تركيا تخوض معركة طويلة لاستعادة ثقة المستثمرين

يُجمع المحللون على أن كبار المستثمرين يمرون بفترة إعادة تقييم ومراجعة أفكارهم قبل الدخول في مغامرة جديدة لتنشيط أعمالهم في السوق التركية؛ حيث لا يزال عام 2024 بالنسبة إليهم، وخاصة المحليين، يدور حول اكتساب الثقة في الاقتصاد.
أنقرة- شكل 2023 عاما آخر متقلبا بالنسبة إلى الأصول التركية، بعدما تأثرت بالانتخابات الرئاسية ثم الارتفاع السريع في الفائدة لمكافحة التضخم، وسط ترقب المستثمرين الذين يريدون معرفة ما إذا كانت السياسة ستستمر وما سيجلبه العام المقبل لهم.
وبعد سنوات من الدعوة إلى خفض الفائدة للسيطرة على أسعار الاستهلاك، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أعيد انتخابه رئيسا للبلاد في مايو الماضي، بتعيين فريق اقتصادي جديد في يونيو الماضي مليء بأسماء صديقة للسوق وعدت بالعودة إلى سياسات أكثر تقليدية.
وأصبح محمد شيمشك، الخبير الإستراتيجي السابق في ميريل لينش، وزيراً للمالية، بينما تم تعيين حفيظة إركان، المصرفية السابقة في وول ستريت، محافظة جديدة للبنك المركزي.
وأثارت التعيينات تفاؤلا اجتاح الأسواق التركية. وارتفعت السندات والأسهم الدولارية، في حين انخفضت سندات مقايضة العجز الائتماني، وهي مقياس رئيسي لمخاطر الدولة، بأكثر من 250 نقطة أساس.
والآن تراهن مجموعة واسعة من المستثمرين الكبار، بما في ذلك دويتشه بنك وبنك جي.بي مورغان الاستثماري، على حدوث تحول في السندات التركية في العام المقبل.
ويقول مراد جولكان، الرئيس التنفيذي لشركة أو.أم.جي كابيتال آدفيسورز، “بعد الوضع غير التقليدي الذي شهدته السنوات الخمس الماضية لا تزال الأسواق تركز على ما إذا كانت تركيا ستحقق الأمر بشكل صحيح وكيف”. وأضاف لوكالة رويترز أنه على المدى القصير “لا شيء آخر يهم”.
ومع ذلك لا تزال الشكوك واضحة في سوق العملات، مع انخفاض الليرة بنسبة 35 في المئة مقابل الدولار هذا العام. وفي حين أن أكثر من نصف هذا الانخفاض جاء قبل تولي الفريق الاقتصادي الجديد منصبه، فقد تآكلت العملة بشكل أكبر منذ ذلك الحين.
ورغم انخفاض التضخم عن ذروته البالغة 86 في المئة في أكتوبر العام الماضي، إلا أن معدله السنوي لا يزال يبلغ 62 في المئة. وهذه ليست المرة الأولى خلال رئاسة أردوغان التي يبحث فيها المستثمرون عن علامات الالتزام بسياسات اقتصادية أكثر تقليدية.
وأثارت ولاية ناجي إقبال كمحافظ للبنك المركزي من نوفمبر 2020 إلى مارس 2021 ارتفاعا في الليرة، لكنه تم فصله بعد سلسلة من رفع أسعار الفائدة متحدية وجهة نظر أردوغان بأن الأموال الرخيصة تقلل التضخم.
ولذلك، مع ذكريات هذه المحاور السابقة التي لا تزال حية في أذهان المستثمرين الأجانب، فإن المخاوف بشأن ما إذا كان التحول الأخير في السياسة سيستمر أم لا لا تزال قائمة.
وعلاوة على ذلك تشكل الانتخابات البلدية التي تلوح في الأفق في نهاية مارس المقبل نقطة أخرى للترقب، حيث لا تزال هناك الكثير من الشكوك بالنسبة إلى أولئك الذين يتبعون تركيا.
وقال نك ستادميلر، رئيس قسم المنتجات في شركة ميدلي غلوبال أدفايزرز الأميركية، إن المستثمرين “تعرضوا للحرق مرات عديدة بسبب التحولات في السياسة الاقتصادية التركية خلال السنوات الأخيرة، ولم يهدأوا بعودة تكنوقراط قادمين من عصر مختلف”.
ووفقا لستادميلر، فإن الانتعاش المستدام في التدفقات الداخلة سيستغرق “الوقت والمزيد من الأدلة على الالتزام الحقيقي بالسياسات التقليدية”. وأضاف “لن يصدق المستثمرون ذلك حتى يرَوه”.
ويرى البعض أن السنة الحالية كانت مستقرة نوعا ما لمعنويات الاستثمار للمرة الأولى منذ ست سنوات، وذلك بفضل المشاعر الإيجابية التي ولّدها حتى الآن المحور التركي الأخير.
وبلغت التدفقات التراكمية هذا العام 1.1 مليار دولار مع بداية ديسمبر الحالي، وفقا لبيانات البنك المركزي. وكان المستثمرون الأجانب مشترين صافين للأصول التركية خلال العام الماضي وذلك منذ عام 2017.
وفي ظل الفريق الاقتصادي الجديد قام البنك المركزي برفع سعر الفائدة إلى 40 في المئة من 8.5 في المئة، مع تخفيف بعض الإجراءات غير التقليدية التي ردعت المستثمرين الأجانب. ومع ذلك، فإن رفع أسعار الفائدة لم يوقف انخفاض قيمة الليرة.
وقال أولريش ليوتشتمان، رئيس إستراتيجية العملة في كومرتس بنك أي.جي، إن “سياسة أسعار الفائدة تقترب بالفعل من الحد الأقصى العملي”. وأضاف “يبدو أن سبب شكوك السوق هو عدم ثقتها في استدامة الموقف الحالي للسياسة النقدية”.
وأكد ليوتشمان أنه “لا يمكن أن يتغير هذا إلا إذا أقنع الرئيس أردوغان السوق بأنه لن يتدخل في قضايا السياسة النقدية”.
وبالنسبة إلى مدير الأموال في شركة فيديليتي إنترناشيونال في لندن، بول غرير، فإنه إذا استمر التطبيع الأخير للسياسة من قبل إركان وشيمشك، وإذا ظلت البيئة حميدة، “فهناك مجال للأصول التركية لتحقيق أداء جيد”.
وبالإضافة إلى تشديد السياسة النقدية من خلال رفع الفائدة، قام الفريق الاقتصادي بتفكيك التدابير وتبسيط القواعد التي أدخلتها سابقاتها.
وقال ليوتشمان “كان الهدف من هذه الإجراءات تقليلَ ضغط انخفاض قيمة الليرة، لكنها خفضت أيضًا تدفقات رأس المال إلى تركيا”. وأضاف “بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب، فإن أي إجراء يجعل من الصعب إعادة رأس المال إلى الوطن هو حجة ضد الاستثمار في تركيا”.
وألغى الفريق الجديد القواعد التي تجبر البنوك على شراء السندات الحكومية كعقوبة على الإقراض بأسعار فائدة أعلى من حدود معينة أو عدم تحقيق أهداف القروض التجارية.
كما تقاربت الفائدة بالليرة داخل تركيا وخارجها بعد رفع الفائدة وتعديلات متطلبات الاحتياطي، مما ولد لأنقرة إمكانية تخفيف القيود المفروضة على معاملات المبادلة التي خفضت مبلغ الليرة التجارية التي سُمح للبنوك التجارية بإقراضها لنظيراتها الأجنبية.
وتعني الانتخابات البلدية في نهاية شهر مارس المقبل أنه من المحتمل أن يتحول تركيز أردوغان مرة أخرى إلى دعم الاقتصاد. ويعد هذا الأمر من بين المخاوف الرئيسية لمديري الأموال لأنه يضيف حالة من عدم اليقين إلى قراراتهم الاستثمارية، وقد يبقي الكثيرين في وضع حرج حتى انتهاء التصويت.
وقال سيباستيان كالفيلد، مدير المحفظة في شركة دي.دبليو.أس للاستثمار، إن الانتخابات يمكن أن “تؤدي إلى اتخاذ الحكومة إجراءات دعم قد تقوض التصور المتحسن تدريجيا لسياسة الاقتصاد التركي”.
وأوضح أنه من ناحية أخرى، وبمجرد انتهاء الانتخابات المرتقبة، سيكون هناك ما يقرب من أربع سنوات دون تحديد موعد لإجراء تصويت آخر، مما يجعل المستثمرين دائما في حالة من التوجس حيال مستقبل الأعمال في البلاد.