تركيا تستبق عملية "دمج" القوى المتقاتلة في ليبيا بتدريب مقاتلين

طرابلس - تشرف تركيا على تدريب العشرات من المقاتلين الليبيين استباقا لأي عملية تفكيك وإعادة دمج القوى المتقاتلة في الساحة الليبية، في خطوة تهدف من خلالها إلى ضمان وجود وحدات موالية لها ضمن أي جسم عسكري يشكل برعاية دولية في هذا البلد.
وتخشى أنقرة من فقدان ما حققته الأشهر الماضية في الساحة الليبية وتدخلها المباشر في وقف تقدم الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر نحو العاصمة طرابلس.
وشكّكت تركيا على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان في الاختراقات المفصلية الحاصلة في الأزمة الليبية، وآخرها الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار بين الفرقاء الليبيين في جنيف وما يحمله من بنود أهمها رحيل المرتزقة والمقاتلين الأجانب.
وتضمّنت تصريحات أردوغان، عقب ساعات من إعلان البعثة الأممية في ليبيا عن توصل اللجنة العسكرية 5 + 5 إلى اتفاق بشأن وقف دائم لإطلاق النار، تهديدا مبطنا باستئناف القتال، ما يعكس عدم رضا أنقرة عن الاتفاق الذي من بين أبرز بنوده إخراج المرتزقة من البلاد، وهو الأمر الذي يستهدف إنهاء نفوذ كل من روسيا وتركيا اللتين تُتهمان بنشر المرتزقة في البلاد.
وقال أردوغان إن اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا ضعيف المصداقية وستظهر الأيام مدى صموده.
وفيما يخص ما تردد حول التوافق بشأن انسحاب المرتزقة، قال“لا نعلم مدى صحة (قرار) انسحاب المرتزقة من هناك في غضون ثلاثة أشهر”.
وأعلنت الميليشيات المنضوية ضمن ما يسمى بغرفة ”عملية بركان الغضب”، الأحد، أن العشرات من أفرادها يواصلون تلقي التدريب في تركيا، بموجب اتفاقية التدريب العسكري والتعاون بين البلدين.
جاء ذلك في تغريدة نشرها المركز الإعلامي لـ"بركان الغضب" عبر “تويتر”، قال فيها إن 160 فردا يتلقون التدريب ضمن برنامج شامل يستمر لخمسة أشهر.
وأضاف أن المقاتلين سيتدربون “على أساليب القتال المختلفة، واقتحام الأبنية المحصنة، و مناورات بالذخيرة الحية تُحاكي أجواء المعارك الحقيقية، وتدريبات على الرماية، واستخدام أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة”.
وفي 27 نوفمبر 2019، وقع الجانبان التركي والليبي، مذكرتي تفاهم تتعلقان بالتعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق الصلاحية البحرية، أثارتا جدلا واسعا على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتنفيذا لمذكرة التعاون الأمني، تدعم تركيا حكومة الوفاق الليبية في مواجهة الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع الوطني في تركيا، السبت، استمرار تدريبات عناصر ميلشيا الوفاق في طرابلس، وهو ما يخالف بنود اتفاق جنيف الذي ينصّ على "تجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي، وخروج أطقم التدريب إلى حين تسلم الحكومة الجديدة الموحدة لأعمالها، وتكلف الغرفة الأمنية المشكلة بموجب الاتفاق باقتراح وتنفيذ ترتيبات أمنية خاصة تكفل تأمين المناطق التي تم إخلاؤها من الوحدات العسكرية والتشكيلات المسلحة".
ونشرت الوزارة صورا لتدريبات بحرية بمدينة الخمس شرق العاصمة طرابلس، يقودها مدربون أتراك لصالح قوات حكومة الوفاق، وقالت إنها ستستمر 6 أسابيع.
ويشكك متابعون للشأن الليبي في إمكانية صمود الاتفاق الذي وقعته الأطراف الليبية، بعد الانتهاكات التركية الأخيرة، فيما يرى آخرون أنّ تمسّك أنقرة بمواصلة تدريب الميليشيات كشف حقيقة المطامع التركية في ليبيا، التي يؤرقها استقرار البلاد وتوافق الأطراف المتنازعة، اذ ليست المرة الأولى التي تقوم فيها تركيا بنقض اتفاق يتعلّق بالأزمة الليبية وعرقلة أي جهود نحو التسوية ولعلّ قيامها بمخالفة مخرجات مؤتمر برلين خير دليل على ذلك.
وتصرّ تركيا على استمرار الفوضى في ليبيا لأن اتفاق الأطراف المتنازعة واستقرار البلاد سياسيا وأمنيا سيكون نهاية مشروعها التوسعي في المنطقة.
ويحذر مراقبون من أن المفاوضين في جنيف لا يسيطرون بالضرورة على مقاتليهم، كما أنه من غير المحتمل أن تتخلى الأطراف الخارجية الفاعلة في ليبيا وعلى رأسها تركيا بسهولة عن نفوذها الذي كسبته بصعوبة.
ولم تفاجئ تصريحات الرئيس التركي المتابعين للوضع في ليبيا، حيث سبق أن لوحت قيادات عسكرية ليبية مقربة من أنقرة باستئناف القتال بعد أن دفع وزير الدفاع صلاح الدين النمروش بتعزيزات عسكرية إلى عدد من المدن في المنطقة الغربية متهما الجيش بالتخطيط للهجوم على تلك المدن، وهو ما نفاه الناطق باسم الجيش.
ورغم الإعلان عن وقف مؤقت للقتال منذ أغسطس الماضي تواصل أنقرة إرسال الأسلحة إلى ليبيا، ما يطرح تساؤلات بشأن قدرة الولايات المتحدة، المتهمة بتشجيع تركيا على التدخل العسكري في البلاد، على ردع أنقرة وإلزامها بما سيتم التوصل إليه من تفاهمات لاحقة، اثر اتفاق جنيف، وقد يكون من بينها إلغاء اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا، خاصة مع تصاعد حدة الدعوات المحلية والأوروبية إلى اتخاذ تلك الخطوة.
وكان وزير الدفاع بحكومة الوفاق صلاح الدين النمروش، أعلن الشهر الماضي عن اتفاق بين حكومته وأنقرة لتشكيل جيش ليبي.
وقال إن وزارته "بدأت مع الجانب التركي في تنفيذ برامج لبناء القوات المسلحة وتطوير الجيش وإعادة هيكلة القوات المسلحة وتطوير قطاعات الدفاع الجوي والبحرية وقوات مكافحة الإرهاب والقوات الخاصة".
وأضاف أنه "تم تجهيز أول مركز تدريب في ضواحي العاصمة طرابلس، وستكون الأولوية في بناء الجيش حسب المعايير الدولية للقوة المساندة الشابة التي شاركت في الدفاع عن طرابلس"، في إشارة إلى "عملية بركان الغضب" التي تتكوّن من ميليشيات مدينة مصراتة المحسوبة على تنظيم الإخوان.
وتثير هذه التحركات قلق الأوساط الليبية من احتمال تشكيل جيش على مقاس تركيا والإسلاميين لتوظيفه في خططهم القادمة في ليبيا.