تركيا تتقدم في فرض معادلتها الأمنية بشمال العراق على أرضية التفاهم المتزايد مع بغداد

دهوك (كردستان العراق) - أعلنت وزارة الدفاع التركية مجدّدا عن إلحاق خسائر بشرية في صفوف عناصر حزب العمال الكردستاني المنتشرة داخل مناطق بشمال العراق، وذلك في مظهر على التقدّم الذي باتت القوات التركية تحققه في حربها ضدّ الحزب في تلك المناطق وبشكل غير مسبوق على مدى العقود الأربعة لتلك الحرب الطويلة والمرهقة.
وتدين تركيا بذلك التقدّم للتطورات المشهودة في قوتها العسكرية واعتمادها المتزايد على التقنيات الحديثة التي امتلكت القدرة على تصنيعها محليا ومن بينها الطائرات المسيرة وأجهزة الرصد والتتبع والمناظير الدقيقة وغيرها، ولكن أيضا لمنظومة القواعد والنقاط العسكرية وشبكة المسالك التي أقامتها في مناطق كانت تعتبر معاقل للحزب في مناطق الشمال العراقي.
ولم تعد أنقرة مثلما كانت عليه الحال في السابق، مضطرة إلى خوض سجال ومناكفات سياسية وإعلامية مع بغداد بشأن تدخلها العسكري في مناطق شمال العراق، حيث أصبح ذلك التدخلّ موضع توافق تلقائي، وإن كان غير معلن بشكلي رسمي من قبل الجانبين.
◙ مشكلة المياه المطروحة بشدّة على العراقيين من ضمن أبرز القضايا التي تأمل بغداد في حلحلتها على أساس التفاهم والتنسيق متعدد المجالات مع الجانب التركي
وتمكنت حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال معادلة مزج الأمن بالتعاون الاقتصادي وملفات حيوية أخرى على رأسها ملف المياه من إحداث تغيّر نوعي في موقف الحكومة العراقية من حزب العمال الكردستاني الذي أصبح رسميا تنظيما محظورا في العراق، في انتظار أن يتمّ تصنيفه تنظيما إرهابيا من قبل بغداد وفقا لما تطالب به أنقرة وتعمل بلا هوادة على تحقيقه.
وفي تجسيد للموقف العراقي المستجد من الحزب، قال قاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي العراقي في تصريحات صحفية إنّ بلاده “تسعى لإخراج حزب العمال الكردستاني من أراضيها”.
وكان الأعرجي قد استقبل مؤخرا في بغداد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته للعراق وبحث معه “تطوير التعاون الثنائي بين البلدين في كافة المجالات لاسيما الملف الأمني والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات.”
وجدّد فيدان في تلك الزيارة دعوته للجانب العراقي إلى “شن معركة مشتركة للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية والمسلحين الأكراد في المنطقة.”
وكشف أنّه نقل مجدّدا لكبار المسؤولين في الدولة العراقية “توقعات تركيا من العراق بشأن تصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية”، قائلا “أود أن أؤكد بقوة على حقيقة أن الحزب يستهدف تركيا والعراق وسوريا. ومن أجل مستقبل منطقتنا وازدهار شعوبنا يتعين علينا أن نخوض معركة مشتركة ضد الإرهاب.”
وتحاول تركيا أن تدفع بتعاونها الأمني ضد حزب العمال الكردستاني ضمن سلة متكاملة من التعاون الشامل في مجال الاقتصاد وفي قضية المياه مستفيدة من قناعة متنامية لدى الحكومة العراقية بوجوب تنويع الشركاء الاقتصاديين أملا في تسريع عجلة التنمية المتباطئة بشدّة في البلاد وإيجاد مصادر أخرى للثروة والموارد للتخفيف ولو نسبيا من الاعتماد شبه الكامل على موارد النفط.
وعلى هذه الخلفية أصبح مشروع طريق التنمية الذي توافق العراق مع كل من تركيا والإمارات وقطر على إنشائه ليربط بمسلك بري وسكة حديد بين منطقة جنوب العراق المطلة على الخليج والحدود التركية شمالا أبرز عنوان للتعاون الاقتصادي والتنموي بين العراق ودول الإقليم بما فيها تركيا.
كما أصبحت مشكلة المياه المطروحة بشدّة على العراقيين جرّاء التغيّر المناخي وإسراف تركيا في استغلال مياه نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من أراضيها من ضمن أبرز القضايا التي تأمل بغداد في حلحلتها على أساس التفاهم والتقارب والتنسيق متعدد المجالات مع الجانب التركي.
◙ أنقرة لم تعد مضطرة إلى خوض سجال ومناكفات سياسية وإعلامية مع بغداد بشأن تدخلها العسكري في مناطق شمال العراق، حيث أصبح ذلك التدخلّ موضع توافق تلقائي
وبدأت السلطات العراقية مؤخرا تتحدث عن بوادر انفراجة في مشكلة المياه، حيث أعلن مسؤول كبير في وزارة الري عن تحسن ملحوظ في الإيرادات المائية لنهر الفرات بمعدلات تزيد عن 400 متر مكعب في الثانية، مرجعا ذلك إلى توافقات بشأن مياه النهر مع الجانبين التركي والسوري.
وبينما ينتظر العراق بدء الاستفادة الفعلية من التعاون والتنسيق مع تركيا تبدو الأخيرة بصدد الاستفادة بشكل فوري من تقاربها الكبير مع الجانب العراقي، من خلال فرض معادلتها الأمنية داخل الأراضي العراقية وتحقيق تقدم ملموس في الحرب ضدّ حزب العمّال الكردستاني.
ودأبت وزارة الدفاع التركية منذ تكثيف العمليات العسكرية وتوسيع نطاقها بمناطق شمال العراق على إعلان إلحاقها خسائر كبيرة في صفوف مقاتلي الحزب.
وأعلنت الوزارة، الجمعة، عن تحييد (قتل) ثمانية عناصر من حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. وقالت في بيان إن القوات التابعة لها “حيدت ثمانية إرهابيين في مناطق عملية المخلب – القفل بشمال العراق.”
ويقصد بالعملية المذكورة حملة عسكرية واسعة النطاق تشمل استخدام قوات على الأرض ووسائل قتال جوي من مروحيات ومسيّرات وغيرها كان الجيش التركي قد أطلقها في معاقل الحزب المذكور في مناطق متينا والزاب وأفاشين وباسيان بكردستان العراق.
ويتخذ الحزب منذ عقود من جبال قنديل بالشمال العراقي معقلا له وينشط بشكل أساسي في العديد من المناطق الوعرة التي تساعده في حرب العصابات التي امتلك خبرة طويلة في خوضها. وانطلاقا من تلك المناطق تشنّ مجموعات صغيرة من مقاتليه هجمات سريعة وخاطفة داخل الأراضي التركية. ووفقا لبيانات رسمية، تسبب الحزب في مقتل حوالي أربعين ألف شخص من مدنيين وعسكريين خلال حربه المستمرة ضد تركيا منذ ثمانينات القرن الماضي.