تركيا تمر بأسوأ موجة غلاء منذ ربع قرن

ينسف استمرار التضخم بتركيا في مساره الصعودي آمال الحكومة في تحقيق أهدافها وفق سياسة مثيرة للجدل تعتمد على خفض أسعار الفائدة، مما جعل البلد يمر بأسوأ موجة غلاء منذ قرابة ربع قرن، ما يترك الناس والشركات في موقف أكثر قلقا من دخول الاقتصاد في دوامة يصعب الخروج منها.
إسطنبول- يشكك المحللون في أن تتمكن تركيا من الوصول إلى نقطة كانت قد رسمتها لأسعار الاستهلاك هذا العام بعدما ظلت البيانات دون التوقعات حتى مع اتباع سياسة نقدية سلبية.
وتجاوز معدل التضخم 80 في المئة لأول مرة منذ سبتمبر 1998، إذ أدت السياسات التي أعطت الأولوية للنمو الاقتصادي والإقراض الرخيص إلى التأثير على الليرة واستقرار الأسعار.
ولدى المحللين قناعة بأن الوضع سيفاقم الضغوط على الأتراك وحتى الشركات الأمر الذي سيأتي بنتائج عكسية قد تكبح انتعاش نمو الناتج المحلي الإجمالي.

سيلفا بحر بازيكي: سنشهد ذروة ارتفاع التضخم في أكتوبر قبل أن يتراجع
وتسارعت أسعار الاستهلاك للشهر الخامس عشر على التوالي إلى 80.2 في المئة في أغسطس الماضي، ارتفاعا من 79.6 في المئة قبل شهر، وفقا للبيانات الصادرة الاثنين من وكالة الإحصاء التركية.
وكان متوسط توقعات الاقتصاديين الذين شملهم استطلاعان أجرتهما وكالات بلومبرغ ورويترز أن يكون مؤشر التضخم السنوي عند حوالي 81.2 في المئة.
وذكر معهد الإحصاء أن أسعار المستهلكين ارتفعت على أساس شهري 1.46 في المئة، مقارنة مع توقعات في استطلاع لرويترز عند اثنين في المئة.
وأظهرت الأرقام ارتفاع مؤشر أسعار المنتجين المحليين 2.41 في المئة على أساس شهري في أغسطس بزيادة سنوية قدرها 143.75 في المئة.
وتلك أعلى قراءة منذ أغسطس 1998، عندما بلغ التضخم السنوي 81.4 في المئة وكانت تركيا تكافح لإنهاء عقد من التضخم المرتفع المزمن.
وشهد النقل أعلى معدل سنوي للتضخم، إذ ارتفعت الأسعار بنسبة 116.87 في المئة على أساس سنوي، رغم انخفاض الأسعار في القطاع 1.78 في المئة على أساس شهري. وقفزت الأسعار في قطاع الأغذية والمشروبات غير الكحولية 90.25 في المئة.
واللافت أن هذه البيانات لم يكن لها تأثير يذكر على الليرة التي تم تداولها عند 18.2 مقابل الدولار دون تغيير عن مستوياتها السابقة.
وتستبعد سيلفا بحر بازيكي المحللة في بلومبرغ أن تحقق العملة التركية مكاسب. ورجحت ارتفاع التضخم في الأشهر المقبلة وسط ارتفاع تكاليف الطاقة وبعد خفض البنك المركزي أسعار الفائدة.
وقالت إن “من المفترض أن يشهد هذا المستوى على أساس سنوي يصل إلى الذروة في أكتوبر المقبل قبل أن يتراجع إلى نحو 69 في المئة بنهاية العام”.
وأبقى الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يعتقد أن تكاليف الاقتراض الأرخص يمكن أن تبطئ مسار التضخم بدلا من دفعه إلى أعلى، الصادرات والتوظيف على رأس جدول الأعمال.

بير هامارلوند: مع تكاليف الطاقة فإن مشكلة الأسعار المرتفعة لم تحل
ويأتي ذلك حتى في الوقت الذي تشكل فيه أزمة تكلفة المعيشة التي تتكشف في تركيا تهديدا لاستئنافه قبل أقل من عام من الانتخابات.
ويمكن أن تتعرض أسعار المستهلك للضغط مرة أخرى إذا أطلقت السلطات المزيد من التحفيز أو في حالة حدوث صدمة أخرى لتكاليف الطاقة.
وقال بير هامارلوند كبير محللي الأسواق الناشئة في ‘سيب أي.بي’ إن “التضخم الأقل من المتوقع إلى حد ما في تركيا في أغسطس هو نبأ مرحب به للحكومة والبنك المركزي”.
ولكنه استدرك بالإشارة إلى أنه “مع ذلك، ومع ارتفاع أسعار الطاقة مرة أخرى مع حلول أشهر الشتاء، فإن مشكلة التضخم المرتفع لم تحل”.
وتتمتع تركيا بأعمق معدلات فائدة سلبية في العالم عند تعديلها استنادا لأرقام التضخم، لكن خوفا من “فقدان بعض الزخم” في الاقتصاد برز خلال الفترة الماضية بين أوساط المحللين وأيضا الأتراك.
وطوال معظم العام، استمر الاقتصاد البالغ حجمه 820 مليار دولار في النمو رغم ارتفاع التضخم الاستهلاكي إلى المستويات التي شوهدت لآخر مرة خلال فترة عدم الاستقرار السياسي قبل وصول أردوغان إلى السلطة.
وقد فاق نمو تركيا معظم أقرانها هذا العام حتى الآن، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.6 في المئة في الربع الثاني من هذا العام.
وظل المسؤولون الأتراك حتى الآن غير منزعجين، ووصفوا مكاسب الأسعار بأنها عابرة، وألقوا باللوم على الحرب بين روسيا وأوكرانيا في التسبب في ارتفاع عالمي في أسعار المواد الغذائية والسلع.
وطلب أردوغان “بعض الصبر والمزيد من الدعم”، قائلا الأسبوع الماضي إن “التضخم سيبدأ في الانخفاض في بداية العام الجديد”.
وحتى مع استبعاد العناصر المتقلبة مثل الغذاء والطاقة، ارتفع التضخم، حيث تجاوز المؤشر الأساسي 66 في المئة في أغسطس، وهو رقم قياسي في البيانات يعود إلى عام 2004.
وتضاعفت أسعار التجزئة في إسطنبول المدينة الأكثر ثراء في تركيا، الشهر الماضي على أساس سنوي. ومع ذلك، قد يكون الضرر طويل المدى من الأزمة في الطريقة التي تشوه توقعات الأسعار.
80.2
في المئة نسبة التضخم في أغسطس الماضي، قياسا بنحو 79.6 في المئة قبل شهر
وخلص مسح أجراه البنك المركزي التركي الشهر الماضي في أغسطس أن المستطلعين يتوقعون أن يصل التضخم إلى أكثر من 24 في المئة بعد عامين من الآن.
ورفعت الحكومة توقعاتها لنمو الأسعار إلى 65 في المئة هذا العام من 9.8 في المئة سابقا. وترى أنها تتباطأ فقط إلى حوالي 25 في المئة العام المقبل، وفقا لخطة جديدة مدتها ثلاث سنوات نُشرت في الجصحيفة الرسمية الأحد الماضي.
وليس من المتوقع بحسب الحكومة أن تكون أسعار الاستهلاك أقل من عشرة في المئة حتى العام 2025.
والتحدي الأبرز بالنسبة إلى السلطات التركية، التي خفضت سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 100 نقطة أساس أخرى الشهر الماضي إلى 13 في المئة، هو خطر حدوث تباطؤ اقتصادي في المستقبل.
وفي حين أن البنوك الكبرى مثل غولدمان ساكس ومورغان ستانلي قد عدلت توقعاتها عند مستوى أعلى بعد نمو أسرع من المتوقع في الربع الثاني من 2022، فإن خطر حدوث ركود في أوروبا هو من بين العوامل التي يمكن أن تضغط على الاقتصاد التركي.