تركيا تراوح بين الحوار مع العراق وفرض منطقها العسكري عليه

بغداد - تراوح تركيا في مواجهتها ضدّ حزب العمّال الكردستاني بين استخدام القوة العسكرية لفرض واقع ميداني جديد في مناطق شمال العراق، وتكثيف المشاورات السياسية والمفاوضات الأمنية مع الجانب العراقي لتحصيل المزيد من المكاسب، مستغّلة ما تظهره بغداد من ليونة ومسايرة للموقف التركي تحصينا لمسار التعاون الاقتصادي معها وأملا في تحصيل مكاسب في ملف المياه.
وبالتوازي مع التقدّم الكبير في العملية العسكرية الأوسع نطاقا التي تشنها القوات التركية في مناطق بإقليم كردستان العراق ضدّ مقاتلي حزب العمال، حققت تركيا منجزا كبيرا بتغيير الحكومة العراقية موقفها من الحزب وتصنيفه تنظيما محظورا داخل الأراضي العراقية.
وتقول مصادر سياسية عراقية إنّ أنقرة باتت تتطلّع إلى ما هو أبعد من مجرّد الصمت العراقي على عمليات الجيش التركي في شمال البلاد وتحاول إقحام القوات العراقية في تعاون ميداني أمني وعسكري فعّال ضدّ مقاتلي الحزب.
وعلى هذه الخلفية تحتضن أنقرة جولة محادثات جديدة رفيعة المستوى بين كبار المسؤولين الأتراك ونظرائهم العراقيين حول “تعزيز التعاون في القضايا الأمنية”، بحسب ما كشف عنه الأربعاء مصدر دبلوماسي تركي.
ونشب خلاف بين البلدين في السنوات الماضية بسبب العمليات العسكرية التي تنفذها القوات التركية عبر الحدود ضد مسلحي حزب العمال المتمركزين في مناطق جبلية بشمال العراق، وكان الجانب العراقي يعدّها انتهاكا لسيادة البلد، فيما تتمسّك تركيا بأنها ضرورية لحماية أمنها.
لكن ذلك الخلاف بدا من خلال توسّع العملية العسكرية الحالية في شمال العراق والموقف العراقي الباهت منها، أنّه إلى زوال تاركا مكانه لتوافق متنام بين الطرفين تقوده مجموعة من المصالح المشتركة.
وتحسنت العلاقات منذ العام الماضي عندما اتفق الجانبان العراقي والتركي على إجراء محادثات رفيعة المستوى حول القضايا الأمنية، وبعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد في أبريل الماضي حيث قال إن العلاقات دخلت مرحلة جديدة.
وعقد البلدان حتى الآن ثلاث جولات من الاجتماعات في إطار آلية الحوار. وقررت بغداد تصنيف حزب العمال الكردستاني “منظمة محظورة في العراق” خلال المحادثات الأخيرة التي أجريت خلال مارس الماضي في خطوة رحبت بها أنقرة. وقال المصدر التركي إن لقاء الخميس سيمثل أول اجتماعات “مجموعة التخطيط المشتركة”، التي تقرر تشكيلها خلال زيارة أردوغان إلى العراق ويرأسها وزيرا الخارجية.
وأضاف المصدر أن المحادثات تهدف أيضا إلى وضع تعاون البلدين في إطار مؤسسي ومستدام، مشيرا إلى أن الوفدين سيناقشان تنفيذ سبع وعشرين اتفاقية تم توقيعها خلال زيارة أردوغان، وسيقيّمان المزيد من المبادرات المشتركة.
وقال وزير الدفاع التركي يشار غولر الاثنين لوكالة رويترز إن الخطوات التي اتخذتها تركيا والعراق في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب تمثل “نقطة تحول”، مضيفا أن العمل الفني الخاص بإنشاء مركز عمليات مشترك للمنطقة مستمر.
وأعاد الوزير تأكيده على أنّ العمليات التركية عبر الحدود في شمال العراق ستستمر حتى “يتم محو اسم الإرهاب من هذه المنطقة”، مردفا أن أنقرة تتوقع من بغداد تصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية في أقرب وقت ممكن.
وتصنف تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمردا ضد الدولة التركية منذ عام 1984، منظمة إرهابية. وقد لقي أكثر من أربعين ألف شخص حتفهم خلال الصراع. وأخذت العملية العسكرية التي أشار إليها غولر مدى غير مسبوق في كثافتها واتساعها الجغرافي وامتدادها الكبير داخل محافظة دهوك بشمال العراق.
وتحتج الكثير من القوى العراقية على أنّ العملية العسكرية التركية لا تبدو مؤقتة أو عابرة. وتؤكّد رصدها لعلامات على أن القوات التركية تقيم في مناطق العمليات داخل التراب العراقي بُنى تحتية تظهر نيتها البقاء في تلك المناطق مثل القواعد الثابتة المرتبطة فيما بينها بشبكة طرقات تصلها أيضا بالأراضي التركية. لكنّ تلك العملية ليست من دون أثمان إنسانية وتبعات لسكّان المناطق التي تدور فيها.
وقال وارشين سلمان قائممقام قضاء آمدية بمحافظة دهوك إن القتال المستمر بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والجيش التركي تسبب في إخلاء أكثر من مئتي قرية في القضاء. وأشار في حديثه لوسائل إعلام محلية إلى أن القضاء المذكور يمتد على حوالي ثلث مساحة المحافظة ويضم ست وحدات إدارية وأكثر من ثلاثمئة وخمسين قرية وثماني بلديات، وذلك في إشارة إلى اتّساع مدى العملية العسكرية التركية في إقليم كردستان العراق.