تركيا لا تزال تلعب ورقة الإعلام السوري المعارض

انطلاقة جديدة لـ"تلفزيون سوريا" بشعار "خلي عينك ع سوريا" تجدد الجدل حول تبعيته وتمويله.
الأربعاء 2024/04/24
خصوصية القرب من الدوحة

أعلن تلفزيون سوريا عن انطلاقته بحلة جديدة من إسطنبول بنفس التوجهات التي انطلق منها تحت شعار "خلي عينك ع سوريا"، وسط نقاشات حول تمثله لوجهات السوريين المعارضين أو انصياعه للإملاءات التركية خصوصا مع التمويل القطري له، والانتقادات التي تعرض لها مؤخرا.

إسطنبول - يطل “تلفزيون سوريا” بانطلاقة جديدة من أستديوهاته الجديدة في إسطنبول الأربعاء، مع أولى نشرات بثه الجديد، ويحتفي بإطلاق بثه الحي والمباشر في “يوتيوب” وباقي المنصات تحت شعار “خلي عينك ع سوريا”، ليعود الجدل الذي انطلق في بداية بث التلفزيون قبل سنوات بشأن تبعيته وتمويله وأهدافه وارتباطه بتركيا التي مارست ضغوطا على وسائل إعلام عربية عديدة تبث من أراضيها.

وأعلن التلفزيون عن انطلاقته بالحلة الجديدة، و”تكريس المبادئ الأصيلة كلها ويؤكدها، وقد صار جزءا من حياة ويوميات السوريين ومن يهتم لشأنهم وشيئا من إنجازاتهم”، بعد فترة ليست بالبعيدة عن إغلاق قناة “أورينت” التي تعرضت لصدامات عديدة مع السلطات التركية، ما يطرح التساؤلات بشأن الحد الذي يتمتع فيه الإعلاميون السوريون في تركيا بحريتي التعبير والنشر؟ هل تسعى أنقرة إلى إغلاق بعض القنوات التلفزية المحسوبة على المعارضة السورية أو تقليص هامش الحرية المتاح للعاملين فيها، كما فعلت في السابق مع مؤسسات إعلامية مناوئة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي؟

وتبقى ماثلة للأذهان حادثة الإعلان عن فرار الصحافيين السوريين علاء فرحات مدير قناة “أورينت” وأحمد ريحاوي الذي كان مقدما بالقناة ذاتها بعد أن أدانهما القضاء التركي بالسجن ست سنوات على خلفية بث برنامج تلفزيوني انتقد بعض ممارسات الأجهزة الأمنية التركية. فهل ضاقت تركيا ذرعا بإعلام المعارضة السورية.

لكن قناة سوريا تمتلك خصوصية بقربها من الدوحة والحديث عن تمويل قطري لها، حيث شهدت الأوساط الإعلامية والصحافية السورية “المعارضة” استقطابا وخلافا حول القناة ومديرها أنس الأزرق، والجهة القائمة خلفها.

التلفزيون تعرض لانتقادات بسبب برامج ومسلسلات ومصطلحات تتماشى مع مواقف الإعلام السوري الرسمي
◙ التلفزيون تعرض لانتقادات بسبب برامج ومسلسلات ومصطلحات تتماشى مع مواقف الإعلام السوري الرسمي

وفي وقت سابق، عرّفت القناة نفسها عبر الصفحات الاجتماعية بأنّها “وجهة لكل السوريين في الداخل والشتات”.. وتتمثّل “قيم الحرية، والعدالة، والمواطنة، والتعددية، واحترام القانون، وحقوق الإنسان”، وأنّها “تتبنّى خطابا يهدف إلى تعميق الثقة مع الجمهور، وتنحاز إلى الجانب الأخلاقي من الحدث والتاريخ”.

وتعرض التلفزيون لانتقادات لاذعة بسبب عرضه مسلسل “كسر عضم2” وتواصلت مجموعات كبيرة من الصحافيين والناشطين الثوريين مع تلفزيون سوريا وتقدموا بعريضة تطالب التلفزيون بإيقاف عرض المسلسل الذي تم إنتاجه في سراديب نظام الأسد “حسب وصفهم”، وضم ممثلين قد شوهدت مواقفهم الموالية للرئيس السوري بشار الأسد وتأييدهم الصريح له.

وأكد أصحاب العريضة أن هذه الحملة “لم تكن لتصدر لولا أن تلفزيون سوريا اختار اسم ‘سوريا’ لنفسه، وأعلن تبنيه لقيم الثورة السورية التي لن نسمح بتشويهها، من خلال التعاون مع الشبيحة أو دفع مئات الآلاف من الدولارات لشركات الإنتاج التي تنتج تلك المسلسلات، بعد أن تحظى بموافقة الجهات الرقابية لدى نظام الأسد!”.

ونشر مدير تلفزيون سوريا حمزة مصطفى ردا على المطالبات بإيقاف عرض “كسر عضم” حيث تحدث مطولا عن خطورة وأهمية الدراما في حشد الجماهير والتأثير فيها وكشف الحقيقة التي من غير الممكن أن يتقبلها الجمهور بخطاب سياسي مباشر، وبرر أيضا شراء هذا العمل من دوائر النظام بعدم إمكانيتهم إنتاج أعمال خاصة.

وأثار المسلسل ذاته ضجة واسعة في الشارع الموالي، وبالمجمل حصدت المسلسلات السورية في هذا الموسم الرمضاني الكثير من الجدل واﻻتهامات. وكانت المنابر المنافسة رغم إغلاقها حاضرة في الجدل، حيث افتخر الصحافي السوري علاء فرحات، رئيس التحرير السابق لقناة “أورينت” التي أغلقها مالكها غسان عبود في نوفمبر من العام الماضي، بإغلاق القناة، معتبرا أنه أشرف مما أسماه “بيع القضية”!

وقام خلال منشور ساخر قصير على صفحته الشخصية على فيسبوك، بمشاركة فيديو لإحدى نشرات أخبار تلفزيون سوريا، والتي تظهر فيها مراسلة التلفزيون من القدس سالي منذر وهي تصف اغتيال يوسف أوميد زاده الملقب بالحاج صادق، مسؤول استخبارات فيلق القدس الإيراني ونائبه غلام الحاج محرم بـ”الشهيدين” دون أي اعتراض من مذيع القناة، أو توضيح لاحق من إدارتها.

وكتب علاء فرحات في منشوره القصير، مستعيرا عبارة الفنان السوري الراحل صلاح قصاص في التمثيلية التلفزيونية “عواء الذئب”، التي ذهبت مثلا سائرا في الرفض الميلودرامي، “ألف كلمة سَكّر (أي أغلق)، ولا كلمة باع القضية يا خديجة!”.

وكان لافتا في نشرة أخبار تلفزيون سوريا أن المراسلة نسبت وصف “استشهاد” لصحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية التي نقلت عنها الخبر، دون أن يثير ذلك أي اعتراض أو تنويه من مذيع الأستوديو، من أن “يديعوت أحرنوت” لا يمكن أن تصف مقتل أوميد زاده بالاستشهاد بأي حال من الأحوال، ورأى متابعون أن هذا الأمر ذكّر السوريين بما كان ينقله الإعلام السوري في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، حين يرد انتقاده في الصحافة الإسرائيلية، فيقول “قالت صحافة الكيان الصهيوني إن السيد الرئيس المناضل حافظ الأسد يسعى لتحقيق التوازن الإستراتيجي مع الكيان الصهيوني!”.

وبعد الحرب السورية، تمركزت العشرات من الصحف والإذاعات السورية الناشئة في تركيا، ومازال بعضها يبث من هناك رغم إغلاق عدد كبير من تلك الوسائل في السنوات الأخيرة لأسباب تتعلق بالتمويل بالدرجة الأولى، فيما أعرب العديد من الصحافيين عن مخاوف من التضييق على الإعلام السوري المعارض في تركيا كما حدث مع قنوات الإخوان في حال نجحت محاولات التقارب بين دمشق وأنقرة.

ويرى مطلعون أن التضييق على وسائل الإعلام السورية المعارضة لن يكون أمرا غريبا في حال حدوثه، لأن تركيا قامت بذلك فعلا تجاه وسائل الإعلام المصرية المعارضة التي كانت تبث من تركيا، كثمن للتقارب مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث طلبت السلطات التركية من إعلاميين مصريين معارضين وقف أنشطتهم الإعلامية على أراضيها، سواء في المحطات التلفزيونية الفضائية أو في مواقع التواصل الاجتماعي و”يوتيوب” العام 2021، بعد أشهر على طلب أنقرة من محطات مصرية معارضة التوقف عن بث الأحاديث السياسية الخاصة بالشأن المصري.

وتشهد تركيا أصلا تراجعا في مقاييس حريّة الصحافة خلال السنوات الأخيرة، وتقول تقارير ذات صلة صادرة عن منظمات صحافية وحقوقية عالمية، إن البلاد أصبحت من أكثر البلدان تقييدا للصحافة وعمل الصحافيين.

5