تركيا تغير طبيعة حضورها في القرن الأفريقي من النفوذ إلى الوساطة

أنقرة لا تريد أن يثير وجودها أي توتر بينها وبين دول الإقليم، خاصة أن اتفاقيتها الدفاعية مع الصومال تحمّلها مسؤولية حمايته من أي تدخل خارجي.
السبت 2024/08/10
تحدي تأمين النفوذ

أنقرة – تسعى تركيا إلى التغطية على طبيعة نفوذها في القرن الأفريقي بإخراجه من الوجود المباشر إلى الوساطة على أمل أن تطمئن دول الإقليم التي تنظر إليه على أنه سياسة توسعية، خاصة في ظل الوجود الدفاعي التركي في مقديشو ووضع اليد على قطاع النفط والغاز الصوماليين.

ووجد الأتراك صعوبة في تأمين نفوذهم في الصومال من دون بناء علاقات ثقة مع إثيوبيا، خاصة بعد نجاحها في الحصول على اتفاقية إستراتيجية مع إقليم أرض الصومال تتيح لها منفذا إلى البحر الأحمر وإقامة قاعدة عسكرية لتكون منافسا مباشرا للوجود التركي.

وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن وزيري الخارجية الصومالي والإثيوبي سيجتمعان في أنقرة الأسبوع المقبل لمناقشة الخلاف على الاتفاقية مع أرض الصومال.

ولا تريد أنقرة أن يثير وجودها أي توتر بينها وبين دول الإقليم، خاصة أن اتفاقيتها الدفاعية مع الصومال تحمّلها مسؤولية حمايته من أي تدخل خارجي، وهو ما دعاها إلى عرض الوساطة بين مقديشو وأديس أبابا لحل الخلاف بشأن الاتفاقية مع أرض الصومال، ولتبدو طرفا مقبولا خاصة بالنسبة إلى إثيوبيا التي تعتبر القوة الإقليمية الأهم.

الوجود التركي ينظر إليه على أنه دليل على سياسة توسعية في القرن الأفريقي منذ السعي للتمركز في جزيرة سواكن

ولم يكن الوجود التركي المباشر في المنطقة مقبولا منذ البداية، وكان ينظر إليه في الإقليم على أنه دليل على سياسة توسعية في القرن الأفريقي منذ أن سعت أنقرة للتمركز في جزيرة سواكن السودانية والبحث عن نفوذ على أكثر من جبهة بشكل وسع التوتر بين مكونات المنطقة من جهة وتركيا وأجندتها من جهة أخرى.

ووقعت أنقرة مع الخرطوم في ديسمبر 2017 “اتفاقية سواكن” في عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وآنذاك تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة بناء الجزيرة، وقيل إن هناك أهدافا عسكرية انطوى عليها التفاهم بغية تطويرها، لكن عقب سقوط نظام البشير بعد نحو عامين جرى تجميد الاتفاقية.

وبالتوازي مع ذلك أثار دخول أنقرة إلى الصومال مخاوف دول المنطقة، خاصة أن تركيا فشلت في مساعدتها على تحقيق الاستقرار، وهو ما يبدو أن أردوغان قد فهمه أخيرا وقرر تعديل الموقف التركي بشكل ناعم وعرض الوساطة بين الصومال وإثيوبيا كمدخل للقبول بالدور التركي.

وتتوسط تركيا في المحادثات بين البلدين اللذين توترت علاقاتهما في يناير الماضي عندما وافقت إثيوبيا على استئجار 20 كيلومترا من ساحل أرض الصومال مقابل الاعتراف باستقلالها.

ووصف الصومال الاتفاق بأنه غير قانوني وطرد السفير الإثيوبي وهدد بطرد الآلاف من الجنود الإثيوبيين المتمركزين في البلاد للمساعدة على قتال المتمردين الإسلاميين.

واجتمع وزيرا الخارجية الصومالي والإثيوبي في أنقرة الشهر الماضي بحضور فيدان لمناقشة الخلاف واتفقا على عقد جولة أخرى من المحادثات.

وقال فيدان خلال مؤتمر صحفي في إسطنبول إن “جولة ثانية من المحادثات بين الصومال وإثيوبيا ستعقد في أنقرة الأسبوع المقبل”. وأضاف “التوتر بين الصومال وإثيوبيا سينتهي مع وصول إثيوبيا إلى البحر عبر الصومال طالما تعترف بوحدة أراضي الصومال وسيادته السياسية”.

لكن مراقبين يتساءلون عن فرص نجاح هذه الوساطة في وقت لا تخفي فيه أنقرة انحيازها التام إلى موقف مقديشو من الاتفاق. ولا يعرف ما إذا كانت تركيا قد قدمت مبادرة واقعية لجسر الهوة بين إثيوبيا والصومال أم أن تدخلها لا يتجاوز حديثا عن ترتيب لقاءات من دون انتظار نتائج فعلية منها، خاصة في ظل تمسك الطرفين بمواقفهما.

وتتحرك أديس أبابا على أساس أن مقديشو لا شأن لها بالاتفاق وأن أرض الصومال من حقها التوصل إلى تفاهمات مع دول خارجية بحُريّة تامة لكونها إقليما قائم الذات.

وقلل مسؤولون من فرص نجاح الوساطة التركية بسبب الغموض الذي يحف بها. وقال اثنان من المسؤولين في تصريحات سابقة لرويترز إن هدف المفاوضات ليس واضحا كما أن توقعات التوصل إلى اتفاق منخفضة.

وأضاف أحدهم “رغم الشائعات التي تفيد بتخفيف الصومال حدة موقفه الرافض للانخراط في حوار حتى تسحب إثيوبيا (الاتفاق)، فإن الأمر يبدو مستبعدا”. وأردف قائلا “لا أرى مسارا إلى الأمام، ولا أتوقع أن تخرج المحادثات بنتائج”.

ويرى المراقبون أن تركيا وسيط غير محايد، ما يجعل تدخلها بين الصومال وإثيوبيا أقرب إلى التسويق السياسي. وكان الرئيس التركي قد قال خلال اتصاله بالرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إن “التوتر المثير للقلق بين الصومال وإثيوبيا ينبغي أن ينتهي على أساس وحدة أراضي الصومال”، وإن “تركيا تدعم الصومال في حربه ضد الإرهاب، وإن التعاون بين البلدين سيستمر تدريجيّا”.

وأصبحت تركيا حليفا وثيقا للحكومة الصومالية منذ زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى مقديشو لأول مرة في 2011، وتقوم بإمدادها بمساعدات تنموية وتساهم في تدريب قوات الأمن.

pp

ووقّع البلدان اتفاقية للدفاع في فبراير الماضي ستقدم أنقرة بموجبها الدعم الأمني البحري للصومال بهدف مساعدته على الدفاع عن مياهه الإقليمية.

وتقوم أنقرة ببناء مدارس ومستشفيات وتنجز مشاريع للبنية التحتية في الصومال، كما تقدم لمواطنيه منحا للدراسة في تركيا، وهو ما يضمن لها موطئ قدم في أفريقيا يطل على طريق شحن عالمي رئيسي.

وتمكنت تركيا من استغلال الوضع الصعب الذي يمر به الصومال منذ سنوات من خلال الإسراع بتقديم الدعم الأمني والعسكري والاقتصادي إلى مقديشو، ما فتح الباب أمامها لوضع اليد على نفط الصومال.

وقبل أشهر قالت وزارة الطاقة التركية إن تركيا وقّعت اتفاق تعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي مع الصومال. وأضافت الوزارة أن اتفاق الطاقة يشمل استكشاف وتقييم وتطوير وإنتاج النفط في المناطق البرية والبحرية الصومالية.

1