تركيا تتطلع إلى اقتناص فرص طفرة السياحة في السعودية

تسعى تركيا إلى بناء أسس استثمارية وثيقة مع السعودية في قطاع السياحة الذي يمر بطفرة كبيرة، وذلك في سياق محاولات تجديد روح التعاون مع أكبر اقتصاد عربي، لتحقيق مكاسب أكبر في المستقبل من خلال الاستفادة من رؤية 2030.
إسطنبول - تعلق تركيا آمالا كبيرة على تعزيز الانفتاح الاقتصادي مع السعودية من بوابة السياحة، في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط والعالم توترات تتطلب تكثيف التعاون والشراكات لمواجهة التحديات.
ويبدو تطلع أنقرة إلى التكامل مع أكبر اقتصاد عربي في صناعة السياحة، إحدى الفرص التي قد تخول لها الاستفادة من طفرة مشاريع القطاع في السعودية بفضل إستراتيجية التحول لتنويع مصادر الدخل.
وأكد وزير المالية التركي محمد شيمشك في مستهل أعمال المنتدى التركي – السعودي للاستثمار المنعقد في إسطنبول الجمعة أن بلاده يمكن أن تساهم في مساعدة السعودية على تحقيق أهدافها السياحية الطموحة. وقال “يمكن لتركيا أن تساعد في تحقيق هذه الأهداف، لأن المواسم لدينا لا تتداخل، فموسمهم السياحي هو الشتاء، وموسمنا هو بشكل عام الصيف والخريف”.
وأضاف “كما يمكن المساهمة ببناء وتشغيل المرافق، وأيضا نقل السياح عبر منظمي الرحلات بتركيا”. وتابع “ولهذا من مصلحتنا ومصلحتهم أن تتعاون السعودية وتركيا في هذه المجالات”.
وتريد أنقرة من هذه المساعي أيضا مساعدة شركات البناء التركية في البحث عن نشاطات خارجية، بسبب ركود قطاع الإنشاءات في السوق المحلية نتيجة الأزمة الاقتصادية وانحدار الليرة، الذي أدى إلى معاناتها من تراكم الديون.
وتعمل شركات الإنشاءات التركية على اقتناص فرص الانفتاح على السوق السعودية وبقية أسواق الخليج العربي في أعقاب التقارب بين أنقرة ودول المنطقة بعد جفاء لسنوات جراء المواقف المتباينة في العديد من الملفات السياسية الإقليمية والدولية.
ويقول متابعون إن زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى تركيا في يونيو 2022 بعد أقل من شهرين على أول زيارة يجريها الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الرياض منذ سنوات كانت دافعا قويا لتعزيز التعاون المثمر.
وقرر البلدان عقب الزيارتين العمل على بناء شراكات استثمارية واقتصادية وتجارية في كافة المجالات، الأمر الذي سيفتح الطريق مستقبلا أمام جني مكاسب أكبر وقد يمهد لتوسيع الأعمال.
وأوضح شيمشك أن بلاده تتمتع بخبرة هائلة في قطاع البناء، و”يمكن المساهمة في بناء وتشغيل المرافق والمساهمة في نقل السياح ويمكن لمنظمي الرحلات السياحية لدينا كسب المال واصطحاب السياح إلى هناك، تماما كما يجلبونهم إلى هنا (تركيا) في الصيف”. وتظهر المؤشرات أن تركيا من بين الخمسة الأوائل في العالم بمجال السياحة، وفي العام 2022 احتلت المرتبة الرابعة في عدد السياح.
وقال شيمشك “أرقامنا لعام 2023 واضحة وعندما تُعرف الأرقام العالمية فمن المحتمل أن نكون في المركز الثالث أو الرابع مرة أخرى، ولذا فإن تركيا تتمتع بخبرة كبيرة للغاية بهذا الصدد”.
وتعمل السعودية على تنفيذ مجموعة من المشاريع السياحية المتنوعة بمليارات الدولارات، في مقدمتها نيوم والقدية ووسط جدة ومشروع المربع الجديد، إلى جانب بوابة الدرعية وأمالا والبحر الأحمر.
ويطمح المسؤولون في البلد الخليجي إلى جذب 70 مليون سائح دولي سنويا حسب الهدف الذي حدده لنفسه بحلول عام 2030، وذلك لزيادة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 10 في المئة.
وقال وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب في المنتدى إن بلاده “ستعمل مع تركيا على الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى أعلى”، وستتخذ خطوات جادة للغاية في ما يتعلق بالبنية التحتية والتوسع الحضري.
وأضاف أن “السعودية ستطلب من الأصدقاء الأتراك المساعدة في مجالات الدفاع والبناء والمقاولات والسياحة والصناعة في إطار رؤية 2030”.
وخلال العام الماضي، استقطبت الوجهة السعودية نحو 27 مليون سائح من خارج البلاد أنفقوا 27 مليار دولار، بحسب تصريح سابق للخطيب.
وقال أثناء منتدى صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة) والقطاع الخاص، الذي احتضنته الرياض هذا الشهر، إن “إستراتيجية المملكة الجديدة تستهدف الوصول إلى 150 مليون سائح، 80 مليونا من الداخل و70 مليونا من الخارج”.
وتسعى الرياض أيضا إلى تعزيز بنيتها التحتية السياحية لاستيعاب نمو الزوار الوافدين خلال السنوات القادمة، حيث يبلغ عدد الغرف الفندقية المتاحة حاليا بها 280 ألف غرفة.
وتستهدف وزارة السياحة مضاعفة سعة الفنادق إلى 550 ألف غرفة من المستوى الفاخر بحلول عام 2030، وقد قامت مؤخرا بتوقيع عقود مع القطاع الخاص لإنشاء 75 ألف غرفة.
وكان الخطيب قد أكد الشهر الماضي أن بلاده تمضي في التوسع في تنفيذ مشاريع تهدف إلى تطوير القطاع السياحي وجذب الاستثمارات، بالإضافة إلى التنافس على 1.7 مليار سائح في العالم يبحثون عن أشياء جميعها موجودة في السعودية.
وتوقعت شركة لوسيدتي أنسايتس في أحد تقاريرها أن بحلول نهاية العقد الحالي ستكون 50 في المئة من الزيارات إلى السعودية لغرض الترفيه، تليها 32 في المئة للسياحة الدينية، و10 في المئة لزيارة الأصدقاء والأقارب، و9 في المئة زيارات أعمال.
ومن المتوقع أن يستمر تصدّر السعودية لقائمة وجهات السياحة في المنطقة خلال العامين الحالي والمقبل لمجموعة من العوامل تشمل تنوّع عروض السفر والحملات المكثفة التي تقوم بها السلطات للترويج للوجهة المحلية.
وسبق أن أشار مأمون حميدان، المدير العام لشركة وي غو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والهند، خلال مقابلة مع بلومبرغ الشرق إلى أن السعودية باتت تشكل محطة لجذب الشركات المشغلة للفنادق تزامنا مع المشاريع الكبيرة على غرار نيوم وذا لاين.
ورجح حميدان أن يتحقق التوازن بين السياحة الدينية والترفيهية في عام 2030، خاصة وأن سياحة الأعمال والسياحة الدينية شكلتا في العام الماضي نحو 60 في المئة من إجمالي نشاط القطاع في السعودية.
وكانت وي غو قد كشفت في تقرير تناول الوجهات الرائجة للسفر الدولي استمرار السعودية كوجهة أولى للسفر الدولي لدى المسافرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الربع الرابع من 2023، فيما حلت مصر ثانيا، والهند ثالثا.