تركيا تعول على زيادة الأجور مجددا لمعالجة التضخم المزمن

يراقب المحللون الخطوة التالية من عملية تعديل بوصلة الاقتصاد في تركيا، حيث من المقرر أن يبدأ المسؤولون الفترة المقبلة في مناقشات لاتخاذ قرار زيادة الأجور مرة أخرى لإظهار ما إذا كانت سياسة مكافحة التضخم التي يقودها البنك المركزي واقعية.
أنقرة - تختبر تركيا توقعات الحد الأدنى للأجور بحثا عن أدلة على أن الرئيس رجب طيب أردوغان سيقلل من السياسات الاقتصادية الشعبوية، ويفي بالتزامه بكبح أحد أعلى معدلات التضخم في العالم.
ومن المقرر أن يبدأ صناع القرار الاقتصادي محادثات جديدة في ديسمبر المقبل بشأن هذا القرار المشحون سياسيا من أجل تحقيق الأهداف التي تطاردها الحكومة منذ مايو 2023.
وتأتي هذه الأنباء مع تواصل انحدار قيمة العملة التركية أمام نظيرتها الأميركية، حيث تراجعت إلى مستوى تاريخي جديد الجمعة، وجرى تداول الدولار فوق مستوى 34 ليرة.
وقام أردوغان، الذي له الكلمة الأخيرة، بزيادة الحد الأدنى للأجور بشكل كبير في الماضي لكسب تأييد الناخبين الذين يكافحون أزمة تكلفة المعيشة، حيث رفعه بنسبة 49 في المئة لهذا العام.
وأدى ذلك إلى زيادة الطلب المحلي، مما يجعل من الصعب السيطرة على التضخم، وتعقيد هدف البنك المركزي بخفضه إلى 38 في المئة هذا العام و14 في المئة بحلول نهاية عام 2025.
وانخفض مؤشر أسعار الاستهلاك بأكبر وتيرة منذ نحو عامين خلال يوليو الماضي، حيث تراجع إلى 61.8 في المئة مقارنة مع 71.6 في المئة في الشهر السابق، بحسب البيانات الرسمية التي صدرت مطلع أغسطس الجاري.
ويعود هذا الانخفاض بشكل كبير إلى تأثير قاعدة المقارنة، ولكن المسؤولين قد يتجاهلون ذلك للتركيز على المخاطر الأكثر إلحاحا التي قد تؤجج زيادات أسعار المستهلكين.
أما معدل نمو الأسعار الشهري، وهو المقياس المفضل للمركزي، فقد بلغ نحو 3.23 في المئة بعد ارتفاع بنسبة 1.6 في المئة في شهر يونيو، متجاوزاً تقديرات المحللين. وكان هذا الارتفاع مدفوعا بزيادة في تكاليف بنود، مثل المياه والكهرباء، والتي يتوقع المركزي أن تدعم ضغوط الأسعار بشكل مؤقت.
وفي مقابلة مع وكالة بلومبيرغ خلال يوليو الماضي، أوضح محافظ المركزي، فاتح كاراهان، أنه رغم أن التكاليف المرتفعة قد تضيف 1.5 نقطة مئوية إلى التضخم الشهري، إلا أنها لن تؤثر غالبا على التوقعات العامة لمؤشر الأسعار.
وقد رفع كاراهان، الذي تولى المنصب الأعلى في المركزي خلال فبراير الماضي، خلفا لحفيظة أركان أسعار الفائدة إلى 50 في المئة.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن أكثر من ثلث القوة العاملة في البلاد تكسب الحد الأدنى للأجور، والتي تبلغ 11.4 ألف ليرة (483 دولارا) بعد آخر زيادة في يونيو العام الماضي، بمقدار 34 في المئة.
وبلغ معدل الحد الأدنى للأجور في الزيادة التي فرضتها الحكومة مطلع عام 2023 حوالي 8506 ليرة (399.2 دولار).
ومقارنة بالعام 2021، فقد ارتفع الحد الأدنى للأجور في 2022 بمقدار 1426.5 ليرة (نحو 67 دولارا) إلى 3577.5 ليرة (167.9 دولار).
وعلى مدى السنوات بين 2018 و2022، كان العمال الأتراك يكسبون نحو 3226.5 ليرة أخرى (151.4 دولار)، أي أن معدل الحد الأدنى للأجور قد تضاعف.
وتشير الأرقام الرسمية لمعهد الإحصاء أن القوى العاملة في القطاع العام تتجاوز أكثر من 1.23 مليون موظف من تعداد السكان البالغ أكثر من 80 مليون نسمة.
وتعاني الأسر من أعلى معدل تضخم منذ أكثر من عقدين حتى مع تقلصه في بعض الفترات العام الماضي، بعد أن كان عند أكثر من 85 في المئة، ويظهر ذلك في انخفاض القوة الشرائية وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والأجور، وغيرها من التكاليف.
ولكن منذ إعادة انتخابه في عام 2023، قام أردوغان بتعيين فريق اقتصادي بقيادة وزير المالية محمد شيمشك يركز على سياسات أكثر ملاءمة للسوق.
ويأمل المستثمرون في زيادة أقل للأجور في عام 2025، وهو ما يقترب من هدف التضخم المتوقع للبنك المركزي.
ويتوقع محللا دويتشه بنك، كريستيان فيتوسكا ويجيت أوناي أن يبلغ التضخم في نهاية العام الحالي 42 في المئة، و23 في المئة خلال عام 2025، مع وجود مجال لتخفيف ضغوط الأسعار بنسبة أكبر في العام المقبل.
◙ 483 دولارا الحد الأدنى الجديد للأجور حاليا بزيادة قدرها 35 في المئة عن المستوى السابق
وقالا “هذا يعني زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة تتراوح بين 25 و30 في المئة على افتراض زيادة واحدة لعام 2025، كما كان الحال في عام 2024”.
وقد نقل قطاع الأعمال رسالة مماثلة بشكل خاص إلى الحكومة، وفقا لما ذكرته مصادر مطلعة على المناقشات لبلومبيرغ.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هوياتها لأن المحادثات كانت سرية، إن “المسؤولين يفهمون المخاوف بشأن زيادة حادة لكنهم لم يقدموا أيّ وعود”.
ومن شأن إبقاء زيادة الحد الأدنى للأجور متماشية مع توقعات التضخم للبنك المركزي أن يشير للمستثمرين إلى أن البلاد جادة في السيطرة عليها. وعمل أردوغان في السابق على تفاقم ضغوط الأسعار من خلال الدفع نحو الائتمان الرخيص لتغذية النمو.
وقال ويتوسكا وأوناي إن “أي زيادة تزيد عن 30 في المئة من شأنها أن تجعل من الصعب تحقيق توقعات التضخم في نهاية العام ضمن مسار التضخم للبنك المركزي بحلول نهاية عام 2025”.
ورجّحا أن تكون الزيادة، التي تقترب من 25 في المئة مثالية لدعم القدرة الشرائية للمستهلكين وفي الوقت ذاته ستساعد على الحد من الضغوط الصعودية على التضخم.
وبناء على البرنامج الاقتصادي الجديد، من المتوقع أن تحقق البلاد نموا في ناتجها الإجمالي بمقدار 4 في المئة هذا العام نزولا من 4.5 في المئة خلال 2023.
وتتوقع أنقرة أن يرتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد إلى ما بين 12 و14 مليار دولار هذا العام من حوالي 10 مليارات دولار في عام 2023، مع وجود استثمارات السيارات ومراكز البيانات على جدول الأعمال.