تركيا تفصل بين الحوار مع أوجلان واستهداف رؤساء البلديات الأكراد

إسطنبول- أعلنت وزارة الداخلية التركية السبت تعليق مهام رئيس بلدية مدينة فان في شرق تركيا وهو من حزب الشعوب للعدالة والديمقراطية (ديم) المؤيد للأكراد، وترتيبه الثالث في البرلمان، بتهمة “الإرهاب”، في تعارض مع مسار الحوار مع الزعيم التاريخي الكردي عبدالله أوجلان الذي يفترض أنه يستعد لتوجيه نداء إلى حزب العمال الكردستاني المحظور لوضع السلاح والقبول بالحوار.
ولا يعرف إن كان الهدف من هذه الإقالات هو إفشال الحوار أم إجراء هذا الحوار في ظل سياسة الأمر الواقع ما يفرغه من مضمونه ويحدّ من فرص نجاحه.
ويقول مراقبون إن الحملة الحكومية تهدف إلى إحداث فراغ في البلديات التي فاز بها الأكراد ما يسهل على أنصار الحكومة استعادتها في انتخابات قادمة.
كما أعلنت الوزارة اعتقال أكثر من 120 من أنصار رئيس البلدية عبدالله زيدان، على الرغم من الحوار الجاري مع حزب العمال الكردستاني.
وهذه هي الإقالة التاسعة لرئيس بلدية مدينة ذات أغلبية كردية ينتمي إلى حزب الشعوب للعدالة والديمقراطية، وتأتي في الذكرى السادسة والعشرين لاعتقال أوجلان.
من المرتقب أن يوجه زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون منذ 15 فبراير 1999 في تركيا "نداء تاريخيا" من أجل حل ديمقراطي "للقضية الكردية"
وقال الرئيس المشارك لحزب “ديم” تونجر باكيرهان في أنقرة “من ناحية، يتقدم الحوار، ومن ناحية أخرى، تُصادر إرادة الشعب. نضالنا مستمر، من إسطنبول إلى فان،” داعياً الحكومة إلى التحلي “بالشفافية”.
وقالت وزارة الداخلية في بيان “حُكم على رئيس بلدية فان عبدالله زيدان بالسجن ثلاث سنوات وتسعة أشهر بتهمة مساعدة منظمة إرهابية، وتم إيقافه مؤقتا عن ممارسة مهامه،” موضحة أنه تم تعيين محافظ المدينة بدلا منه.
وعلى حسابه على موقع إكس ندد زيدان بمن وصفهم بأنهم “لصوص وقحون اغتصبوا إرادة الشعب”. ورفض رئيس البلدية المقال التوقيع على الإخطار الذي أبلغه بإيقافه عن العمل، و”استنكر الانقلاب على الشعب،” حسب ما أورد موقع “بير غون” الإخباري المعارض.
ومنذ إدانته التي استأنفها في 11 فبراير، حظي رئيس بلدية فان بدعم الآلاف من المتظاهرين الذين تجمعوا أمام مقر البلدية حيث طردتهم الشرطة فجر السبت. وذكرت وكالة أنباء “أنكا” المحلية أن الشرطة اعتقلت 127 شخصا. وقالت نقابة الصحافيين إن بينهم ستة صحافيين. وندد حزب “ديم” بما وصفه بأنه “انقلاب.. وضربة لإرادة الشعب،” مذكرا بأن زيدان فاز بأكثر من 55 في المئة من الأصوات في مارس الماضي.
وقالت الرئيسة الأخرى المشاركة للحزب تولاي حاتم أوغلار للصحافيين “لا يمر يوم دون حملة قمع جديدة. وفي الوقت الذي يتساءل فيه الجميع عمّا إذا كان من الممكن أن يوجه أوجلان نداءه في هذا اليوم الرمزي من 15 فبراير، يتم تعيين مسؤول إداري على رأس بلدية فان.” وتساءلت عما إذا كانت “الحكومة تريد نسف عملية الحوار الجارية”.
وقالت إن هذه الممارسات لا تستهدف حزبها فحسب، بل أيضاً حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي في البرلمان.
وفي المجمل، أقيل أحد عشر رئيس بلدية، تسعة من حزب الشعوب للعدالة والديمقراطية واثنان من حزب الشعب الجمهوري، هما رئيسا بلديتين في إسطنبول منذ الانتخابات المحلية التي جرت في مارس 2024.
وكانت هذه الممارسة قائمة قبل الانتخابات الأخيرة، فقد جرى منذ عام 2016 فصل العشرات من رؤساء البلديات في المناطق الكردية من مناصبهم واستبدالهم بمسؤولين عينتهم السلطات.
وكان البرلمان الأوروبي ندد بإجراءات قانونية اتخذتها تركيا بحق رؤساء بلديات ينتمون إلى أحزاب معارضة ودعا إلى إطلاق سراح مسؤولين أُلقي القبض عليهم في الأسابيع القليلة الماضية.
ويعد بيان البرلمان الأوروبي الذي صدر يوم الخميس أقوى انتقاد غربي للإجراءات التي اتخذتها السلطات التركية حتى الآن.
وعبّر نواب البرلمان الأوروبي عن “قلقهم البالغ” إزاء “تجاهل تركيا لسيادة القانون وانتهاك الحكومة للمبادئ الأساسية للديمقراطية.” كما انتقدوا أنقرة لتعيينها شخصيات مقربة من الحكومة بدلا من المسؤولين المنتخبين.
الحملة الحكومية تهدف إلى إحداث فراغ في البلديات التي فاز بها الأكراد ما يسهل على أنصار الحكومة استعادتها في انتخابات قادمة
واستنكر البرلمان الأوروبي “الإقالة التعسفية وسجن رؤساء البلديات المنتخبين ديمقراطيا،” وطالب بالإفراج الفوري عنهم وتبرئتهم وإعادة تعيينهم.
وحث النواب المفوضية الأوروبية على النظر في فرض تدابير ضد المسؤولين الأتراك المشاركين في تلك الإجراءات. وفي فرنسا، تظاهر الآلاف من الأشخاص السبت في ستراسبورغ للمطالبة بالإفراج عن أوجلان، في الذكرى السادسة والعشرين لاعتقاله.
وهتف المتظاهرون “الحرية لأوجلان”، حاملين لافتات عليها صورة أوجلان وعلما كردستان وحزب العمال الكردستاني. وتقدمت الموكب لافتة كبيرة تطالب بـ”حل القضية الكردية”. وانطلقت التظاهرة ظهر السبت في وسط المدينة الواقعة في منطقة ألزاس وانتهت بهدوء في ساحة النجمة حيث تجمع المتظاهرون.
وانتشرت أعداد كبيرة من عناصر الشرطة. وبلغ عدد المتظاهرين عند الواحدة ظهرا نحو 6500 شخص، بحسب قيادة الشرطة، و”عشرات الآلاف” بحسب المنظمين الذين كانوا قد توقعوا مشاركة 20 ألف شخص.
وقالت الطالبة أدار دوغالا البالغة 18 عاما لوكالة فرانس برس “اليوم، نحن هنا للدفاع عن قضيتنا وشعبنا، ولكن أيضا عن حقوقنا وزعيم حزبنا”. وتابعت “أوجلان مسجون منذ سنوات طويلة ونحن نطالب فقط بحريته وحرية شعبنا”.
واعتبرت بيريفان فيرات المتحدثة باسم العلاقات الخارجية في المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا أن “من خلال شخص أوجلان، اختطفت إرادة الشعب الكردي”. وأعربت عن أملها في “التوصل إلى حل ديمقراطي”.
وقالت هيلين ديرسم، وهي من المنظمين، “تنتهك جميع الحقوق الأساسية لعبدالله أوجلان مع أنه مفكر كبير يدافع عن البيئة والمساواة بين الرجل والمرأة والسلام”. وأضافت أنه “يطرح بديلا للبؤس الاجتماعي والرأسمالية” موضحة أن “أفكاره يمكن أن تمنح الأمل للكثير من الناس المضطهدين، بما يشكل أولئك الموجودين في تركيا”.
وقالت إن يوم الخامس عشر من فبراير “يوم أسود” عادة لكن قد يصبح “يوم فرح” إذا وجه أوجلان “رسالة إلى شعبه”. ومن المرتقب أن يوجه زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون منذ 15 فبراير 1999 في تركيا “نداء تاريخيا” من أجل حل ديمقراطي “للقضية الكردية،” بحسب أنصاره.