تركيا تتوقع خطوات قريبة لتبادل السفراء مع مصر

أنقرة - توقع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو تعيين سفراء بين تركيا ومصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى أنقرة المنتظرة الأسبوع الحالي، كما اعترف ضمنيا بوقوف بلاده وراء قصف مطار السليمانية ومحاولة اغتيال قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، وإسقاطها مروحيتين على متنها عناصر من حزب العمال الكردستاني الشهر الماضي، مشيرا إلى أن الخلافات مع الولايات المتحدة لاتزال قائمة.
وتؤشر تصريحات وزير الخارجية التركية، التي جاءت خلال مشاركته في برنامج على قناة "A Haber" التلفزيونية المحلية الإثنين، على أن المصالحة الشاملة بين تركيا ومصر باتت أقرب من أيّ وقت مضى، في المقابل تزداد هوة الخلافات بين أنقرة وواشنطن اتساعا، مع عدم إحراز أي تقدم بشأن طلب تركيا الحصول على طراز حديث من مقاتلات أف – 16 الأميركية.
وأشار تشاووش أوغلو أنه أوضح خلال المؤتمر الصحافي مع شكري في زيارته الأخيرة إلى مصر أنهم بدأوا الإجراءات بخصوص تعيين سفراء بشكل متبادل.
وأضاف "إذا بقي اجتماع الرئيسين لبعد الانتخابات (في تركيا)، ربما يمكننا إعلان ذلك خلال زيارة سامح شكري إلى أنقرة، وننتظره الأسبوع الحالي إن شاء الله، وقد نصدر البيان الأربعاء".
ولفت أن شكري زار ولايات أضنة ومرسين وهطاي عقب الزلزال المزدوج الذي ضرب جنوبي البلاد في 6 فبراير الماضي.
وشدد تشاووش أوغلو على أن زيارته إلى القاهرة كانت إيجابية وموجهة لتحقيق نتائج، مؤكدًا أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات ملموسة.
وكانت زيارة تشاووش أوغلو إلى القاهرة الشهر الماضي، قد فتحت الطريق أمام انطلاق قطار تطبيع العلاقات إلى محطة جديدة بعد فترة طويلة من المشاورات السياسية والأمنية المتقطعة.
وأكد وزير الخارجية المصري في مؤتمر مشترك مع نظيره التركي أن المحادثات مع تركيا بخصوص إمكانية إعادة العلاقات إلى مستوى السفراء ستُجرى "في الوقت الملائم" ووفق ما يحدث من نتائج إيجابية، ما يعني أنه لا تزال هناك عُقد في حاجة إلى تفكيكها.
ويوحي تعليق وزير خارجية مصر أن هناك ملفات لم يتم حسم المواقف بشأنها، ومن الضروري التفاهم حولها قبل التدشين الرسمي للعلاقات.
وإذا كانت أنقرة قدمت تطمينات جيدة للقاهرة بشأن حركة جماعة الإخوان وعدم دعم توجهاتها السياسية والإعلامية، فإن ثمة هواجس حول إمكانية استئناف الدعم في أيّ لحظة مع وجود قيادات في حزب العدالة والتنمية الحاكم تؤيد الإخوان حتى الآن.
كما أن الهدوء الذي يخيم على الموقف التركي حيال الأزمة الليبية وعدم ظهور ما يشي بأن أنقرة تناكف القاهرة بضراوة لا يعني أن التفاهم بينهما تزايد ووصل إلى مرتبة التعاون الكبير، لأن مصر تصر على خروج كل القوات الأجنبية من ليبيا، وفي مقدمتها قوات تابعة لتركيا وميليشيات ومرتزقة تعمل بالتنسيق معها.
ولم تقدم تركيا لمصر ما يعزز الثقة في وقف توغّلاتها داخل الأراضي السورية والعراقية، والتي تراها القاهرة عملا عسكريا غير مشروع، وإن تفهمت دواعي القلق الأمني التركي أحيانا، إلا أن ذلك ليس مبرّرا للقيام بعمليات واسعة ومستمرة أو اقتطاع أجزاء من أراضي الدولتين بأيّ حجة أمنية.
وتضاف هذه الهواجس إلى استمرار ملف شرق البحر المتوسط معلقا، أو على الأقل التوصل فيه إلى صيغة مريحة لمصر التي لا تريد التفريط في علاقاتها القوية مع اليونان وقبرص بعد سنوات من التعاون بسبب التقارب مع أنقرة، ما يتطلب المزيد من التباحث الجاد، وترى القاهرة أهمية في تصفية الخلافات بدلا من تأجيلها.
وفيما يخص العلاقات مع الولايات المتحدة، أوضح تشاووش أوغلو ان المواضيع الخلافية لا تزال مستمرة مثل الدعم المقدم لوحدات حماية الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني، وقضية تنظيم "غولن" والعقوبات.
وتصنّف أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، "إرهابية". وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود.
وأشار إلى تأسيس لجنة استراتيجية بمقترح من الرئيس الأميركي جو بايدن، وأن الجانبين اتفقا على اجتماعها مرتين في السنة خلال زيارة وزير الخارجية انطوني بلينكن إلى أنقرة.
وقال "الهدف هو حل المشاكل القائمة، مع التركيز على الأجندة الإيجابية، ومن ناحية أخرى، نرى بوضوح أن الولايات المتحدة أحدثت خللا في التوازن لصالح اليونان وإدارة جنوب قبرص الرومية، ونلاحظ ذلك بالدعم الذي يقدمونه، كما أن اليونانيين انتهكوا وضع الجزر منزوعة السلاح وتقدموا بطلب لدى الأمم المتحدة بهذا الصدد".
وأضاف "بعض العربات المدرعة التي قدموها وصلت إلى الجزر، وأخيرًا رست غواصة في الجانب الرومي، وبهذا نرى أنها تخلخل التوازن".
كما شدد على ضرورة إقناع أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي المعترضين بخصوص شراء مقاتلات "إف-16" للعدول عن ذلك.
ولفت إلى وجود جهود في الولايات المتحدة من أجل إقناع الكونغرس حول "إف-16".
وردًا على سؤال حول سقوط مروحية شمالي العراق على متنها عناصر من وحدات حماية الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني، أوضح تشاووش أوغلو أن تركيا قالت دائما إن هناك دول غربية تدعم هذا التنظيم الإرهابي.
وأضاف "هناك إدارة السليمانية (شمالي العراق) يعني حزب طالباني (الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يزعمه بافل طالباني) وداخل إدارة إقليم شمال العراق هناك أربيل والسليمانية وبينهما صراعات كبيرة للغاية وتوتر شديد، ونحن بالطبع لا نتدخل بالشؤون الداخلية لهم، ولكن للتوتر أثر سلبيا على الجميع، وبالنتيجة فإن حزب طالباني يشتري هذه المروحيات من فرنسا ويخصصها لاستخدام هؤلاء الإرهابيين، والولايات المتحدة تسيطر على المجال الجوي لذلك فإنها على علم بتلك الطلعات الجوية".
وأكد تشاووش أوغلو أن تلك المروحيات ليست لوحدات حماية الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني وإنما خصصت من قبل إدارة السليمانية، مشددا أن المعلومات على بين أيديهم تؤكد عدم امتلاك التنظيم "الإرهابي" لطائرات.
ولفت أن عناصر العمال الكردستاني يستخدمون مطار السليمانية الدولي، ووصل نفوذهم إليه، مبينًا أنهم تسللوا تدريجيا ليس إلى الحزب والإدارة فقط بل إلى المطار والأماكن الاستراتيجية الأخرى.
وقال" يمكننا القول إن حزب العمال الكردستاني تتحكم بكل مكان في السليمانية، ولذلك أغلقنا المجال الجوي (أمام الرحلات الجوية من وإلى السليمانية)".
وشدد أن وحدات حماية الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني أهداف مشروعة لتركيا أينما كانوا، مضيفًا "عملياتنا ضد العمال الكردستاني شمالي العراق ستتواصل، وبنفس الشكل ستستمر في سوريا".
وتعرض قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي مساء الجمعة الماضي إلى محاولة اغتيال عبر استهداف موكبه بصاروخ أطلقته طائرة مسيرة قرب مطار السليمانية شماليّ العراق في هجوم نُسب إلى تركيا.
والشهر الماضي أعلنت قوات سوريا الديمقراطية مقتل تسعة من عناصرها، بينهم قيادي رفيع يرأس جهاز وحدات مكافحة الإرهاب في دهوك، جراء تحطم مروحيتين أثناء توجههما إلى إقليم كردستان في العراق المجاور.
وكانت تركيا سبقت المحاولة بإعلان إغلاق مجالها الجوي منذ مطلع الشهر الجاري أمام الطائرات القادمة من مطار السليمانية والمتجهة إليه، وذلك بعد أن تأكدت مصادر مخابراتها من اعتزام عبدي السفر إلى السليمانية للاجتماع مع حليفه بافل طالباني زعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
ويقول مراقبون إن الهجوم السريع الذي شنته حكومة أربيل ضد السليمانية، فور وقوع محاولة الاغتيال، يشير إلى أنها كانت على علم مسبق بالعملية التركية وقدمت لها تسهيلات استخبارية مسبقة. لاسيما وأن عبدي أصبح عدوا مشتركا لأنقرة وأربيل في آن معا.
فمن ناحية تعتبره أنقرة قائدا لقوة عسكرية هي جزء من حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تنظيما إرهابيا. ومن ناحية أخرى، لأنه بتحالفه مع بافل طالباني، تحول إلى مصدر تهديد لسلطة أسرة بارزاني في أربيل.
ينشط متمردو حزب العمال الكردستاني في مخيمات تدريب وقواعد خلفية لهم في شمال العراق، حيث تشنّ أنقرة التي تقيم منذ 25 عاماً قواعد عسكرية في المنطقة، ضربات جوية وعمليات عسكرية تستهدفهم مراراً.