تركيا تعيد ترتيب أوراق تركمان العراق لمواكبة توسّع نفوذها في البلد

تغيير في قيادة الجبهة التركمانية بسبب عدم رضا أنقرة عن أدائها في كركوك.
الاثنين 2025/04/14
انتهت المهمة.. شكرا مع السلامة

الحراك السياسي لتركمان العراق لا يمكن أن يتمّ بمعزل عن أنقرة التي تعتبر نفسها وصية على هذا المكون الذي تراه أقرب إليها من العراق نفسه، وكانت قد شاركت بفاعلية في إنشاء هيكله السياسي المتمثّل في الجبهة التركمانية ولا تزال ممسكة بخيوطها وحريصة على ضبط هيكلتها وتوجيه قيادتها بما يتلاءم مع أهداف تركيا ونفوذها المتنامي في الداخل العراقي.

كركوك (العراق)- شهدت الجبهة التركمانية العراقية تغييرا مفاجئا في قيادتها باستقالة حسن توران المعروف بقربه الشديد من حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وانتخاب محمد سمعان آغا أوغلو القريب بدوره من أنقرة، خلفا له.

وقالت مصادر عراقية مطلّعة على شؤون الجبهة التركمانية إنّ هذا التغيير جاء جزءا من عملية إعادة ترتيب أوضاع الجبهة بدأت بها تركيا لملاءمة أوضاع حلفائها وأبناء قوميتها التركمان العراقيين مع التقدم الكبير في النفوذ التركي داخل العراق.

وعلى مدى السنوات الماضية حافظت تركيا على صلات قوية مع القيادة السياسية لأبناء المكوّن التركماني كما احتفظت بنفوذ قوي داخل الجبهة التي تمثّل وعاءهم السياسي، الأمر الذي مكّن أنقرة دائما من إنجاز نقلات سلسلة في قيادة الجبهة بما يتلاءم مع توجهات حكوماتها وذلك على غرار ما قامت به حكومة أردوغان عندما أقدمت في وقت سابق على استبعاد عناصر ذات ميول قومية أقرب في توجهاتها إلى حزب الشعب الجمهوري وأخرى على وفاق مع قيادات شيعية عراقية، وجاءت بقيادات ذات ميول إسلامية أقرب إلى توجّهات حزب العدالة والتنمية الحاكم.

وتسمح الذراع التركية القوية للقيادات التركمانية العراقية بهامش محدود من التنافس لكنّها تمنع نشوب خصومات كبيرة بينها على غرار ما يحدث دائما بين مختلف السياسيين العراقيين من مختلف المكوّنات، الأمر الذي يفسّر تماسك الجبهة ولحمتها.

وقالت المصادر ذاتها إنّ عدم رضا الحكومة التركية عن أداء الجبهة التركمانية في محافظة كركوك موضع التركيز التركي الكبير هو ما عجّل برحيل توران الذي تراجع في فترة قيادته للجبهة تمثيلُ التركمان في الحكومة المحلية للمحافظة التي آلت قيادتها إلى الاتّحاد الوطني الكردستاني غريم أنقرة وصديق عدوّها حزب العمّال الكردستاني، كما ضعفت مشاركتهم في الهياكل الإدارية للمحافظة وخصوصا في أجهزتها الأمنية.

وأكّدت أن استقالة توران وتعيين أوغلو جاءا بتنسيق مباشر مع أنقرة وإثر مشاورات واتصالات مكثّفة جرت على مدى أكثر من أسبوعين بين قيادة الجبهة التركمانية والمخابرات التركية.

وانتخب الرئيس الجديد للجبهة من قبل مكتبها السياسي خلال اجتماعه الخامس والعشرين الذي أقر قبول استقالة توران وإقرار أوغلو في منصب الرئيس.

وقال المكتب في بيان له إنّ هذه الخطوة “تمثل انطلاقة جديدة نحو تعزيز وحدة الصف التركماني وتجديد العهد بالدفاع عن القضايا الإستراتيجية لشعبنا.”

وتضمّن البيان “رسالة دعم وتضامن مع أبناء الشعب التركماني في عموم المناطق،” وتجديد “الالتزام بمسؤولية الجبهة التاريخية في تمثيل الصوت التركماني والدفاع عنه بكل الوسائل السياسية والدستورية المشروعة.”

ومن جهته هنأ توران في بيان أوغلو بتسلمه منصب رئيس الجبهة التركمانية العراقية، معربا عن أمله في “أن يشهد العمل السياسي التركماني في المرحلة المقبلة مزيدا من التقدم بما يعزز من مكانة التركمان في المشهد الوطني العراقي.”

ولم يكشف توران عن الأسباب الحقيقية لاستقالته واكتفى بالقول في بيان بشأنها “قدمت اليوم الأحد استقالتي من رئاسة الجبهة التركمانية العراقية متمنيا لمن يتسلم هذه المهمة من بعدي الموفقية والنجاح. وسأكون داعما له وسندا وظهيرا.”

واقتضت الترتيبات الجديدة للأوضاع السياسية لتركمان العراق أيضا أن يتولّى القيادي في الجبهة التركمانية وممثلها في البرلمان العراقي أرشد الصالحي رئاسة قائمة الجبهة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

وكان الصالحي قد قاد الجبهة على مدى أحد عشر عاما انتهت سنة 2021 عندما دفعته الحكومة التركية إلى الاستقالة بسبب ما قيل آنذاك بشأن قربه وصداقته لزعماء فصائل شيعية عراقية، أبرزهم هادي العامري زعيم ميليشيا بدر والقيادي في الإطار التنسيقي المشكّل للحكومة العراقية الحالية.

وتحدّد بعض التقديرات عدد تركمان العراق بحوالي ثلاثة ملايين نسمة ما يجعلهم ثالث مكون قومي في البلاد بعد العرب والأكراد، أما طائفيا فهم منقسمون بالتساوي تقريبا بين شيعة وسنّة.

واحتفظت تركيا، التي شاركت بشكل مباشر في تأسيس الجبهة التركمانية منتصف تسعينات القرن الماضي، دائما بنظرة إلى تركمان العراق على اعتبارهم أقرب إليها من وطنهم الأمّ وممثلين لها في البلد ومعينين لها على حفظ مصالحها ومدّ نفوذها داخله، وتعدّت تلك النظرة أحيانا إلى ممارسة نوع من الوصاية عليهم وذلك عندما هدّد بعض كبار مسؤوليها بالتدخّل لحمايتهم والحفاظ على حقوقهم.

◄ تماسك الجبهة التركمانية وسلاسة التغيير في قيادتها يرجعان إلى الذراع التركية التي تمنع اختصام تلك القيادات علنا

وبدأت خارطة النفوذ الإقليمي في العراق تشهد تغييرات ملحوظة في ظل ظهور بوادر انكماش وضمور للنفوذ الإيراني ودخول تركيا كمنافس جدّي على النفوذ في البلد حيث تمكّنت حكومة أردوغان من تطوير علاقات تعاون اقتصادي وتنموي أوسع نطاقا مع الحكومة العراقية، فضلا عن تمكنها من إقناع بغداد بمساعدتها والتنسيق معها في حربها ضدّ عناصر حزب العمال الكردستاني المنتشرين في مناطق الشمال العراقي.

لكن أنقرة لا تبدو راضية عن مستوى مواكبة الجبهة التركمانية لتلك المستجدّات، وخصوصا في محافظة كركوك الإستراتيجية والغنية بمخزونات النفط والتي لا ترغب أنقرة في رؤيتها تقع تحت سيطرة الأكراد على وجه العموم وخصوصا الشق المعادي لها ممثّلا في الاتحاد الوطني الكردستاني الصديق لحلفاء إيران المحليين الحاكمين في العراق.

وتمكّن الاتّحاد، إثر الانتخابات المحلية التي أجريت في أواخر سنة 2023، من الفوز بمنصب محافظ كركوك على الرغم من الحملة الكبيرة التي شنّها التركمان للدفع بمقترح كان قد صدر أول مرّة عن مسؤولين أتراك كبار تمثّل في عدم الاحتكام لنتائج الانتخابات وإسناد المنصب بشكل آلي للمكون التركماني على اعتبار أن المكونين الكردي والعربي سبقا لهما أن تولياه من قبل ولفترات طويلة.

ويرفض أبرز ممثلي المكون التركماني في الوقت الحالي شغل مناصب إدارية يرونها ثانوية في حكومة كركوك المحلية، ويعتبرون تلك الحكومة غير شرعية بينما يطالبون السلطات الاتّحادية العراقية بالتدخل لإنصافهم في عملية توزيع المناصب الأمنية في المحافظة التي يقولون إنّهم قد أقصوا منها بشكل ممنهج.

3