تركيا تريد إعادة كتابة تاريخ مذابح الأرمن

تنظيم الرئاسة التركية لمؤتمر "دولي" بشأن المذابح التي تعرض لها الأرمن، محاولة للتنصل من ماض استعماري وتلميع الصورة.
الأربعاء 2021/04/21
مساع لتحريف التاريخ

أنقرة – قال فخرالدين ألطون رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية الثلاثاء إن بلاده تواجه حاليًا رواية تسعى لإذكاء نزاع بين المجتمعين التركي والأرمني اللذين عاشا لقرون معاً في أجواء من السلام، في وقت تسعى فيه الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان إلى القفز على المعطيات التاريخية وإعادة كتابة تاريخ مذابح الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية وفق أهوائها وأجنداتها السياسية.

وجاءت تصريحات ألطون خلال “المؤتمر الدولي لأحداث 1915” الذي تشرف عليه الرئاسة التركية لمناقشة الخلفية التاريخية والبعد القانوني لأحداث ذلك العام وانعكاساتها على الحاضر.

ويرى مراقبون في تنظيم الرئاسة التركية لمؤتمر “دولي” بشأن المذابح التي تعرض لها الأرمن إبان الحكم العثماني والتي صنفتها عدة دول غربية على أنها إبادة جماعية، محاولة للتنصل من ماض استعماري وتلميع الصورة خاصة في ظل حديث عن بدء رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي بوب مينينديز في جمع التوقيعات على خطاب من الحزبين يحث الرئيس جو بايدن على الاعتراف الكامل والرسمي بالإبادة الجماعية للأرمن.

فخرالدين ألطون: نواجه مساعي لإذكاء نزاع بين المجتمعَين التركي والأرمني
فخرالدين ألطون: نواجه مساعي لإذكاء نزاع بين المجتمعَين التركي والأرمني

وكان بايدن قد وضع الملف الحقوقي ضمن أوليات فترة رئاسته، وقال إن التعامل مع زعماء العالم سيكون على أساس حقوقي.

وفي مؤتمر يفترض أن يكون تصالحيا مع التاريخ، اتهم ألطون من وصفهم بـ”الميليشيات الأرمنية” بالاعتداء على الجيوش العثمانية ومصالحها في المنطقة، ما دفع العثمانيين إلى نفي هذه الميليشيات إلى الأراضي السورية، واصفاً هذه الخطوة بأنها “تدابير أمنية”.

ويقول الأرمن إن ما يصل إلى 1.5 مليون شخص قتلوا خلال الحرب العالمية الأولى فيما كانت الإمبراطورية العثمانية تنهار، وهو ادعاء تدعمه العديد من البلدان الأخرى.

ولا يزال ملف إبادة الأرمن مقلقا لتركيا التي تتهم عددا من الدول والحكومات باستخدام تلك القضية التاريخية لممارسة الضغوط عليها.

وأفاد ألطون أن بلاده تواجه في الوقت الحاضر “رواية تسعى لتزييف ماضي المجتمعين التركي والأرمني اللذين عاشا معاً لقرون ضمن أجواء من السلام”، مؤكدًا عدم قبول تركيا لهذه الرواية.

وتملك الجاليات الأرمنية في الخارج وخاصة في أوروبا والولايات المتحدة نفوذا ولوبيات قادرة على ممارسة الضغط ما جعل القضية التاريخية للأرمن تطفو كل مرة لتثير تجاذبات وتوترا ليس في علاقة أنقرة ببعض العواصم فقط ولكن في الداخل التركي أيضا.

وتطالب أرمينيا تركيا بالاعتراف بما جرى خلال عملية التهجير عام 1915 على أنه “إبادة عرقية”، وبالتالي دفع تعويضات وهو ما ترفضه تركيا حيث يمثل الملف خطا أحمر خاصة لدى الأحزاب القومية المتحالفة مع حزب العدالة والتنمية الحاكم.

وتعترف تركيا فقط بسقوط حوالي 500 ألف قتيل خلال السنوات الأخيرة من السلطنة العثمانية، إلا أنها تقول إنهم سقطوا ضحايا تجاوزات حصلت في الحرب العالمية الأولى نافية أي نية تركية لارتكاب إبادة جماعية للأرمن.

واعترفت 30 دولة بالإبادة الجاعية للأرمنية من بينها فرنسا وألمانيا وبلجيكا وليتوانيا وبلغاريا وهولندا وسويسرا واليونان والأرجنتين وأوروغواي وروسيا وسلوفاكيا والنمسا.

ويقول تنار أكجام أستاذ دراسات الإبادة الجماعية للأرمن بجامعة كلارك الأميركية إن الإنكار لا يتعلق فقط بمنهج أيديولوجي للماضي، كما أن المطالبة بالاعتراف بالجرائم التاريخية ليست مجرد تعبير عن إدانة أخلاقية في ما يتعلق بالأحداث الماضية.

لا يزال ملف إبادة الأرمن مقلقا لتركيا التي تتهم عددا من الدول والحكومات باستخدام تلك القضية التاريخية لممارسة الضغوط عليها.

وأردف “إن الإنكار هيكل لا يمكن للمرء ببساطة أن يحيله إلى الأعمال الوحشية السابقة. لقد أدى هيكل الإنكار إلى السياسات الحالية وما زال يفعل ذلك. وفي هذا الصدد سيكون من المناسب والمعقول مقارنة الإنكار التركي بنظام الفصل العنصري في دولة جنوب أفريقيا”.

وأكد أكجام أن اعتراف تركيا بالفظائع التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية شرط مسبق لشعبها ليتمكن من العيش في سلام وهدوء، ليس فقط مع بعضهم البعض ولكن مع الآخرين في المنطقة.

وترى الحكومة التركية أن الملف مجرد ورقة تمارسها بعض القوى الدولية لفرض ضغوط عليها لكن مراقبين يرون أن أنقرة لن تقبل أبدا بالاعتراف بمصطلح الإبادة الجماعية لأنه سيشكل معضلة حقيقية وسيدفعها لتقديم مزيد من التعويضات إضافة إلى الملاحقات القضائية الأرمنية لتركيا، ويفتح الباب أمام إعادة الممتلكات الأرمنية وهو أمر تعتبره أنقرة خطا أحمر لا يمكن الاقتراب منه.

ويشير مراقبون إلى أن المسالة لا تهم فقط الجانب المادي عبر التعويضات المالية أو حتى ترميم بعض الكنائس الأرمنية والاعتراف بالحقوق الثقافية واللغوية بل سيصل الأمر إلى المطالبة بالأراضي التي تعرف بأرمينيا الغربية حيث جبل أرارات الذي يعد رمزًا وطنيًا للأرمن وهذا أمر لا يمكن أن تقبل به تركيا.

5