليوم التالي في برلين قمة لـ”مثلث فايمار” الذي يضمّ ألمانيا وفرنسا وبولندا، يجد شولتس نفسه في وضع حرج؛ ذلك أنّه يريد أن يحافظ على التضامن الأوروبي وثقة شركاء بلاده الغربيين وفي الوقت نفسه يريد تجنيب بلاده أزمة طاقة بسبب اعتمادها على إمدادات الغاز الروسي.

وفي هذا السياق برز التحذير الذي أطلقته وزارة الاقتصاد الألمانية الأربعاء من أنّ مخزونات الغاز في البلاد انخفضت إلى مستوى “مقلق”.

وقالت متحدّثة باسم الوزارة خلال مؤتمر صحافي “نراقب بالطبع وضع مستويات المخزونات وهو حتماً مقلق”، مشيرة إلى أنّ المخزونات هي حالياً عند مستوى 35 إلى 36 في المئة من قدرتها القصوى بالمقارنة مع 82 في المئة العام الماضي.

ويتوّج شولتس مساعيه الدبلوماسية في الخامس عشر من فبراير الجاري بزيارة منتظرة بفارغ الصبر إلى فلاديمير بوتين، ستكون الأولى له إلى موسكو منذ انتخب مستشاراً في مطلع ديسمبر.

ويخيّم على العلاقات بين موسكو وبرلين موضوع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي تم بناؤه لكنه لم يحز التراخيص النهائية ولم يدخل الخدمة بعد.

والثلاثاء أعلن زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي السناتور ميتش ماكونيل أنّ شولتس أكّد لعدد من أعضاء المجلس أنّ خط أنابيب “نورد ستريم 2” لن يتم تشغيله في حال غزت روسيا أوكرانيا.

أوكرانيا تسعى للتقليل من أهمية الحديث عن احتمالات نشوب حرب، لما لذلك من تأثير سلبي على مناخ الاستثمار والمزاج العام في البلد

وكان شولتس أقلّ وضوحاً الاثنين بشأن أقصى ما يمكن الوصول إليه في إطار معاقبة روسيا في حال غزت قواتها الجمهورية السوفييتية السابقة، إذ اكتفى خلال مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس الأميركي جو بايدن بالتأكيد على أنّ برلين وواشنطن “متّفقتان تماماً” على العقوبات الواجب فرضها على روسيا إذا حصل الغزو.

وخصوم المستشار الألماني يؤاخذونه على “تأخره” في الدخول على خط هذه الأزمة، في حين تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى.

وتنفي روسيا أن تكون تخطط لغزو جارتها، لكنّ الولايات المتحدة حذّرت من أن موسكو حشدت 70 في المئة من القوات التي قد تحتاج إليها لتنفيذ توغل في أوكرانيا واسع النطاق.

5