تركيا تجتاز اختبار مكافحة غسيل الأموال بعد سنوات تحت المراقبة

اجتازت تركيا اختبار مكافحة غسيل الأموال الذي استمر لثلاث سنوات بعدما قررت مجموعة العمل المالية (فاتف) شطبها من لائحتها للأموال القذرة، وهي خطوة من المرجح أن تعزز جهود البلاد لجذب رأس المال الأجنبي، وسط تباين في الآراء حول ذلك.
أنقرة - أزالت مجموعة العمل المالي (فاتف)، وهي منظمة مراقبة الجريمة الدولية، تركيا من القائمة الرمادية للدول التي تتطلب تدقيقا خاصا الجمعة، في دعم لخطة التحول الاقتصادي في البلاد.
وقالت الهيئة، التي تتخذ من باريس مقرا لها، في بيان عقب اختتام أعمال الجمعية العامة السادسة، التي عقدت في سنغافورة، إن تركيا حققت “تقدما كبيرا” في تحسين نظامها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ولم تعد “خاضعة لعملية الرقابة المتزايدة”.
وجاءت إضافة تركيا إلى قائمة فاتف الخاضعة لمراقبة متزايدة في أكتوبر 2021، وكان ذلك بسبب اكتشاف ثغرات في الإشراف على قطاعات مثل الخدمات المصرفية، والتعاملات في الذهب، وتداولات الأحجار الكريمة، والعقارات.
وخلص تقرير لصندوق النقد الدولي في ذلك العام أن تركيا أثناء وجودها في القائمة شهدت “انخفاضا مؤثرا من الناحية الإحصائية في تدفقات رأس المال”.
وواجهت البلاد تدقيقا من الحكومات الغربية بعد أن ظهرت كواحدة من الوجهات لأثرياء روسيا بعد غزو أوكرانيا في عام 2022.
وتعليقا على الخطوة، كتب نائب الرئيس التركي جودت يلماز على منصة إكس “في ظل هذا التطور، أصبحت ثقة المستثمرين الدوليين في النظام المالي لبلدنا أقوى”. وأضاف “القرار ستكون له آثار إيجابية للغاية على قطاعنا المالي وقطاعنا (الاقتصاد) الحقيقي”.
وبعد ذلك صرح يلماز لوكالة بلومبرغ قائلا إن “القرار سيكون له تأثير إيجابي على تكاليف الاقتراض في تركيا وارتفاع وتيرة تدفق رأس المال الأجنبي إلى البلاد، والاهتمام اللاحق بأصول الليرة سيؤدي أيضا إلى تسريع عملية انخفاض التضخم”.
وفي أول رد فعل للسوق على الخطوة، التي كانت متوقعة، عكس مؤشر أسهم البنوك التركية خسائره في بورصة إسطنبول ليرتفع بما يصل إلى اثنين في المئة قبل أن ينخفض 0.5 في المئة، كما تراجعت الليرة قليلا إلى 32.9 مقابل الدولار.
وهناك ما يزيد على 20 دولة مدرجة في القائمة الرمادية وتشكل خطورة بالنسبة لمجموعة فاتف، وهي هيئة دولية تضم دولا من بينها الولايات المتحدة والصين وتهدف لمكافحة الجرائم المالية. وفي فبراير الماضي، رفعت المجموعة دولة الإمارات من القائمة.
وقالت فاتف في فبراير الماضي إن تركيا “أنجزت خطة عملها إلى حد كبير” وتحتاج إلى تقييم ميداني. وقد أجرت محادثات في أنقرة الشهر الماضي لتقييم الإجراءات التي تتخذها البلاد ضد غسل الأموال والتمويل غير القانوني.
وتأسست فاتف قبل أكثر من ثلاثة عقود بمبادرة من مجموعة السبع، ومنوطة بعدتها وضع المعايير اللازمة لمنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ومنذ الانتخابات العامة التي جرت العام الماضي، تسعى تركيا جاهدة إلى إعادة السياسات الاقتصادية التقليدية، وتقديم نفسها كوجهة استثمارية.
ويرى خبراء أن خروج تركيا من القائمة يمكن أن يساعدها على جذب رأس المال إلى اقتصادها البالغ حجمه 1.1 تريليون دولار بعد سنوات من السياسة النقدية غير التقليدية التي دفعت المستثمرين إلى تجنب أصول الليرة.
وبعد مرور عام على تبنيها لاقتصاد أكثر تقليدية بقيادة فريق جديد يضم وزير المالية محمد شيشمك، بدأ المستثمرون في العودة إثر زيادات أسعار الفائدة الأكثر جرأة في العالم والبالغة 50 في المئة.
وذكرت جمعية المستثمرين الدوليين في تركيا أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد بلغت 1.5 مليار دولار في الربع الأول من 2024، بانخفاض 52 في المئة عن المتوسط الفصلي في السنوات الثلاث السابقة.
وقال إيمري بيكر، مدير أوروبا في مجموعة أوراسيا للاستشارات في لندن إنه “في حين أن خطوة مجموعة العمل المالي وحدها لن تطلق العنان لتدفقات الأموال، فإنها ستساعد جهود شيشمك لإعادة السياسات الاقتصادية التقليدية وتقديم تركيا كوجهة استثمارية قوية”.
ولكن ثمة شق يشكك في قدرة أنقرة على الاستفادة من خطوة كهذه رغم أنها في أمس الحاجة للتدفقات الخارجية، وقد بذلت جهودا في العامين الماضيين لإصلاح علاقتها مع دول الخليج وتقديم كل الحوافز لجذب استثماراتها.
وقال ماكس ميزليش كبير محللي الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إنه “في أحسن الأحوال، فإن تحليل مجموعة العمل المالي غير مكتمل، ويركز في المقام الأول على الإصلاحات المتعلقة باعتماد أنقرة للتشريعات المتعلقة بالعملات المشفرة”.
وأشار إلى أنه في أسوأ الأحوال، هو تجاهل الحقائق. وأضاف “لا تزال تركيا الولاية القضائية الأولى لتمويل الإرهاب ولعل الأمر الأكثر فظاعة هو أن أنقرة توفر ملاذا آمنا ودعما ماديا ومالياً لحركة حماس”.
وبعد أسبوع واحد فقط من هجوم حماس مطلع شهر أكتوبر الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأميركية على شركة تريند جي.واي.أو التركية لمزاعم ارتباطها مع الحركة الإسلامية.
وعلى نحو مماثل، تعد الحكومة التركية أحد المساهمين في كويت تورك، وهو بنك تركي شهير يقاضيه أقارب ضحايا الإرهاب في الولايات المتحدة “بسبب مساعدة وتحريض نشاط حماس”.
وفي تطورات ذات صلة، دعمت أنقرة أيضا الحوثيين المدعومين من إيران، والذين هاجموا بشكل متكرر طرق الشحن في البحر الأحمر للتعبير عن تضامنهم مع حماس.
وفي ديسمبر الماضي، صنفت وزارة الخزانة شركة الأمان للشحن التركية لتمويلها صفقات أسلحة للحوثيين نيابة عن الحرس الثوري الإيراني.
وشمل هذا التصنيف العديد من مكاتب صرف العملات في تركيا واليمن المتورطة في تحويل ملايين الدولارات إلى فيلق القدس، ذراع العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني.
وبالإضافة إلى دعم حماس والحوثيين، تغذي تركيا حرب روسيا ضد أوكرانيا. وفي سبتمبر 2023، فرضت واشنطن عقوبات على عدة كيانات تركية لقيامها بشحن مكونات عالية تستخدمها المسيرات الروسية والصواريخ وغيرها من المعدات العسكرية.