تركيا تعوّل على الاستثمارات الأجنبية لترميم الاقتصاد

الاستقرار والشفافية اللازمة لطمأنة المستثمرين لن يتحققا إلا بتعديلات جوهرية في التشريعات.
الخميس 2023/10/26
ترقب الأموال على أحر من الجمر!

تعوّل تركيا من خلال الإصلاحات التي تنفذها الحكومة على تحفيز المستثمرين الأجانب، بمن فيهم الخليجيون، على ضخ رؤوس أموال في السوق المحلية، لترميم اقتصاد يعاني من تشوهات، رغم أن الكثيرين يرون أن التسهيلات والحوافز ليست كافية.

أنقرة - اعتبر خبراء أن سعي المسؤولين الأتراك إلى التركيز على جذب الاستثمارات الخارجية، من خلال حملات الترويج لمناخ الأعمال بهدف تحفيز الاقتصاد، لن يأتي بالكثير من النتائج ما لم تقم الحكومة بإصلاحات حقيقية.

وتشكل محاولات رئيس مكتب الاستثمار في الرئاسة التركية براق داغلي أوغلو، المتعلقة باهتمام المستثمرين بإصلاحات هياكل اقتصاد بلاده، أحد الأدلة على ذلك، خاصة مع تأكيده أن الاهتمام سيتحول في الفترة المقبلة إلى استثمارات مباشرة.

وقال داغلي أوغلو في مقابلة مع وكالة الأناضول، على هامش حفل نظم في العاصمة القطرية الدوحة مؤخرا بعنوان “الاستثمارات في قرن تركيا”، إن “لدى المستثمرين انطباعا إيجابيا عن برنامج الحكومة الاقتصادي على المدى المتوسط”.

وأضاف “نرى أيضا أن هذا قد تحول إلى أرقام، وخصوصا المستثمرين بشكل مباشر الذين نتعامل معهم” من أجل “دخول تركيا بين أول 10 اقتصادات في العالم”.

براق داغلي أوغلو: الاهتمام سيتحول الفترة المقبلة إلى استثمارات مباشرة
براق داغلي أوغلو: الاهتمام سيتحول الفترة المقبلة إلى استثمارات مباشرة

وتابع “يعلق المستثمرون أهمية كبيرة على أجندة الإصلاحات الهيكلية في تركيا، إنهم يهدفون إلى الحصول على حصة أكبر في مجالي سلاسل التوريد والرقمنة والاستدامة”.

وأكد أنهم يتابعون إجراءات برامج الإصلاح عن كثب، “وسنرى هذا الاهتمام الوثيق يتحول إلى استثمارات مباشرة في الفترة المقبلة”.

ويعتقد محللون أن عودة تركيا إلى السياسات الاقتصادية التقليدية قد لا تكون كافية للحصول على استثمارات دولية أطول أمدا، إذ لا يزال من الضروري استعادة القدرة على التنبؤ وتعزيز سيادة القانون لبناء الثقة مع الشركات والأسواق.

وتؤكد الحقائق أن البلاد لا تملك هامشا كبيرا لتعزيز النمو إلا بالنجاح في تحسين مناخ الأعمال، لزيادة جذب الاستثمار الذي تراجع بسبب سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان.

وفي حين أن ارتفاع الفائدة من شأنه أن يجذب بعض المستثمرين إلى الأصول التركية، يقول محللون إن الاستقرار والشفافية اللازمة لطمأنة المستثمرين لن يتحققا إلا بتعديلات جوهرية في التشريعات.

وعادة ما يأخذ المستثمرون الذين لا يحبذون التقلبات علما بخطط أردوغان، ولذلك يلاحظ سحب أموالهم من السوق بين الفينة والأخرى بسبب الضبابية خوفا من تكبد خسائر هم في غنى عنها.

وعلى مدى العقد الماضي انخفض حجم التدفقات الأجنبية في سوق الأسهم والسندات التركية بواقع 85 في المئة، من أكثر من 150 مليار دولار في 2013 إلى أكثر بقليل من 20 مليار دولار حاليا.

كما انخفضت رؤوس الأموال المباشرة، إذ يملك المستثمرون الأجانب الآن نحو 30 في المئة فقط من الأصول التركية مقارنة بمتوسط بلغ 60 في المئة على مدار العقدين الماضيين.

عودة تركيا إلى السياسات الاقتصادية التقليدية قد لا تكون كافية للحصول على استثمارات دولية أطول أمدا

ووفقا لبيانات من تاكاسبانك، التي تتولى أعمال المقاصة، فإن الملكية الأجنبية في سوق السندات التركية تقترب من واحد في المئة بانخفاض من 28 في المئة قبل عشر سنوات.

ومنذ 2003 جذبت تركيا استثمارات بقيمة 250 مليار دولار، 68 في المئة منها من أوروبا و8 في المئة من الولايات المتحدة و7 في المئة من دول الخليج و14 في المئة من آسيا.

وبينما تكاد تكون الليرة غير قابلة للتداول خارج البلاد باتت تركيا، العضو بمجموعة العشرين وأكبر اقتصاد ناشئ في العالم، سوقا يهيمن عليها لاعبون محليون.

وتتطلع أنقرة إلى أن تقوم دول الخليج باستثمارات مباشرة بنحو 10 مليارات دولار مبدئيا في أصول محلية كجزء من محاولاتها لترميم علاقاتها مع المنطقة وفي الوقت ذاته حصول اقتصادها على جرعة أوكسيجين.

وفي يوليو الماضي زار أردوغان السعودية والإمارات وقطر لحشد التمويل الأجنبي الذي سيعزز اقتصاد بلاده أملا في إعادة ضبط المؤشرات بعد إعادة انتخابه في مايو الماضي.

وتفاوضت تركيا مع دول الخليج لبيع حقوق تشغيل ميناء السنجاك الواقع بمدينة إزمير المطلة على بحر إيجة في ما قد يكون أول صفقة كبرى في مساعي تركيا لجذب الاستثمار الأجنبي بقيادة فريقها الاقتصادي الجديد.

مؤشرات على تدفق رؤوس الأموال الخارجية

  • 1 في المئة نسبة امتلاك الأجانب في سوق السندات نزولا من 28 في المئة
  • 30 في المئة نسبة الأصول المملوكة للأجانب نزولا من 60 في المئة قبل عقدين
  • 85 في المئة تراجع الاستثمار في سوق الأسهم والسندات منذ 2013
  • 250 مليار دولار حجم الاستثمارات الأجنبية منذ عام 2003

وكان وزير النقل والبنية التحتية عبدالقادر أورال أوغلو قد قال لوكالة بلومبرغ في وقت سابق هذا العام إن “هناك محادثات استثمارية مع دول بمنطقة الخليج، وإن ميناء السنجاك يقع ضمن نطاق هذه الاستثمارات”.

ومنذ عام 2021، عندما بذلت أنقرة جهدا دبلوماسيا لإصلاح العلاقات مع السعودية والإمارات، ساعدت الاستثمارات والتمويل من الخليج في تخفيف الضغط عن الاقتصاد التركي ودعم مخزون العملة الصعبة لدى المركزي التركي.

وتصنف دول الخليج على أنها ثالث أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية في السوق التركية بعد بريطانيا وهولندا، فيما تكشف أرقام وزارة الاقتصاد عن وجود 1973 شركة خليجية تعمل في البلاد.

وفيما يخص الاستثمارات البارزة من قطر في تركيا، قال داغلي أوغلو إن “هناك استثمارات مهمة في قطاعات التمويل والبنية التحتية والتكنولوجيا والسياحة والصناعة التحويلية”.

وذكر أن أكثر من 200 شركة برأسمال قطري تعمل في تركيا يبلغ إجمالي استثماراتها أكثر من 3 مليارات دولار.

وقال “نرى أن الاهتمام الاستثماري مستمر في قطاعات مماثلة ويمكننا القول إن المشاريع ستتركز في هذه القطاعات في المستقبل”.

وتحقق الجهود المبذولة لجذب المستثمرين المحبطين إلى السوق التركية تقدما بطيئا، وفقا لوثيقة من بنك أوف أميركا تكشف ردود أفعال أصحاب الأعمال عقب اجتماعات خاصة عُقدت مع وزير المالية محمد شيمشك بلندن في وقت سابق هذا الشهر.

وتوجز الوثيقة انطباعات 23 مؤسسة استثمارية، بما في ذلك شركة عالمية تدير أصولا بقيمة 4 تريليونات دولار وصناديق تحوط أميركية وبريطانية، فضلا عن صندوق ثروة سيادي آسيوي يبلغ حجمه 700 مليار دولار.

وأشار المستثمرون إلى حجم التحديات التي تواجه الاقتصاد التركي، ومخاوف مستمرة بشأن التحولات السياسية، فضلا عن الشكوك حول كفاية الصلاحيات لدى الحكومة للقيام بهذه المهمة الشاقة.

10