تركيا تنخرط بشكل أوسع في زعزعة استقرار القوقاز

يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مغامراته الخارجية غير محسوبة العواقب، فمن آسيا في سوريا والعراق وشمال أفريقيا في ليبيا وصولا إلى جنوب القوقاز، تمعن تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في استعداء الجميع والتدخل في شؤونهم إما عبر القوة العسكرية وهي على الأغلب الوسيلة التي يفضلها أردوغان أو عبر المساندة السياسية والدبلوماسية لطرف على حساب آخر، ما قوض عددا من مبادرات السلام الأممية.
باكو (أذربيجان) – أعلنت وزارة الدفاع الأذرية الاثنين أن مناورات عسكرية مشتركة واسعة النطاق مع تركيا، ستنطلق الأربعاء في أذربيجان وتستمر 13 يوما بمشاركة قوات برية وجوية من البلدين، في خطوة وصفها مراقبون بالاستفزازية لأرمينيا.
وتأتي المناورات في ظل توترات بين أذربيجان وأرمينيا على صلة بمنطقة ناغورني قره باغ وهي منطقة انفصالية في أذربيجان تدعمها أرمينيا وتشهد حربا منذ بداية التسعينات أدّت إلى مقتل 30 ألف شخص.
وتمثّل الاشتباكات الحالية التي وقعت بعيدا عن هذا الإقليم تصعيدا نادرا، فيما أعلنت تركيا في وقت سابق أن قواتها المسلحة “ستقوم بما ينبغي القيام به، كما كان حالها على الدوام” و”ستواصل الوقوف بجانب أذربيجان ضد الاعتداءات التي تتعرض لها من قبل أرمينيا”.
ويشعر المجتمع الدولي بقلق من الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان بسبب خطر حدوث عدم استقرار في جنوب القوقاز، وهي منطقة تمر عبرها خطوط الأنابيب التي تنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية.
ويأتي الانخراط التركي في التوتر الذي تعرفه منطقة جنوب القوقاز في وقت دعا فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى “وقف كامل وفوري للتصعيد” بين أذربيجان وأرمينيا و”العودة إلى طاولة المفاوضات”. وقال متحدّث باسم الأمم المتّحدة إنّ غوتيريش تحدّث هاتفيا بشكل منفصل مع الرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان.
وأضاف أنّ غوتيريش أعرب لهما عن قلقه بعد المواجهات العسكرية الأخيرة بين البلدين وطلب منهما الامتناع عن “الخطاب الاستفزازي”، كما أعرب عن “دعمه الكامل” لجهود منظّمة الأمن والتعاون في أوروبا لتخفيف التوتّر بين البلدين.
المخابرات التركية بدأت بتسجيل أسماء مرتزقة الفصائل التركمانية في عفرين لزجهم في أذربيجان لقتال الأرمن
ويرى مراقبون في المناورات العسكرية التركية الأذرية تصعيدا خطيرا واستفزازا لأرمينيا التي قد تطلب مساعدة قوى دولية على غرار روسيا، التي عرضت التوسط في حل النزاع، لمواجهة المحور (التركي الأذري) الذي يحشد على حدودها.
ويذهب المحللون الأتراك الموالون لحزب العدالة والتنمية إلى تصوير دعم حكومتهم لأذربيجان ضد أرمينيا في إطار حماية مصالح البلاد الطاقية وحماية خط باكو-تركيا النفطي وأنظمة أنابيب الغاز، إلا أن العداء التاريخي بين الأتراك العثمانيين والأرمن أهم أسباب الدعم لباكو المناوئة لأرمينيا.
وتعود جذور الخلافات بين تركيا وأرمينيا إلى قضية إبادة الأرمن خلال الحقبة العثمانية، حيث ترفض أنقرة الاعتراف بوجود جرائم حرب ارتكبها العثمانيون وكان ضحيتها الأرمن.
وتصنف 20 حكومة بينها حكومات فرنسا وألمانيا وروسيا رسميا قتل الأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية على أنه إبادة جماعية.
ودأبت تركيا على اتهام مَن يصف المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن في الحرب العالمية الأولى بأنها إبادة جماعية بالتآمر ضدها.
وتتهم أنقرة الأرمن بأنهم عبر جماعات ضغط بمختلف دول العالم، يطلقون دعوات إلى “تجريم” تركيا، وتحميلها مسؤولية تعرض أرمن الأناضول لعملية “إبادة وتهجير” على يد الدولة العثمانية.
وتزعم حكومة العدالة والتنمية أن الوثائق التاريخية تؤكد عدم تعمد وقوع تلك الأحداث المأسوية، بل على العكس، تمت معاقبة المتورطين في الانتهاكات بإعدامهم، رغم عدم وضع الحرب أوزارها.
والأسبوع الماضي، نقلت وسائل إعلام عربية عن مصادر في مدينة عفرين التي تحتلها تركيا شمالي سوريا أن المخابرات التركية بدأت بتسجيل أسماء المرتزقة وخاصة مرتزقة الفصائل التركمانية لزجهم في أذربيجان لقتال الأرمن.
وكشفت المصادر عن وجود تجمعات في مركز المرتزقة التركمان في مركز مدينة عفرين حيث “جاءت عدة عربات مصفحة نوع جيب يستقلها مسؤولون أتراك كبار المستوى مع حراسة شديدة”.
وقالت المصادر إن مسؤولي المخابرات التركية أجروا مناقشات مع عدد من العناصر المرتزقة، واتضح أنهم جاؤوا لتسجيل أسماء مرتزقة تركمان للزج بهم في الصراع الحدودي بين أذربيجان وأرمينيا.
ويأتي هذا بينما نفت سفارة دولة أذربيجان لدى مصر التقارير التي زعمت أن الاستخبارات التركية بدأت بتسجيل أسماء ميليشيات ومرتزقة إرهابيين لإرسالهم إلى أذربيجان لمساندتها في حل الصراع الحدودي مع أرمينيا.
وقالت السفارة في تصريحات صحافية إن “أذربيجان لديها قدرة على تحرير أراضيها بجيشها المقتدر، ولا تحتاج إلى مثل هذه الخطوات”.
وعلى الرغم من انتشار هذه الأخبار على نطاق واسع إلا أن نفيا أو تأكيدا من جانب الحكومة التركية لم يصدر بعد.
وما أن اندلعت المواجهات الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا حتى سارعت تركيا لإعلان الاصطفاف إلى جانب أذربيجان حيث صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلا “لا يمكننا ترك أذربيجان الشقيقة لوحدها في مواجهة الاعتداءات الأرمينية”، وأضاف أنه لن يتردد في “الوقوف ضد أي هجوم” على أذربيجان وأن أرمينيا “في موقف صعب لا يمكنها التعامل معه” في الصراع.
ووصف مراقبون تصريحات الرئيس التركي على أنها ضوء أخضر للمساندة العسكرية.
وعلى الرغم من اتفاق لوقف إطلاق النار جرى إبرامه عام 1994، فإن أذربيجان وأرمينيا لا تزالان تتبادلان الاتهامات بشن هجمات على الحدود بينهما.
والاثنين، أعلنت وزارة الدفاع الأرمنية مقتل جندي أرمني في المواجهات التي جرت على الحدود بين يريفان وباكو، ليرتفع بذلك عدد القتلى في المعارك الأخيرة في المنطقة إلى 19.
وأوضحت الوزارة أن الجندي اشوت ميكايليان قتل ليل الأحد “بنيران قناص معاد من موقع في شمال شرق” أرمينيا.
وبدأت المعارك بين البلدين في 12 يوليو على الحدود الشمالية بين الجمهوريتين السوفييتيتين السابقتين، وهي أسوأ اشتباكات بينهما منذ 2016.
وأدت إلى مقتل 19 شخصا على الأقل، هم 12 جنديا ومدنيا أذريا وستة جنود أرمن، وفق الحصيلة الرسمية.