تركيا تلغم مفاوضات المياه مع العراق بالاشتراطات

وزير الخارجية التركي يطلب من بغداد أن تعترف بحزب العمال الكردستاني كتنظيم إرهابي، مقابل إطلاق المياه من نهر الفرات وإزالة العراقيل أمام تصدير عبر ميناء جيهان التركي.
الأربعاء 2023/08/23
تركيا تبتز العراق بملف المياه والطاقة

بغداد - دعا الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد اليوم الأربعاء تركيا إلى التوصل  إلى تفاهمات مع العراق للحصول على حصة عادلة وكافية من المياه تغطي احتياجاته الضرورية، فيما تضع أنقرة شروطا لحل تلك الأزمة وغيرها من الملفات الخلافية وهي اعتراف بغداد بحزب العمال الكردستاني كتنظيم إرهابي للتسويغ لنفسها بالتمدد بأريحية في الشمال العراقي بحجة محاربته.

وقال الرئيس العراقي خلال استقباله الأربعاء وزير خارجية تركيا هاكان فيدان  الذي يزور بغداد حاليا إن "العراق يعاني من أزمة حادة في المياه أثرت بشكل كبير على مجمل الحياة العامة للعراقيين بسبب انخفاض تدفق المياه العابرة للحدود في نهري دجلة والفرات وروافدهما". حسب بيان للرئاسة العراقية.

وأضاف أن "أزمة المياه يتحملها الجانبان والعراق جاد في بذل الجهود الحثيثة لترشيد استخدام المياه وإعادة تأهيل نُظم الري والصرف الصحي من خلال استخدام التقنيات الحديثة، وتحسين إدارة المياه وبناء السدود والخزانات".

وقضية المياه والسدود على نهري دجلة والفرات، وهما نهران ينبعان من تركيا قبل أن يمرا في العراق، حساسة بشكل خاص بين البلدين الجارين.

ويعاني العراق من انخفاض مثير للقلق في منسوب النهرين، ويتهم تركيا بانتظام بخفض تدفق النهرين بشكل كبير بسبب السدود المبنية عند المنبع.

وفي مارس الماضي، أجرى الوزراء العراقي محمد شياع السوداني زيارة رسمية إلى أنقرة على رأس وفد وزاري وأمني كبير، بحث خلالها عدة ملفات أبرزها الأمن والحدود والمياه والطاقة وتوسيع نطاق التجارة بين البلدين.

وأسفرت الزيارة عن سماح تركيا بتدفق المزيد من مياه الفرات ودجلة "لمدة شهر واحد"، وهو ما اعتبره العراقيون نتيجة هزيلة لا تتوافق مع حجم المصالح التجارية التركية مع العراق.

وتبلغ قيمة تجارة المواد الغذائية التركية وحدها مع العراق حوالي 8 مليارات دولار سنويًا. وكان من الممكن التهديد بقطعها، لصالح التجارة مع بلدان أخرى في الجوار مثل مصر والأردن والسعودية.

وكانت حصة العراق من مياه دجلة والفرات خلال السنوات الماضية تبلغ نحو 42 مليار متر مكعب سنويًا. إلا أنها ظلت تنخفض على امتداد عهود ما بعد غزو العراق لتصل إلى نحو الثلث هذا العام.

وفي سياق متصل، أكد الرئيس العراقي على" عمق العلاقات التاريخية التي تربط البلدين الجارين وأهمية العمل على تعزيزها وتطويرها وتوسيع آفاق التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والبيئية وملف المياه والطاقة وبما يخدم المصالح المتبادلة للشعبين العراقي والتركي" .

وفشلت زيارة أداها وزير النفط العراقي حيان عبدالغني إلى أنقرة الثلاثاء في ما يتعلق باستئناف صادرات النفط عبر ميناء جيهان، حيث لم تحرز المحادثات التي أجراها مع نظيره التركي ألب أرسلان بيرقدار أي تقدم يذكر في هذا الملف الذي تحاول تركيا على ما يبدو أن تتخذ منه  ورقة لابتزاز بغداد بشأن ملفات أخرى لا تخلو من أبعاد سياسية وأمنية.

فقد ذكر بيان صادر عن وزارة النفط العراقية الثلاثاء أن "الوزيران ناقشا عدد من القضايا الثنائية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك وشددا على أهمية خط أنابيب النفط الخام بين العراق وتركيا، واستئناف تدفقات النفط الخام، بعد الانتهاء من عمليات التأهيل والفحص اللازمة التي يتطلب تنفيذها بعد حادث الزلازل في فبراير الماضي".

وأوقفت تركيا تدفقات النفط في 25 مارس الماضي بعد أن أمرت هيئة تحكيم تابعة لغرفة التجارة الدولية أنقرة بدفع تعويضات لبغداد بقيمة 1.5 مليار دولار تقريبا عن الأضرار الناجمة عن تصدير حكومة إقليم كردستان النفط بشكل غير قانوني بين عامي 2014 و2018.

وكانت الصادرات التي أوقفت تتكون بالأساس من نفط قادم من الإقليم الذي يحظى بحكم ذاتي في شمال العراق.

ومن جانبه، أكد وزير خارجية تركيا أن بلاده "حريصة على إيجاد الحلول الجذرية لمشكلة المياه وهناك متابعة مستمرة من الحكومة التركية لمعالجة نقص المياه في العراق".

ودعا إلى "عقد اجتماع مشترك بين الخبراء لدى البلدين للوصول إلى حلول فعلية مؤكدا أن تركيا متمسكة بدعم جهود العراق في ترسيخ أمنه واستقراره، وترغب في توطيد العلاقات التي تربط البلدين منذ القدم وبما يحقق المصالح المشتركة".

ومن المفترض أن تمهد زيارة الوزير هاكان فيدان التي تشمل بغداد وكردستان العراق وتستمر حتى الخميس، لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والتي أعلن عنها نهاية يوليو الماضي من دون أن يتم تحديد موعد لها حتى الآن.

وذكر فيدان أن الرئيس التركي "عازم على زيارة العراق لمتابعة القضايا الموجودة إضافة إلى الملفات التي يتضمنها برنامج الزيارة كما أن وزير التجارة التركي سيزور العراق الأسبوع المقبل".

وكانت وشيكة للرئيس التركي إلى بغداد الشهر الماضي، إلا أن تعثر المساومات التي يرغب فيها أردوغان حالت دون القيام بهذه الزيارة، وهو يريد الآن أن يرى ماذا يمكن لوزير خارجيته أن يحصل عليه قبل الإقدام عليها.

تركيا تبتز العراق
تركيا تريد اعتراف بغداد لتمدد في شمال العراق بأريحية

وخلال مؤتمر صحافي عقده فيدان مع نظيره العراقي فؤاد حسين، أعرب عن تطلع بلاده لاعتراف بغداد رسميا كتنظيم إرهابي.

وقال فيدان في هذا الخصوص "بموجب مبدأ الصداقة والأخوة (مع العراق) ننتظر أن يعترفوا رسميا بحزب العمال الكردستاني كتنظيم إرهابي".

وشدد على ضرورة عدم السماح لتنظيم حزب العمال الكردستاني الذي يُعد العدو المشترك لتركيا والعراق بتسميم علاقات البلدين.

وأكد فيدان أن العلاقات مع الجارة العراق، تعد من القضايا التي تولي لها تركيا أهمية وأولوية بالغة في سياساتها الخارجية، وأن وحدة الأراضي العراقية وسيادتها ووحدتها السياسية تعد من أهم أولويات السياسة الخارجية لتركيا.

وشدد على أن تركيا ستواصل هذا النهج، مبينا أن أنقرة ترى العراق شريكا موثوقا يمكن تحقيق الأهداف الاستراتيجية معه.

وأعرب عن ثقته بأن استقرار العراق وأمنه ورخائه سيساهم في استقرار تركيا وأمنها.

وصرح فيدان أنه تناول مع نظيره العراقي العديد من القضايا والمسائل، أبرزها الكفاح ضد التنظيمات الإرهابية.

وقال في هذا الخصوص "علينا ألّا نسمح لتنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي الذي يُعد العدو المشترك لتركيا والعراق بتسميم علاقات البلدين، ولا يمكننا أن نبقى غير مبالين إزاء تحدي هذا التنظيم للسيادة العراقية".

وأوضح بأن التنظيم يحتل حاليا سنجار ومخمور وقنديل والسليمانية والعديد من القرى العراقية الأخرى، مشيرا إلى أنه يتجاهل الحدود بين سوريا والعراق ويسعى لتوحيد هاتين المنطقتين عبر الممر الإرهابي الذي أسسه، وندعم على كافة المستويات جهود العراق في كفاحه ضد التنظيمات الإرهابية.

واستطرد قائلا "بموجب مبدأ الصداقة والأخوة (مع العراق) ننتظر أن يعترفوا رسميا بحزب العمال الكردستاني كتنظيم إرهابي، وتركيا مستعدة للعمل مع العراق لمكافحة أي تنظيم إرهابي بغض النظر عن اسمه سواءً كان حزب العمال الكردستاني أو داعش، يطمع في سلامة الأراضي العراقية ووحدته السياسية واستقرار ورخاء الإخوة العراقيين ويرتكب جرائم ضد الإنسانية".

ويصنف حزب العمال الكردستاني من قبل الاتحاد الأوروبي وتركيا والولايات المتحدة على أنه فصيل إرهابي. ويشن منذ العام 1984 تمردا ضد الدولة التركية.

وعادة ما يستهدف حزب العمال الكردستاني قوات الأمن التركية، وغالبا ما يتبنّى تنظيم "صقور حرية كردستان" التابع للحزب هجمات في وسط المدن.

ويشن الجيش التركي بانتظام عمليات عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في تركيا وفي شمال العراق، ما يؤثر سلبا على العلاقات بين أنقرة وبغداد.

وتتخذ أنقرة من فكرة وجود مسلحين تابعين لحزب العمال الكردستاني المعارض ذريعة لتوسيع تدخلاتها في العراق، وذلك على الرغم من أن المسلحين الأكراد ينشطون داخل الأراضي التركية أكثر بكثير مما يتسللون إلى الأراضي العراقية.

وتطرق فيدان إلى مشروع "طريق التنمية" في العراق قائلا "ندعم الحكومة التي شكلها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ونثمن جهوده في تطوير البنية التحتية العراقية، وكذلك ندعم بقوة مشروع طريق التنمية الذي يقوده السوداني".

ولفت إلى أن هذا المشروع الاستراتيجي سيحول العراق إلى مركز للنقل في المنطقة، معرباً عن ثقته بأن هذا المشروع سيساهم بتأثير مضاعف في استقرار المنطقة ورخائها، كما دعا جميع دول المنطقة إلى دعم مشروع طريق التنمية.

وتراهن حكومة السوداني على المضي قدما في مشروع "طريق التنمية" الذي يربط بين موانئ البصرة والموانئ التركية، لأن هناك الكثير من الشركات والشركات الفرعية التي تسعى للحصول على عقود لتنفيذ أجزاء من هذا المشروع الذي تقدر تكاليفه بنحو 25 مليار دولار.

ويهدف المشروع إلى إنشاء خط سكة حديد جديد بطول 500 كيلومتر يربط بين ميناء أم قصر في العراق وميناء مرسين في تركيا، فضلا عن بنى تحتية أخرى لطرق وأنظمة خدمات برية بين البلدين.

وناقش الوزيران ايضا الاستئناف المرتقب لصادرات النفط من كردستان العراق إلى تركيا، والتي جمدتها أنقرة في مارس الماضي.

وقال حسين بهذا الصدد "تطرقنا الى مسالة النفط من خلال الأنبوب الممتد من كردستان العراق الى (ميناء) جيهان، ونتمنى حلاّ لهذه المشكلة".

وفيما يخص العلاقات الاقتصادية القائمة بين البلدين، أكد فيدان أن تركيا تولي أهمية كبيرة لهذه العلاقات، وأن حجم التبادل التجاري بين البلدين شارف على الوصول إلى حدود 25 مليار دولار.

وأردف "هذا الرقم بعيد عن الإمكانات الحقيقية لكلا البلدين، ولرفع هذا الرقم إلى مستويات أعلى هناك العديد من الخطوات التي يجب أن نقدم عليها بشكل متبادل، وقد تباحث مع نظيري حول بعض الاتفاقيات التي سنبرمها".