تركيا تترقب نهجا أكثر صرامة للحكومة الألمانية الجديدة

تلقي مغادرة المستشارة الألمانية المنتهية ولايتها أنجيلا ميركل المشهد السياسي الأوروبي بظلالها على العلاقات الصعبة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، إذ يؤكد محللون أن حكومة المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس ستكون أكثر صرامة في التعامل مع أجندات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
برلين - يمثل رحيل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحديا بالنسبة إلى تركيا التي تنتظر بتوجس ملامح السياسة الخارجية للحكومة الألمانية الجديدة مع تولي أولاف شولتس منصب المستشار، فيما يؤكد مراقبون أن الحكومة الجديدة ستكون أكثر صرامة مع أنقرة خلافا لسياسات سابقتها التي توصف باللينة والهادئة في عدد من الملفات الخلافية.
ومع وزارة خارجية تقودها زعيمة حزب الخضر أنالينا بيربوك، قد تضطر تركيا إلى التكيف مع نهج أكثر صرامة للحكومة الألمانية الجديدة. فانتقاد الرئيس التركي أردوغان، على سبيل المثال في قضايا حقوق الإنسان، أمر كثير الحدوث بين ساسة حزب الخضر الألماني.
وفي ضوء سياسة اللجوء الأوروبية، وصفت بيربوك أردوغان في سبتمبر الماضي على أنه نموذج لـ”فاعل مناهض للديمقراطية” أصبح الأوروبيون “ألعوبة” في يده.
ويدعو حزب الخضر حتى الآن إلى إنهاء اتفاق اللاجئين. وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية مبرمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، شاركت ميركل في التفاوض عليها ودعمت إبرامها.
وخلال زيارة وداع لميركل كمستشارة إلى تركيا في منتصف أكتوبر الماضي، أكد أردوغان أنه يأمل في تعاون وثيق بين البلدين مع الحكومة الألمانية الجديدة. ولا يبقى سوى الانتظار لمعرفة كيف ستتطور العلاقات بين البلدين.

أنالينا بيربوك: رجب طيب أردوغان نموذج لفاعل مناهض للديمقراطية
وأشار أردوغان إلى أنه رغم بعض التوترات في العلاقات الثنائية مع ألمانيا في بعض الأوقات، إلا أن البلدين نجحا على الدوام في تجاوز تلك الخلافات والمضي بالعلاقات نحو الأمام.
وأوضح أن الحوار الوثيق مع ميركل لم يساهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين فحسب، بل في تقديم مساهمات كبيرة في سبيل إيجاد حلول للعديد من القضايا الإقليمية.
وأضاف أن المستشارة الألمانية لم تتوان عن اتخاذ خطوات في ملفات عديدة، أبرزها الحد من تدفق اللاجئين السوريين، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى شمالي سوريا، متقدما بالشكر إليها جراء مساعيها الصادقة من أجل إيجاد حل للأزمة السورية.
وبيّن أن خبرة ميركل الدبلوماسية تجلت أيضا بخصوص العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، مؤكدا أن تركيا ستقدر دوما مساهمات ميركل القيمة حول مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد رغم كافة الصعوبات والعوائق التي تعترض أنقرة في هذا الصدد.
وكانت العلاقات بين البلدين قد شهدت توترا كبيرا بعد الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 والتدابير التي تلته ضد المجتمع المدني.
وشهدت العلاقات بين تركيا وألمانيا توترا خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2017 بالتحديد تسبب سجن مواطنين ألمان في تركيا في ضغط شديد على العلاقة بين برلين وأنقرة.
ووصلت العلاقات إلى أدنى مستوى لها بعد أن هاجم أردوغان المستشارة شخصيا بمقارنات “نازية” في العام نفسه.
ورغم الخلافات والانتقادات العنيفة استطاعت ميركل أن تحافظ على علاقات لينة وهادئة مع الرئيس التركي وعرقلت مرارا فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على تركيا بسبب النزاع مع اليونان وقبرص في شرق المتوسط.
ويؤكد مراقبون أن وجود حزب الخضر في الائتلاف الحاكم الألماني سيمثل صداعا مزمنا لتركيا في العديد من الملفات التي استطاعت سابقا تلافي عقوبات أوروبية بسببها.
وتقول جيسكا برلين الكاتبة المتخصصة في الشؤون الخارجية الألمانية “يجب أن ننتظر كيف ستكون العلاقة بين ألمانيا وتركيا في عهد المستشار شولتس… شولتس يود استكمال السياسة الخارجية… رئيسة الحزب الأخضر تود التركيز على حقوق الإنسان ومواجهة الأنظمة السلطوية وقد يكون هناك رأي مختلف بكيفية التعامل مع تركيا”.
وليس سرا أن ميركل، التي تتولى منصبها منذ فترة طويلة، تعارض انضمام تركيا للكتلة الأوروبية. كما أن المحادثات بشأن انضمام تركيا للاتحاد متوقفة حاليا نتيجة للتوترات مع اليونان وقبرص. ومن ناحية أخرى، تستخدم ميركل الخطاب الاسترضائي تجاه أنقرة بالرغم من المصالح المتضاربة في العديد من القضايا.

وقال سفير تركيا السابق لدى فرنسا أولوك أوزولكر “يتعين أن نكون واقعيين. يعد غياب ميركل خسارة كبيرة لتركيا”.
وأضاف أوزولكر “كان نهجها المتوازن في التعامل مع تركيا مفيدا في تخفيف حدة التوترات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وكذلك في العلاقات الثنائية”.
وأوضح أنه “دون الاستقرار الذي كانت تجسده ميركل، فإن العلاقات الثنائية والعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي ستواجه جوانب من التقلبات والغموض”.
وفي 2016 انتزعت ميركل اتفاقا بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وهو ما قلل بنجاح عدد المهاجرين العابرين لبحر إيجه تجاه أوروبا. وبصفتها جزءا من الاتفاق، حصلت تركيا على دعم مالي.
وتعد تركيا نقطة عبور رئيسية لطالبي اللجوء في طريقهم إلى أوروبا، حيث تستضيف أكثر من 4 ملايين لاجئ، من بينهم 3.6 مليون سوري، في إطار حدودها.
وذكر مصدر قريب من حكومة أنقرة أن تركيا تحتاج إلى الاتحاد الأوروبي، أكبر شريك تجاري لها، بينما تحتاج ألمانيا والاتحاد الأوروبي إلى أنقرة لاتباع “سياسة متوازنة ومرضية للطرفين بشأن الهجرة”.
وأشار المصدر أيضا إلى أنه من المتوقع أن تكون الحكومة الألمانية الجديدة أكثر حساسية بشأن قضايا حقوق الإنسان وسيادة القانون والحريات الشخصية.
وقد يثير هذا السيناريو غضب أردوغان الذي اتهم الاتحاد الأوروبي مرارا بالفشل في دعم بلاده ضد “الإرهابيين” عقب محاولة انقلاب 2016.
وقالت تولين دال أوغلو، محللة مستقلة للسياسة الخارجية، إن الخلافات الحالية داخل الاتحاد الأوروبي قد تؤثر على مستقبل العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي عقب مغادرة ميركل منصبها.
وأضافت أن “أوروبا تدخل مرحلة من الشكوك”، وأن “الولايات المتحدة نقلت اتفاقها الأمني من أوروبا إلى شرق آسيا”.
وفي مواجهة الشكوك التي تواجه الاتحاد، ذكرت المحللة أن تركيا قد تواجه أيضا مشكلات إضافية في استراتيجيتها التي استمرت لعقود لتصبح عضوا في الاتحاد.