تركيا تردّ على تجاهل الأسد دعوات التطبيع بالتصعيد على الحدود

فصائل المعارضة السورية تسيطر على عشرات القرى والبلدات في محيط حلب.
الجمعة 2024/11/29
تصعيد مفاجئ

دمشق / أنقرة – شهدت مناطق شمال غرب سوريا تصعيدا كبيرا ومفاجئا من جانب المجاميع العسكرية المدعومة من تركيا ضد القوات السورية، في خطوة ربطها مراقبون سياسيون بالتجاهل الذي قابل به الرئيس السوري بشار الأسد دعوات الحوار وتطبيع العلاقات الثنائية الصادرة عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وخلال 24 ساعة تمكنت فصائل المعارضة من السيطرة على عشرات القرى والبلدات في الريف الغربي لحلب، وصارت الآن تبعد عن مركز المدينة بضعة كيلومترات، كما قطعت الطريق الدولي الذي يصل العاصمة دمشق بحلب،  بحسب تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ما يؤكد أن الهجوم مدروس وهدفه توجيه رسالة إلى دمشق تفيد بأن التطبيع العسكري الميداني لا يمكن أن يستمر ما لم يتم دعمه بتطبيع سياسي.

وقتل أكثر من 150 جنديا سوريا ومقاتلا من هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى في اشتباكات عنيفة اندلعت بين الطرفين في شمال غرب البلاد، بحسب حصيلة للمرصد الخميس، في حين أعلنت وزارة الدفاع السورية عن التصدي لـ”هجوم كبير” في ريفي حلب وإدلب.

الهجوم مدروس وهدفه توجيه رسالة إلى دمشق مفادها أن التطبيع العسكري الميداني لا يمكن أن يستمر ما لم يتم دعمه بتطبيع سياسي

وقال المرصد “قطعت هيئة تحرير الشام والفصائل المساندة لها طريق دمشق – حلب الدولي (إم 5) عند بلدة الزربة في ريف حلب، إضافة إلى السيطرة على عقدة الطريقين الدوليين إم 4 وإم 5 عند مدينة سراقب،” ما أدّى إلى توقّف الطريق الدولي عن العمل بعد سنوات من إعادة فتحه.

وأفاد المرصد بارتفاع عدد القتلى “خلال المعارك المستمرة منذ فجر الأربعاء” إلى 153، من بينهم 80 من هيئة تحرير الشام، و19 من فصائل الجيش الوطني (معارض) و54 عنصرا من قوات الجيش السوري، في الاشتباكات التي اندلعت بعد شنّ الهيئة وفصائل متحالفة معها “عملية عسكرية” منذ الأربعاء على مناطق النظام في حلب.

وتراهن المجموعات الموالية لأنقرة على عدة عوامل في تنفيذ هجومها، منها أن روسيا منشغلة بالحرب في أوكرانيا، وأنها لن تتدخل بالكيفية التي تحبط الهجوم كما كان يحصل في السابق، وهو ما يسبب إحراجا للقوات السورية. كما أن الحليف الثاني لدمشق، أي إيران والفصائل الداعمة لها وعلى رأسها حزب الله، قد تلقّى ضربات قوية من إسرائيل تجعل تحركه لردع الفصائل المدعومة من تركيا ضعيفا وغير مؤثر على الأقل في الوقت الحالي، ولا يعيق توجيه رسالة الإنذار التركية إلى الرئيس السوري.

ويشير المراقبون إلى أن تركيا لا تريد من الهجوم خرق اتفاقيات وقف إطلاق النار، التي تمت برعاية روسية، ولا تغيير الواقع العسكري على الأرض، وإنما هدفها هو توجيه رسالة إلى الأسد وروسيا تدعوهما إلى تحريك الجمود السياسي بين أنقرة ودمشق، وهي تراهن على أن موسكو لا قدرة لها على فتح جبهتين في الوقت نفسه.

وتقول دمشق إن أي مبادرة لتطبيع العلاقات مع أنقرة يجب أن تبنى على أسس في مقدمتها انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية. وأمام التباين في وجهات النظر بين البلدين، بدت روسيا أقل تحمّسا للعب دور الوسيط، بعد أن كانت تصريحات المسؤولين الروس تشير إلى اهتمام واضح بالتقريب بين أنقرة ودمشق.

وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف توقّف مفاوضات التطبيع بين تركيا والنظام السوري، بسبب الخلاف على مسألة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية. وقال في مقابلة مع صحيفة “حرييت” التركية مطلع نوفمبر الجاري إن ثمة خلافا في المواقف بين دمشق وأنقرة، بشأن انسحاب القوات التركية من سوريا، ما أدّى إلى توقف مفاوضات التطبيع بين الجانبين.

حح

وكان الأسد قد أبدى إيجابية تجاه دعوة سابقة وجهها إليه أردوغان، لكنه قال إن المشكلة ليست في حصول اللقاء بحدّ ذاته وإنما في مضمونه.

وتساءل “ما هي مرجعية اللقاء؟ هل ستكون إلغاء أو إنهاء أسباب المشكلة التي تتمثل في دعم الإرهاب، وانسحاب (القوات التركية) من الأراضي السورية؟” مضيفا “هذا هو جوهر المشكلة.”

وتعدّ المعارك التي تدور في ريفي إدلب وحلب “الأعنف” في المنطقة منذ سنوات، وفق المرصد، وتدور في مناطق تبعد عن أطراف مدينة حلب قرابة 10 كيلومترات.

وأشار المرصد إلى أن الفصائل تمكنت من تحقيق تقدّم في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي حيث سيطرت على “قرى ذات أهمية إستراتيجية لقربها من طريق حلب – دمشق الدولي،” في محاولة لقطعه.

وبحسب المرصد سيطرت الفصائل على “قريتي داديخ وكفربطيخ، إضافة إلى قرية الشيخ علي” في ريف إدلب الشرقي، وعلى قريتين في ريف حلب الغربي.

وقال المرصد إن هيئة تحرير الشام، والفصائل الأخرى، تمكّنت من “إحكام سيطرتها على قرية شابور قرب مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي ودخول أحد أحياء المدينة من الجهة الغربية” بعد “مواجهات عنيفة” مع الجيش السوري.

وأفاد مراسل فرانس برس بنشوب معارك عنيفة تدور منذ صباح الأربعاء شرق مدينة إدلب، ترافقت مع غارات جوية.

وقالت وزارة الدفاع السورية إن هيئة تحرير الشام، وفصائل أخرى موجودة في ريفي إدلب وحلب، قامت “بشن هجوم كبير وعلى جبهة واسعة صباح يوم الأربعاء بأعداد كبيرة من الإرهابيين وباستخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة مستهدفة القرى والبلدات الآمنة ونقاطنا العسكرية في تلك المناطق.”

وأضافت أن القوات السورية تصدّت للهجوم “الذي ما زال مستمرا حتى الآن.” وبالإضافة إلى “قصف مدفعي وصاروخي عنيف” أعلن المرصد عن “غارات جوية” بـ”الطائرات الحربية الروسية” استهدفت خصوصا محيطة مدينة سرمين في إدلب.

حح

وتسيطر هيئة تحرير الشام مع فصائل معارضة أقل نفوذا على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها، وعلى مناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة المجاورة. وشهدت جبهات ريف حلب في شمال سوريا هدوءا دام عدة أشهر قبل هذه المعارك.

ويسري في إدلب ومحيطها منذ السادس من مارس 2020 وقف لإطلاق النار أعلنته كل من موسكو الداعمة لدمشق، وأنقرة الداعمة للفصائل المعارضة، وأعقب هجوما واسعا شنّته قوات النظام بدعم روسي على مدى ثلاثة أشهر. وتشهد المنطقة بين الحين والآخر قصفا متبادلا تشنّه عدة أطراف، كما تتعرض لغارات من جانب دمشق وموسكو.

كما تشهد سوريا منذ عام 2011 نزاعا داميا تسبّب في مقتل أكثر من نصف مليون شخص وألحق بالبنى التحتية دمارا هائلا وأدى إلى نزوح وتشريد الملايين من السكان داخل البلاد وخارجها.

1