تركيا وحيدة في التعامل مع فخ سوتشي

موسكو تعتبر اتفاق سوتشي مرحليا وتصر على عودة المحافظة للنظام السوري.
السبت 2018/09/22
تمرد التطرف على الحاضن

توصلت كل من تركيا وروسيا إلى رسم حدود المنطقة المنزوعة السلاح في إدلب، في خطوة أولى لمسار تنفيذ بنود اتفاق سوتشي إلا أن عملا شاقا ينتظر بالخصوص تركيا لجهة كيفية إقناع الفصائل المقاتلة وخاصة الإرهابية منها بنزع سلاحها الثقيل ومغادرة المنطقة.

دمشق - تشعر تركيا أنها تركت وحيدة في التعاطي مع بنود الاتفاق الذي توصلت إليه مع روسيا الاثنين الماضي، بخصوص إنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، وفرز الجماعات الإرهابية عن المعتدلة.

وكان المسؤولون الأتراك قد احتفوا في البداية بما اعتبروه إنجازا تحقق في منتجع سوتشي الروسي حين تمكن الرئيس رجب طيب أردوغان من تفادي عملية عسكرية وشيكة للنظام السوري في إدلب، بالتوصل إلى اتفاق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يقضي بإقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 إلى 20 كلم، ونزع السلاح الثقيل من المجموعات المقاتلة وفرزها، بيد أن هذا الانتشاء سرعان ما تبخر لتجد تركيا نفسها في موقف أقل ما يقال عنه، حسب محللين، إنه صعب.

وتواجه تركيا اليوم تمردا من الجماعات الإسلامية المتطرفة التي دعمتها على مدار سنوات في مواجهة النظام السوري، حيث أعلنت جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) وفصائل أخرى رفضها تسليم أسلحتها الثقيلة، أو الانسحاب من المنطقة، ما قد يضطر أنقرة إلى اتخاذ إجراءات أخرى قد تصل إلى تأليب الفصائل ضد بعضها.

وانتقدت تركيا الجمعة تحميلها كامل عبء الأزمة السورية بما فيها مسألة إدلب، وقال المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالن، “إن تحميل كامل أعباء الأزمة السورية ومسألة إدلب ومكافحة الإرهاب على عاتق تركيا ليس عدلًا ولا يمكن القبول به”.

سيرجي لافروف: أكبر تهديد لسوريا يأتي من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية
سيرجي لافروف: أكبر تهديد لسوريا يأتي من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية

واعتبر إبراهيم قالن، في مؤتمر صحافي بالمجمع الرئاسي في أنقرة، أنّ “خطوات إخراج المعارضة المعتدلة من إدلب غير مقبولة”، مضيفاً “ننسق مع روسيا لإقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب، وإخراج العناصر الإرهابية منها”، لافتاً إلى أنّ تركيا “لن تسمح لأي أحد بأن يستهدف المعارضة، بل تعمل على حمايتها لأنّ الحفاظ عليها يحدّد الأطراف التي ستجلس على طاولة المفاوضات السياسية”.

وشدد على ضرورة “الفصل والفرز بين العناصر الإرهابية والمعارضة، من أجل التعامل مع الإرهابيين بمختلف الوسائل؛ عبر الإقناع، أو تحييدهم، أو بطرق أخرى”، مشدداً على أنّ “تركيا لا تقبل بوجود الإرهابيين على حدودها”.

وتتناقض رؤية كل من روسيا وتركيا للفصائل المقاتلة في إدلب، فأنقرة ترى بوجوب حصر الإرهابيين في جبهة فتح الشام فقط بالمقابل تعتبر موسكو أن معظم الجماعات في المحافظة لا تقل خطورة من حيث تطرفها، الأمر الذي يجعل من مسألة فرزها عملية جد معقدة وصعبة، وتحتاج إلى المزيد من المحادثات بين الجانبين.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية، الجمعة، عقد اجتماعات مع وفد روسي بين 19 و21 سبتمبر الحالي، “جرى فيها تحديد حدود المنطقة التي سيتم تطهيرها من الأسلحة في إدلب، مع مراعاة خصائص البنية الجغرافية والمناطق السكنية”.

ويرى مراقبون أن روسيا نجحت في استدراج تركيا من خلال فخ سوتشي، لافتين إلى أن موسكو ستكون الرابح الأبرز سواء نجح تطبيق الاتفاق أو فشل. ففي حال نجاحه وهذا أمر مشكوك فيه، فإن روسيا ستكون بذلك قطعت شوطا كبيرا في حسم ملف إدلب لصالحها بأقل الخسائر الممكنة، خاصة وأنها تعتبر أن هذا الاتفاق مرحلي ويهدف بالأساس إلى إنشاء منطقة خالية من الجماعات المقاتلة مع نزع أسلحتها الثقيلة، وبالتالي سيكون الوضع أسهل للانقضاض على المحافظة.

وفي حال فشل الاتفاق فإن روسيا بذلك تكون نجحت في سحب ذريعة عدم شن عملية واسعة في المحافظة سواء من تركيا أو القوى الغربية التي مارست في الفترة الماضية ضغوطا قوية على موسكو لجهة ترك المجال للتسوية.

وأكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الجمعة أن إنشاء منطقة منزوعة السلاح في محافظة إدلب السورية ليس حلا نهائيا، بل إنه خطوة مرحلية وضرورية بالنسبة للتسوية السورية.

وقال لافروف، أثناء مؤتمر صحافي مشترك عقده في سراييفو مع نظيره، وزير خارجية البوسنة والهرسك، إيغور تسرناداك “بخصوص الاتفاق الروسي التركي بشأن إدلب فهو يهدف بالدرجة الأولى إلى القضاء على تحدي الإرهاب، وهو خطوة مرحلية من دون أدنى شك، لأن الحديث يدور فقط عن إنشاء منطقة منزوعة السلاح، لكنها خطوة ضرورية لأن ذلك سيتيح منع القصف المتواصل من منطقة خفض التوتر في إدلب لمواقع القوات السورية وقاعدة حميميم الروسية”.

وذكر لافروف أن الاتفاق يقضي بانسحاب جميع مسلحي “جبهة النصرة” من المنطقة منزوعة السلاح حتى منتصف أكتوبر المقبل، مؤكدا أن موسكو وأنقرة نسقتا الأربعاء الماضي معايير عبور المسلحين لحدود المنطقة منزوعة السلاح.

إدلب محافظة سورية أم مقاطعة تركية
إدلب محافظة سورية أم مقاطعة تركية

وتعليقا على تصريحات ممثلين عن المعارضة السورية بأن اتفاق إدلب نسف تطلعات الرئيس السوري بشار الأسد للسيطرة على المحافظة، أشار الوزير الروسي إلى أن تقييمات المعارضة هذه لا تصب في مجرى احترام مهمة الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، كما تنص عليه قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.

وتعكس تصريحات لافروف أن موسكو مصرة على استعادة النظام السوري سيطرته على إدلب سلما أو حربا.

ونجح النظام السوري منذ تدخل روسيا في العام 2015 في استعادة السيطرة على نحو ثلثي مساحة سوريا، باستثناء محافظة إدلب، وأجزاء من ريف حلب، وشمال شرقي سوريا حيث تتواجد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا.

ويقول محللون إنه مع بداية خلخلة الوضع في إدلب فإن موسكو بالتأكيد ستولي أنظارها نحو المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وقد يكون ذلك إحدى النقاط غير المعلنة في التفاهم الذي جرى بين تركيا وروسيا.

وقال لافروف إن أكبر تهديد لسيادة سوريا ووحدتها يأتي من شرق الفرات، من المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من قبل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، حيث تُقام تحت إشراف الولايات المتحدة هياكل تتمتع بحكم ذاتي، مشددا على أن موسكو كانت وستظل تطالب الولايات المتحدة بوقف هذه الأنشطة غير المشروعة.

وهذه المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول روسي كبير عن تهديد تشكله قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردي المصنفة إرهابية من قبل أنقرة.

2