تركيا ثالث أكبر مصدري المسلسلات عاجزة عن اختراق الجمهور في أميركا وبريطانيا

حبكة درامية تتواءم مع متطلبات الدول الإسلامية والدعاية العثمانية.
الجمعة 2024/03/29
رسائل مدروسة

رغم أن تركيا تحتل المرتبة الثالثة عالميا في تصدير الدراما إلا أن نطاق سوقها محدد وبعيد عن غالبية الجمهور الغربي، إذ تستخدم وصفة تتناسب مع الدول الإسلامية وتخدم الأجندة السياسية التي تقوم على الترويج للبطولات العثمانية وريادتها للمنطقة.

أنقرة - حلّت تركيا في المركز الثالث بعد الولايات المتحدة وبريطانيا ضمن لائحة أكبر مصدري المسلسلات التلفزيونية، مسجلةً زيادة كبيرة في الطلب خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لكنها لم تستطع اختراق الأسواق العالمية في الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب تيمتها وتوجهها خصوصا إلى الدول الإسلامية كما أن الإنتاجات التاريخية الضخمة مصممة للدعاية العثمانية.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “ذا إيكونوميست” البريطانية، فإن الطلب العالمي على العروض التركية نما بنسبة 184 في المئة بين عامي 2020 و2023، مقارنة بنسبة 73 في المئة على الأعمال الدرامية الكورية، وفقًا لشركة “باروت آناليتيكس” للبيانات.

وتحظى العروض التركية بشعبية كبيرة ليس فقط في الشرق الأوسط، بل أيضا في أوروبا وأميركا اللاتينية. وفي العام الماضي كانت إسبانيا والسعودية ومصر أكبر ثلاثة مستوردين للمسلسلات التركية الجديدة. إذ تقدر غرفة تجارة إسطنبول عائدات تصدير الدراما التركية بنحو 600 مليون دولار عام 2022، بينما يتوقع محللون أن يتجاوز إجمالي المبيعات المليارات قريبًا.

وفي النصف الأول من 2023، كانت المسلسلات الثلاث الأكثر مشاهدة في إسبانيا مسلسلات تركية وفقًا لشركة “غلانس” للبيانات. وتشير “ذا إيكونوميست” إلى أن المسلسلات التي تُبث أسبوعيًا في تركيا بحلقات تصل مدتها إلى ثلاث ساعات تقسم إلى حلقات أقصر ويتم بثها لفترات أطول في بلدان أخرى.

◙ العروض التركية تستخدم وصفة مشتركة تتضمن المناظر الطبيعية والأزياء الفاخرة والممثلين الوسيمين وقصص الحب

وتعتمد تركيا على رواية التاريخ وفقا لرؤيتها عبر المسلسلات الدرامية مع نسبة عالية من الإثارة والتشويق. وحظيت قصة السلطان سليمان القانوني في القرن السادس عشر بشعبية كبيرة في العالم العربي، وقد عرف بقتل أيّ شخص كان يشتبه في أنه يحاول منافسته، بما في ذلك شقيقان وولدان وحفنة من الأحفاد. وتم بث مسلسل عن سليمان بعنوان “القرن العظيم” لأول مرة في عام 2011 وكان جزءًا من الموجة الأولى من الأعمال الدرامية التركية التي أصبحت عالمية. ومن بين محبي المسلسل مغني الراب الأميركي كاردي بي.

واليوم، ومع انتشار المسلسلات التركية الشعبية، باتت شخصية سليمان القانوني في منافسة درامية مع مسلسلات أخرى. وآخرها هو فيلم “جدار” (“لا رحمة”)، الذي يدور حول جندي يعود من الحرب ويُجبر على أن يصبح قاتلاً محترفاً لحماية عائلته. وعام 2012، انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مسلسل “القرن العظيم” المعروف في العالم العربي باسم “حريم السلطان” لأنه خصّص الكثير من الوقت لمؤامرات القصر بدلاً من التركيز على فتوحات السلطان سليمان القانوني.

وردا على ذلك، قامت هيئة الإذاعة الحكومية بإخراج دراما تاريخية خاصة بها، بعنوان “قيامة أرطغرل” والتي تدور حول أرطغرل المحارب التركي والد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية في القرن الـ13 الذي يكافح للدفاع عن قبيلته وتوسيع أراضيه. وفي مايو 2020، بينما كان معظم سكان العالم في حالة إغلاق بسبب كوفيد – 19 كان “قيامة أرطغرل” رابع أكثر المسلسلات التلفزيونية طلبًا على مستوى العالم، وفق “باروت آناليتيكس".

وقد أشاد بالمسلسل رئيسُ وزراء باكستان السابق عمران خان، لما يحمله من “قيم إسلامية” وتم نصب تمثال لأرطغرل في لاهور. وحققت دبلجة الحلقة التجريبية بالأوردية 153 مليون مشاهدة على موقع يوتيوب.

وتستخدم العروض التركية وصفة مشتركة لجذب المشاهدين وإثارة اهتمامهم إذ تستخدم مشاهد سلسة بسيطة لا ترهق العيون مليئة بالمناظر الطبيعية الساحرة والأزياء الفاخرة والممثلين الوسيمين وتدور معظمها حول قصص الحب. وبحسب أوزليم أوزسومبول، رئيسة المبيعات في شركة “ماد” للتوزيع، التي تقول إن الدراما التركية جديرة بالاهتمام لأنها تمزج بين الرومانسية والانتقام أما مسلسلات الخيال العلمي فنادرًا ما يتم إنتاجها".

وفي عام 2023، فاز فيلم “يارجي” (“أسرار عائلية”)، الذي يتتبع محامين متنافسين يقعون في الحب، بجائزة إيمي الدولية لأفضل مسلسل تلفزيوني. وبالنسبة إلى الجمهور العربي فهو يقدر كثيرا أن المسلسلات التركية تصور المسلمين كأبطال، وليس كإرهابيين أو سائقي سيارات أجرة، كما تفعل هوليوود في الكثير من الأحيان. وتتلائم العروض التلفزيونية مع انتظارات المجتمعات المحافظة، حيث تقوم هيئات مراقبة وسائل الإعلام التركية بطمس زجاجات الكحول، وتمنع المشاهد الجنسية، وتفرض غرامات على تقبيل الشخصيات.

وأجبرت الرقابة المخرجين على الإبداع في جوانب أخرى حيث تحل نظرات الشوق والأصابع المتدلية محل لقطات الدعابة غير المبررة. وعلى سبيل المثال، في "أحد الأفلام تكاد الرغبات العاطفية تلامس الشفاه بينما تقوم البطلة بتدليك عطرها على رقبة رئيسها. الذي ذهب لاحقًا إلى السجن لضربه رجلاً يحاول شراء حقوق الرائحة. ويقول إردي إسيك مدير التطوير في “آي يابيم”، أبرز شركة مصدّرة للأعمال التركية في العام الماضي، “نحن نفكر في السوق التركية أولاً”، رغم “أننا نختار ممثلين يلبّون التوقعات العالمية”، متحدثاً عن حوالي 20 ممثلاً تركياً يحظون بشعبية كبيرة خارج تركيا.

◙ العروض التركية تحظى بشعبية كبيرة ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط بل أيضا في أوروبا وأميركا اللاتينية 

وقد حقق مسلسل آخر هو “كان يا ما كان في تشكوروفا” بالنسخة التركية الأصلية، نجاحاً مع فوزه بجائزة أفضل مسلسل تلفزيوني للعام 2020 في أميركا الجنوبية، بالإضافة إلى نيل بطلته مكافأة عن أدائها. ويقول كزافييه رامبير، رئيس قسم الأبحاث والتسويق في شركة “غلانس” المتخصصة في إحصاء المتابعين، إنّ “المسلسلات التركية تُبث في أوقات ذروة المشاهدة في إسبانيا والسعودية ومصر”، مشيداً بـ”التأثير الذي تحمله هذه الأعمال”. ويضيف “إن قدرة الأتراك على توفير كميات كبيرة من المحتوى بتكاليف مضبوطة تتيح ملء البرامج بأسعار معقولة".

وفي المجموع، تستقطب المسلسلات التركية نحو 700 مليون مشاهد عالمياً، بحسب وزارة الثقافة التركية. وتقول أوزليم أوزسومبول إن النجاح يعود أيضا إلى جودة الأعمال، مضيفة “نحن دائما نصوّر في المواقع الفعلية” للأحداث الواردة في القصة بدل التصوير في أستوديوهات. وتُكتب كل حلقة لتصويرها في الأسبوع التالي، استناداً إلى حبكة عامة تتطور لتتكيف مع المشاهدين. فحلقة مدتها ساعتان قد يُكتب السيناريو الخاص بها وتُصوّر ويجري إنتاجها في ستة أيام.

وقد تُزال شخصيات من العمل أو يتم تحجيم دورها. وتشير أوزسومبول إلى أنّ كبار النجوم فقط هم من يضمنون مشاركتهم في ما يصل إلى 15 حلقة. ويقول أوزليم أوزدمير، مؤسس مجلة “إبيزود” التي تغطي البرامج التلفزيونية التركية، “بما أنّ المسلسلات تُنتج للقنوات في تركيا، من غير الممكن استرداد تكاليفها جراء بثّها فقط في تركيا".

ويتم تالياً تكييف الأعمال مع السوق الدولية. ويقول أحمد زيالار، المشارك في تأسيس شركة “إنتر ميديا” ورئيسها التنفيذي، إنّ “نظامنا مميز لأننا نصوّر لمدة ساعتين ونصف ساعة تقريباً كل أسبوع. ثم ندخل تعديلات بما يتناسب مع السوق الأجنبية لتتكيّف مع الإعلانات”. ويمكن تحويل حلقة أسبوعية تتراوح مدتها من 90 إلى 120 دقيقة في تركيا إلى ثلاث حلقات مدة كل منها 45 دقيقة تُبث يومياً في دول أميركا اللاتينية. وبدأ زيالار يعمل على ما يُسمى بمسلسلات "الجيل الجديد" والتي تتألف من ثماني إلى 12 حلقة، والمخصصة فقط لمنصات البث التدفقي. ويقول "إنّها أقصر وذات أحداث أسرع وأكثر جرأة وجاذبية، وأقل مواجهةً للرقابة".

5