تركيا تسرع تحركها صوب العراق في ظل تراجع مكانة إيران في المنطقة

بغداد - جاءت زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأحد، إلى العراق امتدادا للحراك التركي المتسارع صوب البلد في محاولة للاستثمار في ضعف موقف إيران الذي يتوقّع أن يكون له أثر على نفوذها في المنطقة بما في ذلك داخل الساحة العراقية، حيث لن يكون حلفاؤها المحليون من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة قادرين على حراسته بنفس المستوى الذي كانوا عليه في السابق بسبب الصعوبات التي يواجهونها والضغوط المسلطة عليهم بفعل سلسلة الهزائم التي تلقاها محورهم في لبنان وسوريا، وتسليط الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة دونالد ترامب الضوء عليهم أكثر من ذي قبل.
وفي مظهر على أهمية الزيارة التقى فيدان في بغداد برؤساء السلطات العراقية الثلاث، عبداللطيف رشيد رئيس الجمهورية ومحمد شياع السوداني رئيس الحكومة، ومحمود المشهداني رئيس مجلس النواب، بالإضافة إلى لقائه مع نظيره وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين.
وتريد تركيا ترسيخ قدمها في العراق كمنافس رئيسي على النفوذ في ساحته وترغب في إقامة علاقات اقتصادية وثيقة معه، لكنّها ترغب أيضا من خلال العلاقة الجديدة مع سلطاته في حسم ملفات وقضايا مزمنة في مقدّمتها حربها المتواصلة منذ أربعة عقود ضد حزب العمّال الكردستاني والتي تدور أهم فصولها على أجزاء من التراب العراقي، إضافة إلى صراعها ضد فصائل كردية في سوريا تعتبرها امتدادا للحزب نفسه.
وتبدو الفرصة مواتية لذلك في الوقت الحالي في ظل استجابة الجانب العراقي للطلبات التركية واستعداداته لملاءمة مواقفه مع رغباتها. وأكّد الوزير خلال الزيارة على ضرورة توحيد تركيا والعراق وسوريا لقدراتها للقضاء على تنظيم داعش وحزب العمال اللذين وصفهما بالإرهابيين. وقال في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره العراقي “ما نتطلع إليه بشكل نهائي من العراق إعلانه حزب العمال تنظيما إرهابيا بعدما صنفه منظمة محظورة.”
◙ هاكان فيدان يؤكد على ضرورة توحيد تركيا والعراق وسوريا لقدراتها للقضاء على داعش وحزب العمال اللذين وصفهما بالإرهابيين
وأشاد فيدان بالتفاهم الذي توصلت إليه تركيا والعراق في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب ولاسيما التعاون في محاربة داعش والحزب المذكور. وقال إنّ حزب العمال “ينتهك سيادة العراق ويشكل تهديدا حقيقيا لأمنه القومي”، مضيفا “استشهد جنديان عراقيان بسبب هجوم بي.كي.كي وأسأل الله الرحمة لهما.”
وتابع فيدان “أود التأكيد على هذه الحقيقة بأقوى شكل، يستهدف بي.كي.كي تركيا والعراق وسوريا. وعلينا أن نخوض معركة مشتركة ضد الإرهاب من أجل مستقبل منطقتنا وازدهارها واستقرارها.” ومضى قائلا “علينا أن نوحد قدراتنا ونقضي على التنظيمين”، مشيرا إلى أنّ تصنيف حزب العمال “تنظيما إرهابيا كان محل بحث مع الوزير فؤاد حسين إلى جانب ملف محاربة داعش.”
ومن القضايا التي بحثها الجانبان، بحسب وزير الخارجية التركي، التطورات في المنطقة وفي مقدمتها سوريا. وأوضح الوزير فيدان أن بناء علاقات قوية بين العراق وسوريا من شأنه أن يعود بالنفع الكبير على البلدين والمنطقة. وأشار أيضا إلى أنه بحث بالتفصيل مع نظيره العراقي القضايا المهمة لدى البلدين والمنطقة، وأكد أن تركيا تنظر إلى علاقاتها مع العراق من منظور إستراتيجي.
وذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قام بزيارة تاريخية إلى العراق في عام 2024 تم خلالها توقيع 27 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز العلاقات الثنائية في إطار مؤسسي ومستدام. وقال “أسسنا مجموعة تخطيط ولجان دائمة مشتركة بموجب اتفاقية الإطار الإستراتيجي للتعاون المشترك”، معتبرا أنه بفضل هذه الآليات تكثف التنسيق والتعاون بين البلدين على المستويين السياسي والفني.
ولفت فيدان إلى أنه كلما ازدادت قوة وثراء العراق انعكس ذلك على رفاه تركيا، كما أشار إلى أن تعزيز الاستقرار في العراق ينعكس إيجابا على الاستقرار في المنطقة. وشدّد على أهمية مشروع طريق التنمية مذكرا بأن الرئيس أردوغان وقّع مع العراق في وقت سابق مذكرتي تفاهم منفصلتين بشأن هذا المشروع.
وتحوّل المشروع المذكور والمتمثّل في طريق بري وسكة حديدية تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها يبلغ طوله 1200 كيلومتر داخل العراق، إلى عنوان بارز على التقدم الحاصل في توثيق العلاقات التركية – العراقية على أساس اقتصادي ومصلحي. وأوضح وزير الخارجية التركي أن المشروع يوفر فرصة تعاون كبيرة للمنطقة على أساس الربح المتبادل. وبين أنه بحث مع الجانب العراقي الخطوات التي يتعين اتخاذها لتنفيذ المشروع بسرعة، معربا عن أمله في رؤية نتائج ملموسة بأقرب وقت. كما ذكّر الوزير التركي بأن حجم التبادل التجاري بين تركيا والعراق يقترب من 20 مليار دولار، مؤكّدا أن الرقم قابل للزيادة في حال إزالة العوائق.