تركيز تركي على الاستثمار المباشر لتنشيط الاقتصاد

تحاول تركيا عبر إستراتيجية جديدة لجذب رؤوس الأموال المباشرة، امتلاك بعض الهوامش لتعزيز النمو، لكن ذلك سيكون مقرونا بالنجاح في تحسين مناخ الأعمال لإغراء المستثمرين الذين تجنبوا مرارا السياسات غير المدروسة للرئيس رجب طيب أردوغان.
أنقرة – نشر مكتب الاستثمار التابع للرئاسة التركية الاثنين وثيقة إستراتيجية تتعلق بجذب الاستثمارات الدولية المباشرة للفترة الممتدة بين 2024 و2028، في مسعى لتنشيط الاقتصاد.
وفي حين أن ارتفاع الفائدة من شأنه أن يجذب المستثمرين إلى الأصول التركية أو رؤوس أموال في مجالات ذات قيمة مضافة، يقول محللون إن الاستقرار والمساءلة والشفافية اللازمة لطمأنتهم لن تتحقق إلا بتعديلات جوهرية في الامتثال للقوانين.
وعادة ما يأخذ الرأسماليون الدوليون الذين لا يحبذون التقلبات علما بخطط الرئيس أردوغان، وقد سحبوا أموالهم من السوق في العديد من الفترات خوفا من تكبد خسائر هم في غنى عنها.
وأبقى البنك المركزي في وقت سابق هذا الشهر على أسعار الفائدة دون تغيير للشهر الرابع على التوالي عند 50 في المئة مع التركيز على امتصاص السيولة الفائضة من الليرة، وتطبيق تدابير التشديد النقدي البديلة لكبح التضخم.
وقبل هذا القرار بوقت وجيز، وجه محافظ المركزي فاتح كارهان أقوى رسالة حتى الآن إلى المستثمرين الأجانب القلقين بشأن تيسير السياسة النقدية مبكرا، قائلا إنه “لن يُقدم على خفض الفائدة قبل التأكد من حدوث تراجع مستمر في التضخم”.
12
في المئة الحصة التي تستهدفها أنقرة من التدفقات إلى الشرق الأوسط بحلول 2028
وجرى إعداد وثيقة “إستراتيجية تركيا بشأن الاستثمارات الدولية المباشرة” بغرض رسم الإطار العام لسياسة الحكومة في مجال الاستثمارات الدولية المباشرة وتوجيهها لزيادة الحصة إلى 1.5 في المئة في غضون أربعة أعوام من خلال مشاريع نوعية.
كما تهدف الحكومة من وراء إستراتيجيتها التي ستكون محط أنظار المحللين والمستثمرين، إلى حصول البلد على حصة تبلغ 12 في المئة من تدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة القادمة إلى منطقة الشرق الأوسط التنافسية بحلول 2028.
وبحسب ما جاء في وثيقة الإستراتيجية التي نشرتها الجريدة الرسمية وأوردتها وكالة الأناضول، “تعد تركيا باقتصادها الديناميكي والقوي، مركز جذب مهم للاستثمارات الدولية المباشرة”.
كما أنها “تسهل وصول الشركات إلى الأسواق العالمية بفضل موقعها الجغرافي الإستراتيجي عند تقاطع أوروبا وآسيا وأفريقيا وبنية تحتية للنقل ذات مستوى عالمي”. وتوفر البلاد أيضا القوى العاملة المؤهلة التي تحتاجها الشركات من خلال حوض المهارات الواسع لديها، كما تدعم القدرة التنافسية لجميع القطاعات.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية، انخفض حجم الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم والسندات التركية بحوالي 85 في المئة، من أكثر من 150 مليار دولار في 2013 إلى أكثر بقليل من 20 مليار دولار في 2023.
كما انخفضت رؤوس الأموال المباشرة، حيث يملك المستثمرون الأجانب حوالي 30 في المئة فقط من الأصول التركية مقارنة بمتوسط بلغ 60 في المئة على مدار العقدين الماضيين.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن السوق التركية تحتضن 80 ألف شركة متعددة الجنسيات مقارنة مع 5600 شركة في العام 2003، لكن ارتفاع هذا العدد لا يعني بالضرورة أن بيئة الأعمال مواتية خاصة وأن البلد مر بظروف قاهرة في فترات عديدة.
ويقول المسؤولون الأتراك إنه تم إعداد الإستراتيجية لتكون بمثابة “خارطة طريق” لتسريع وتيرة جذب الاستثمارات المباشرة النوعية إلى البلاد، وهو ما تحتاجه تركيا في فترة تتم فيها إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي ويتزايد فيها عدم اليقين.
وأثناء تطوير الإستراتيجية، تم اعتماد نهج قائم على البيانات والأدلة، مع الأخذ في الاعتبار الأولويات الواردة في وثائق السياسة الأساسية والاتجاهات العالمية في مجال الاستثمار، مع التركيز على التنمية المستدامة، ومراعاة مساهمات وتوجيهات المستثمرين.
وفي التحليل الذي تم إجراؤه في نطاق الإستراتيجية، تبين أن الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية والتوترات الجيوسياسية الناتجة في أعقاب الوباء أثرت بشكل كبير على توقعات الاستثمارات الدولية في جميع أنحاء العالم.
6 محاور أساسية في الإستراتيجية
- القدرة التنافسية لبيئة الأعمال
- العمل على التحول الأخضر
- التركيز على التحول الرقمي
- سلسلة التوريد العالمية
- الموارد البشرية المؤهلة
- الاهتمام بالاتصال والترويج
وبالإضافة إلى ذلك، أصبحت عوامل مثل القرب من المواد الخام والأسواق وتنويع سلاسل توريد الإنتاج والتوريد من الدول الصديقة أكثر أهمية في القرارات الاستثمارية للشركات العالمية. كما أصبحت ظواهر مثل التحول الأخضر والرقمي من أهم محددات تدفقات الاستثمار المباشر الدولي، بحسب ما أشارت إليه الوثيقة.
وإلى جانب ذلك وفي حين أن التكنولوجيات الجديدة التي ظهرت مؤخرا ومدخلات الخدمات المؤهلة التي تطورت نتيجة لها تعمل على تحويل الصناعة التحويلية، فإن مدخلات الخدمات أصبحت الآن عنصرا هاما في عمليات الإنتاج، بالإضافة إلى المواد الخام والسلع الوسيطة. ولا تغير هذه التطورات هيكل مشاريع الاستثمار المباشر الدولي فقط، بل تغير أيضا توقعات البلدان المضيفة.
وهذا الوضع، الذي يتسبب في إعادة هيكلة سلاسل التوريد جغرافيا ونوعيا، يوفر فرصا مهمة لدول رائدة في مجال الاستثمار المباشر الدولي، ومن ناحية أخرى، يزيد من المنافسة العالمية في جذب الاستثمارات.
وترى أنقرة أنه بفضل قدراتها الإنتاجية ومواردها البشرية النوعية وموقعها القريب من الأسواق المتقدمة وتكاملها العالمي، فهي إحدى الدول التي يمكن أن تستفيد من عملية التحول هذه الملحوظة في الاقتصاد العالمي.
لكن التجارب تؤكد أن البلد يحتاج إلى استقرار أكبر في ما يتعلق بالنشاط الكلي والرؤية، التي من أجلها وضع أردوغان فريقا اقتصاديا بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية خلال مايو 2023 لتعديل أوتار النمو.
ومن أجل تحقيق أهدافها، أنشأت السلطات إطارا سياسيا يتكون من 6 محاور في الإستراتيجية، هي القدرة التنافسية لبيئة الأعمال، والتحول الأخضر، والتحول الرقمي، وسلسلة التوريد العالمية، والموارد البشرية المؤهلة، والاتصال والترويج.
وخلال إعداد الملفات والمواضيع المعنية والسياسات التي تم وضعها بما يتماشى معها، تم أخذ الامتثال لوثائق الإستراتيجية الأساسية الأخرى لتركيا وخاصة خطة التنمية الثانية عشرة، بعين الاعتبار.
أما المشاريع والأنشطة التي سيتم تطبيقها في نطاق الإستراتيجية سيتم تنفيذها في إطار خطط العمل السنوية المصممة بالتنسيق مع السياسات الـ32 المعنية. وتم تضمين 81 إجراء في خطة عمل 2024، حيث سيتم تنفيذ خطط العمل هذه بشكل فعال بالتعاون مع المؤسسات والمنظمات المعنية بالاستثمارات الدولية المباشرة.