تركيا في سباق تجاري واستثماري للظفر بمشاريع إعادة إعمار سوريا

تعزيز الصادرات ومشاركة قطاع الإنشاءات وضخ الاستثمارات أولوية لتحقيق مكاسب طويلة الأمد.
الاثنين 2024/12/16
الأبواب مفتوحة أمام الغزو الاقتصادي التركي

تتجه الأنظار إلى الدور الذي تريد تركيا القيام به في سوريا من الناحية الاقتصادية بعد إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وسط توقعات بطفرة تجارية واستثمارية قد تسهم في تعزيز التعاون الثنائي، لكنها قد لا تكون كافية دون تفاهمات إقليمية ودولية للسير في طريق إعادة الإعمار.

غازي عنتاب (تركيا) - يروج الأتراك للروابط التاريخية مع سوريا، إلى جانب الطلب الكبير على منتجاتهم في أسواقها، والتي تضع بلدهم في موقع محوري لدعم جهود إعادة الإعمار مع العمل على توسيع الاستثمار.

وتتطلب عملية إعادة إعمار التي ستكلف مليارات الدولارات تعاونا دوليا من أطراف تمتلك الموارد ورؤية واضحة للتنفيذ، خاصة الفاعلين في الشرق الأوسط، وفي مقدمتهم دول الخليج، وأيضا الصين والاتحاد الأوروبي، وربما الولايات المتحدة.

ويربط البعض انتعاش الاقتصاد السوري المنهك بتعليق الحكومة الأميركية قانون “قيصر”، الذي كان أداة عقاب خانقة على النظام السابق، الأمر الذي انعكس في شح في السيولة النقدية ونقص في الغذاء والوقود وتسبب في انهيار الليرة السورية.

وفي الثامن من ديسمبر الجاري سيطرت فصائل سورية معارضة على العاصمة دمشق وقبلها مدن أخرى، مع انسحاب قوات النظام من المؤسسات العامة والشوارع، لينتهي بذلك عهد دام 61 عاما من حكم نظام حزب البعث و53 سنة من حكم عائلة الأسد.

وبالنسبة لتركيا، التي في سقوط الأسد فرصة ثمينة لفتح سوق كان مغلقا لقرابة 13 عاما، تبرز منطقة جنوب شرق الأناضول، بثقلها الصناعي والتجاري، كواجهة أساسية لتعزيز الصادرات ودعم جهود إعادة إعمار سوريا.

وقد تجلى التفاؤل في قطاع الإنشاءات التركي من خلال ارتفاع أسعار أسهم شركات البناء في بورصة إسطنبول بنسبة تتراوح بين 4 و10 في المئة فور سقوط نظام الأسد. لكن يبدو أن قطاع الصادرات قد يشكل حجر أساس لهذا التعاون الجديد، مع توقعات بزيادة كبيرة في حجم التبادل التجاري بين البلدين، وتحقيق عوائد اقتصادية تنعكس إيجابا على الطرفين.

فكرت كيلجي: انتهاء الحرب في سوريا يتيح فرصا اقتصادية جديدة
فكرت كيلجي: انتهاء الحرب في سوريا يتيح فرصا اقتصادية جديدة

وبالتزامن مع التطورات المهمة في سوريا، يرى اتحاد المصدرين في منطقة جنوب شرق الأناضول، أن المرحلة المقبلة ستكون “غنية بفرص اقتصادية غير مسبوقة،” تدعم التنمية الإقليمية وتفتح آفاقا جديدة أمام المصدرين والمستثمرين في كلا البلدين.

وتشير بيانات الاتحاد إلى أن حجم الصادرات من المنطقة إلى سوريا قبل الثورة في عام 2010، كان نحو 224.3 مليون دولار، بينما ارتفع إلى 594.5 مليون دولار خلال الأشهر الـ11 الأولى من عام 2024.

كما يُبدي المصدرون الأتراك تفاؤلهم بشأن التأثير الإيجابي للتغيرات الأخيرة في سوريا على الصادرات الإقليمية، والتي ستكون محل تنافس شديد من أسواق أخرى في المنطقة، وأيضا من الصين. وقال رئيس الاتحاد أحمد فكرَت كيلجي، في تصريح لوكالة الأناضول الأحد إن “التطورات الأخيرة في سوريا تفتح آفاقا إيجابية كبيرة أمام الشعبين التركي والسوري.”

وأوضح أن انتهاء الحرب التي شنها الرئيس الهارب بشار الأسد على الشعب السوري تمثل “خطوة حاسمة في الاتجاه الصحيح نحو تعزيز الأمن، وتفتح المجال لفرص اقتصادية جديدة.” وأضاف “السيطرة على المناطق المضطربة شمالي سوريا لا تسهم فقط في تحسين الوضع الأمني، بل توفر أيضا إمكانيات كبيرة للتعاون والإنماء الاقتصادي.”

وأشار كيلجي إلى الروابط التاريخية والاجتماعية القوية بين البلدين، مؤكدا أن مدينتي حلب السورية وغازي عنتاب التركية، تشكلان نموذجا للعلاقات التجارية والصناعية المتجذرة التي استمرت لعقود طويلة. وأكد أن “تركيا مستعدة لتكون شريكا اقتصاديا رئيسيا في إعادة إعمار سوريا،” مشددا أن “التنوع الصناعي في منطقة جنوب شرق الأناضول يمكن أن يلبي احتياجات سوريا في مختلف القطاعات.”

وتتمثل الخطة الأولية لتعزيز العلاقات التجارية بين البلدين في “رفع حجم الصادرات التركية إلى سوريا إلى أكثر من مليار دولار،” مع توقعات باستمرار ارتفاع الرقم مع تطور العلاقات الاقتصادية.

وقال كيلجي إن “عودة السوريين إلى وطنهم والمشاركة في جهود إعادة البناء يمكن أن يعزز التعاون الثنائي ويزيد من النشاط التجاري الإقليمي.” وتابع “الاستثمارات والإنتاج الذي سيقوم به رجال الأعمال السوريون في بلادهم من شأنه أن يسهم في زيادة الصادرات التركية.”

ويؤكد اتحاد مصدري جنوب شرق الأناضول أنه “وحتى خلال سنوات الحرب، استمرت الأنشطة الاقتصادية والتجارية في المناطق المحررة، ومع تحقيق السلام ستصبح هذه الشراكة أقوى وأكثر استدامة.”

جلال قادو أوغلو: نتوقع بلوغ قيمة صادراتنا إلى سوريا 600 مليون دولار
جلال قادو أوغلو: نتوقع بلوغ قيمة صادراتنا إلى سوريا 600 مليون دولار

ويعتقد كيجلي أنه الضرورة تقتضي أن تتخذ تركيا خطوات مدروسة وتتابع التطورات عن كثب، إذ أن “الصبر والنهج الاستراتيجي” يمكن أن يحققا مكاسب طويلة الأمد. وقبل اندلاع الأزمة في سوريا حققت التجارة البينية قفزة كبيرة خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، في حين كان المستهدف وصول حجم المبادلات بين البلدين إلى 5 مليارات دولار.

وتُشير البيانات الرسمية المتوفرة إلى ارتفاع حجم الصادرات التركية إلى الأسواق السورية من 281 مليون دولار في عام 2000 إلى 1.84 مليار في 2010، بينما ارتفعت الواردات للفترة عينها من 423 مليون دولار إلى 629 مليونا.

وتلعب حركة الترانزيت دورا محوريا في التجارة، ليس فقط بما تدرّه من رسوم للجمارك السورية، وإنما لاختصارها الوقت والكلفة بالنسبة للبضائع التركية المصدّرة إلى دول الخليج العربي والأردن.

وكان قد وصل عدد الشاحنات التركية العابرة للحدود السورية سنويا إلى حوالي 150 ألفا، وفق ما تشير إليه التقديرات. ويرى رئيس اتحاد مصدري الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية في تركيا، جلال قادو أوغلو، أن قيمة صادراتهم خلال العام الجاري بلغت 3.1 مليار دولار، منها 250 مليون دولار عائدات صادرات إلى السوق السورية.

وتوقع خلال حديثه مع وكالة الأناضول أن تصل الصادرات التركية إلى سوريا في هذا القطاع إلى نحو 600 مليون دولار في المستقبل القريب. وأوضح أن المنتجات التركية تحظى بتقدير كبير في سوريا بفضل جودتها وسهولة وصولها، مشيرا إلى أن التطورات في سوريا ستفتح المجال أمام قطاعات أخرى.

وقال إن “سوريا الجديدة ستشهد استثمارات صناعية وإنتاجية كبيرة. ورجال الأعمال في مدن هطاي وغازي عنتاب وشانلي أورفة لديهم الإمكانيات والخبرات اللازمة لتلبية تلك الاحتياجات.”

وإلى جانب زيادة الصادرات، ستتاح فرص استثمارية جديدة لرجال الأعمال الأتراك، لأنهم يمتلكون الخبرات والقدرات لتحقيق نجاحات تجعل من تركيا مؤهلة للعب دور محوري منشود في إعادة بناء سوريا.

10