تركيا تستعجل عملية عسكرية ضد أكراد سوريا

ترى تركيا أنها أمام فرصة نادرة للقضاء على ما تعتبره تهديدا كرديا على حدودها مع سوريا، بعد أن نجحت في إيصال وكلائها إلى السلطة في دمشق، وتبدي استعجالا في حسم هذا الملف خشية متغيرات قد تأتي بها إدارة دونالد ترامب.
دمشق – تستعجل تركيا شن عملية عسكرية ضد الأكراد في شمال شرق سوريا، حتى قبل أن تتمكن القيادة الجديدة للبلد الجار من إعادة ترتيب البيت الداخلي، في موقف ربطه محللون بالخشية من موقف الإدارة الأميركية المقبلة لاسيما بعد تصريحات الرئيس دونالد ترامب التي اتهم فيها أنقرة بالاستيلاء على سوريا.
ويقول المحللون إن تركيا تحاول استباق أي ضغوط من إدارة ترامب التي ستتسلم مهامها في العشرين من يناير المقبل، كأن تضغط الأخيرة على أنقرة من أجل إجراء مفاوضات مع الأكراد وإشراكهم في صياغة المستقبل السياسي لسوريا، وهو ما لا تريده أنقرة التي تعتبر أنها أمام فرصة نادرة للتخلص من الصداع الكردي في البلد الجار.
وزار وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الأحد دمشق حيث اجتمع بقائد الإدارة الجديدة في سوريا زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع المعروف بأبومحمد الجولاني.
وأظهر مقطع فيديو بثته وكالة الأناضول الرسمية، فيدان والجولاني وهما يتصافحان ويتعانقان وتعلو الابتسامة وجهيهما، من دون أن تحدد مكان اللقاء الذي جرى في العاصمة السورية.
وهذه ثاني زيارة لمسؤول تركي إلى دمشق منذ نجاح هيئة تحرير الشام وحلفائها المدعومين من أنقرة في الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، حيث زار رئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم كالين العاصمة السورية في 12 ديسمبر الجاري.
وقال فيدان عقب اللقاء، إنه بحث مع الجولاني قضية وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني، لافتا إلى أنه لا مكان لمسلحي التنظيمين في مستقبل سوريا.
وأضاف الوزير التركي أن المقاتلين الأكراد يحتلون أراضي سورية على نحو غير مشروع. وأعرب عن اعتقاده أن ترامب سيتخذ نهجا مختلفا بشأن الوجود الأميركي في سوريا والشراكة مع الأكراد.
ويرى المراقبون أن الزيارة هدفها إيصال رسائل مباشرة للقيادة الجديدة بأنه حان الوقت لتسديد بعض فواتير الدعم التركي وأولها إنهاء الوجود المسلح الكردي.
وسبقت زيارة وزير الخارجية التركي تصريحات له ولوزير الدفاع يشار غولر، حثوا فيها القيادة السورية الجديدة على التحرك عسكريا ضد ما أسموهم بـ”التنظيمات الإرهابية”، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردي.
وقال وزير الدفاع التركي يشار غولر الأحد إن تركيا تعتقد أن حكام سوريا الجدد، بما في ذلك فصيل الجيش الوطني السوري الذي تدعمه أنقرة، سيطردون مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية من جميع الأراضي التي يحتلونها في شمال شرق سوريا.
وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب السورية امتدادا لمسلحي حزب العمال الكردستاني الذين يخوضون تمردا ضد الدولة التركية منذ 40 عاما وتعتبرهم أنقرة وواشنطن والاتحاد الأوروبي جماعة إرهابية.
وتقود وحدات حماية الشعب تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تدعمه الولايات المتحدة ويسيطر على مناطق في شمال شرق سوريا. ومنذ سقوط نظام الأسد قبل أسبوعين، تخوض تركيا والفصائل السورية التي تدعمها قتالا ضد قوات سوريا الديمقراطية، وسيطرت على مدينة منبج.
وقال غولر خلال زيارة للقوات التركية على الحدود السورية بصحبة قادة عسكريين “نعتقد أن القيادة الجديدة في سوريا والجيش الوطني السوري، الذي يشكل جزءا مهما من جيشها، إلى جانب الشعب السوري، سيحررون جميع الأراضي التي احتلتها المنظمات الإرهابية.” وأضاف في مقطع مصور نشرته وزارة الدفاع “سنتخذ أيضا كل الإجراءات اللازمة بنفس العزم حتى يتم القضاء على جميع العناصر الإرهابية خارج حدودنا.”
وتطالب أنقرة بتفكيك المسلحين الأكراد السوريين، ودعت واشنطن إلى سحب دعمها. وأقر الجيش الأميركي الأسبوع الماضي بأن لديه 2000 جندي على الأرض في سوريا، وهو ضعف العدد الذي كان يذكره في السابق.
ورغم أن ترامب أظهر خلال ولايته الرئاسية الأولى رغبة في الانسحاب من سوريا، لكن ليس من الواضح بعد كيف سيكون مسلكه خلال ولايته الرئاسية الجديدة. وقال ترامب الاثنين الماضي، إن الأتراك كانوا “يرغبون بالاستيلاء على سوريا، والآن تمكنوا من ذلك”، في تعقيب على دعم أنقرة لهيئة تحرير الشام التي أطاحت بنظام الأسد.
وأوضح الرئيس الأميركي خلال مؤتمر صحفي في منتجعه “مار إيه لاغو” بمدينة بالم بيتش في فلوريدا، “لقد قامت تركيا بعملية استيلاء غير ودية، من دون خسارة الكثير من الأرواح.”
الزيارة هدفها إيصال رسائل مباشرة للقيادة الجديدة بأنه حان الوقت لتسديد بعض فواتير الدعم التركي وأولها إنهاء الوجود المسلح الكردي
ويرى المحللون أن تركيا لن تفوت فرصة العملية الانتقالية الجارية للسلطة في الولايات المتحدة، بعد ضمان وصول وكلائها للسلطة في دمشق. وقال وزير الخارجية التركي السبت إن تركيا ستفعل “كل ما يلزم” لضمان أمنها إذا لم تتمكن الإدارة السورية الجديدة من معالجة مخاوف أنقرة.
وفي مقابلة مع قناة فرانس 24، أوضح فيدان أن الخيار المفضل لدى أنقرة هو أن تعالج الإدارة الجديدة في دمشق المشكلة بما يتماشى مع وحدة الأراضي السورية وسيادتها وسلامتها، مضيفا أنه يتعين حل وحدات حماية الشعب على الفور. وأضاف “إذا لم يحدث ذلك، فيتعين علينا حماية أمننا القومي”. وعندما سئل عما إذا كان ذلك يشمل العمل العسكري، رد فيدان “كل ما يلزم”.
وردا على سؤال حول تصريحات قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي حول إمكانية التوصل إلى حل تفاوضي مع أنقرة، قال فيدان إن المجموعة يجب أن تسعى إلى مثل هذه التسوية مع دمشق، لأن هناك “واقعا جديدا” هناك الآن.
وأضاف “الواقع الجديد، نأمل أن يعالج هذه القضايا، ولكن في الوقت نفسه، تعرف وحدات حماية الشعب الكردية/حزب العمال الكردستاني ما نريده. لا نريد أن نرى أي شكل من أشكال التهديد العسكري لنا. ليس التهديد الحالي، ولا أيضا التهديد المحتمل”.
وشنت أنقرة، إلى جانب حلفائها السوريين، عدة هجمات عبر الحدود ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب في شمال سوريا، بينما طالبت مرارا وتكرارا الولايات المتحدة، حليفتها في حلف شمال الأطلسي، بوقف دعمها للمقاتلين الأكراد.
ولعبت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة دورا رئيسيا في هزيمة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في الفترة من 2014 إلى 2017 بدعم جوي أميركي، ولا تزال تحرس مقاتلي التنظيم في معسكرات الاعتقال. وحذر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أن التنظيم المتشدد سيحاول إعادة تأسيس قدراته في هذه الفترة.
وقال فيدان إنه لا يجد زيادة عدد القوات الأميركية في سوريا في الآونة الأخيرة “قرارا صحيحا”، مضيفا أن الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية كان “ذريعة” للحفاظ على الدعم لقوات سوريا الديمقراطية. وتابع أن “الحرب على داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) لها مهمة واحدة فقط وهي إبقاء سجناء التنظيم في السجون، وهذا هو كل شيء.”