تركيا تعزز وجودها العسكري في شمال قبرص ردا على واشنطن

إسطنبول – تعهدت تركيا بتعزيز وجودها العسكري في شمال قبرص الذي تسيطر عليه، بعد أن رفعت الولايات المتحدة حظر الأسلحة المفروض على الجنوب اليوناني، في خطوة من شأنها أن تؤجج الصراع في الجزيرة المنقسمة في ظل التنافس التركي - اليوناني على استكشافات الغاز.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في اجتماع في إقليم دنيزلي في بحر إيجة، الخميس "سنرسل المزيد من القوات إلى هناك وسنقدم الأسلحة التي يحتاجونها لحماية القبارصة الأتراك".
وأوضح أنّ تركيا ستواصل الدفاع عن حقوقها في الجزيرة وبحري إيجة والمتوسط، وإن وقف العالم بأسره ضدها".
وجاءت تصريحات جاويش أوغلو للتأكيد على ما أشار إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة تلفزيونية مساء الأربعاء بأن أنقرة ستعزز وجودها العسكري في الجزيرة.
وقبرص مقسمة منذ انقلاب يوناني تلاه غزو عسكري تركي في عام 1974. والجانب الشمالي لا تعترف به سوى تركيا فقط، في حين أن الجنوب دولة عضو معترف بها دوليا في الاتحاد الأوروبي، لكن محاولات متعددة فشلت في إعادة توحيد الجزيرة.
وتأتي التصريحات التركية بعد أن أعلنت واشنطن في منتصف سبتمبر أن قبرص ستكون قادرة على الحصول على أسلحة أميركية غير محدودة، لأول مرة منذ عام 1987.
وتم فرض الحظر الأميركي لإقناع القوى الضامنة، وهما اليونان وتركيا، بإيجاد حل دبلوماسي.
ويكافئ القرار الذي يسري اعتبارا من الأول من أكتوبر، الدولة الجزيرة الصغيرة لتعاونها مع الولايات المتحدة ضد غسيل الأموال ومنع السفن العسكرية الروسية من الوصول إلى الموانئ للتزود بالوقود والخدمة.
وكلا النقطتين حاسمتان بالنسبة للحظر الدولي المفروض على روسيا، لكن في أنقرة، أدى ذلك إلى زيادة القلق التركي من أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تنفصل عن سياستها القائمة على التوازن بين حليفيها في الناتو لصالح اليونان وقبرص.
ورحّب الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس بالقرار ووصفه بأنه "علامة فارقة"، في حين حذرت أنقرة من أنه قد يؤدي إلى سباق تسلح في الجزيرة.
وقال جاويش أوغلو إنه سأل نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في أحد لقاءاتهما عن سبب هذه الخطوة، وقال له "لماذا تعطون هذه الأسلحة؟"، ورد عليه الوزير الأميركي بأنها "مكافأة لدور قبرص في التعاون مع أميركا بمسألة مكافحة تبييض الأموال".
وتساءل "ألم تكن لدى أميركا مكافأة أخرى غير السلاح؟ أعطوهم الأموال، أليسوا بحاجة إلى الأموال؟ هذه الأسلحة التي تعطونها لهم ضد من؟".
ودعا أردوغان ومجلس الأمن القومي، الذي اجتمع برئاسته في الثامن والعشرين من سبتمبر، واشنطن إلى "التراجع" عن القرار، بدعوى أنه يخل بالتوازنات العسكرية في شرق البحر المتوسط.
وقال أردوغان في مقابلة تلفزيونية على قناة "سي.أن.أن ترك" إن "تركيا لديها بالفعل حوالي 40 ألف جندي في الجزيرة وستعززهم بالأسلحة البرية والبحرية والجوية والذخيرة والمركبات... يجب أن يعلم الجميع أن هذه الخطوة الأخيرة لن تمر دون إجابة، وأنه سيتم اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لأمن القبارصة الأتراك".
وتضم القوات التركية الموجودة في الجزيرة، منذ التدخل التركي عام 1974 في أعقاب انقلاب نفذه قوميون قبارصة يونانيون أرادوا إلحاق الجزيرة باليونان، فرق مشاة ميكانيكية ووحدات كوماندوز وكتيبة بحرية.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قال يوانيس كاسوليدس، وزير خارجية القبارصة اليونانيين والسياسي المخضرم، إنه يخشى أن يتم جرّ قبرص إلى الصراع التركي - اليوناني.
وقال كاسوليدس في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ في الحادي عشر من سبتمبر الحالي "يتمركز الجيش التركي في جزيرتنا، ونخشى أن يؤثر أي صراع في بحر إيجة علينا بشكل مباشر، لأننا سنستخدم الحلقة الأضعف في القصة بأكملها".
في المقابل، أكد أردوغان أنه سيقرن جهود بلاده لحماية القبارصة الأتراك بالمساعي الدبلوماسية، للحصول على اعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية.
وقال أردوغان لشبكة سي.أن.أن ترك "أعتقد أن جهودنا للاعتراف بقبرص ستؤتي ثمارها".
وحث الرئيس التركي، في خطابه أمام المجلس العام للأمم المتحدة، المجتمع الدولي على منح الاعتراف الدبلوماسي لجمهورية شمال قبرص التركية، التي لا تعترف بها سوى تركيا، ويبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة.
وفي عام 2020، أشارت مصادر دبلوماسية إلى أن العديد من الدول، بما في ذلك باكستان وأذربيجان، التي استعادت الأراضي المفقودة من أرمينيا بمساعدة عسكرية من تركيا، ستعترف بالدولة الصغيرة، لكن لم يتحقق شيء حتى الآن.
يأتي التصعيد بشأن قبرص وسط توترات متصاعدة على بحر إيجة بين تركيا واليونان، على خلفية استكشافات الغاز في المتوسط.
واستدعت أنقرة السفيرين اليوناني والأميركي لدى وزارة الخارجية الاثنين، للاحتجاج على نشر مدرعات عسكرية أميركية الصنع في الجزيرة المنقسمة في بحر إيجة.
ونشرت مصادر أمنية تركية صورا جوية خلال عطلة نهاية الأسبوع، يُزعم أنها تظهر سفنا محملة بمركبات مدرعة أميركية ترسو في ليسبوس وساموس.
وردا على سؤاله حول احتجاج أنقرة الدبلوماسي على إرسال مركبات مدرعة إلى الجزر غير العسكرية، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس إن "الأمر متروك لحكومات معينة للرد على الطريقة التي نشروا بها معداتهم الدفاعية".
وأضاف "نواصل تشجيع حلفائنا في الناتو - تركيا واليونان في هذه الحالة - على العمل معا للحفاظ على السلام والأمن في المنطقة وحل خلافاتهم دبلوماسيا.
وتابع "نحث جميع الأطراف على تجنب التصريحات وتجنب اتخاذ إجراءات من شأنها أن تزيد من حدة التوترات"، مشيرا إلى أن "سيادة اليونان على هذه الجزر ليست محل شك، لكننا ندعو جميع الدول، بما في ذلك حلفاؤنا، إلى احترام سلامة الأراضي والسيادة وتجنب الأعمال التي قد تؤدي إلى تأجيج التوترات".