تركيا تتجاهل مخاطر فوضى الأسواق بتوسيع رقعة الديون

تجاهلت تركيا تكاليف الاقتراض المرتفعة وأسواق الدين المتقلبة بعد قرار الاحتياطي الأميركي رفع أسعار الفائدة، ودخلت مغامرة محفوفة بالمطبات عبر طرح سندات جديدة قد تزيد من مراكمة جبل الديون، في الوقت الذي يتراجع فيه تصنيفها السيادي جراء حالة عدم اليقين التي تعتري اقتصادها.
إسطنبول - كشفت مصادر مطلعة الجمعة أن تركيا المصنفة إلى جانب نيجيريا على درجة عالية من المخاطر، باعت سندات دولارية جديدة في الوقت الذي رفع فيه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي “البنك المركزي” أسعار الفائدة.
وذكرت المصادر، التي لم تكشف عن هويتها، لوكالة بلومبرغ أن وزارة الخزانة التركية التي يبدو أنها أظهرت استعدادا لدفع علاوة أكبر على الفوائد المستحقة، باعت سندات مقومة بالعملة الأميركية بقيمة ملياري دولار تستحق في عام 2027 بعائد يبلغ 8.6 في المئة.
وفاجأ توقيت طرح السندات المستثمرين بالنظر إلى ارتفاع العائدات في كافة أنحاء العالم، حيث رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة وزادت أسعار السلع منذ بداية الحرب الروسية - الأوكرانية، التي تهدد بزيادة التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.
وكان الاحتياطي الأميركي قد رفع سعر الفائدة الأربعاء الماضي بواقع ربع نقطة مئوية لتصل إلى 0.5 في المئة، لمواجهة التضخم الذي وصل إلى مستوى هو الأكبر في الولايات المتحدة منذ أربعة عقود بسبب الأزمة الأوكرانية.

إدوين غوتيريز: على تركيا إنجاز صفقاتها الآن في السوق المتقلبة
وهذا التحرك دفع العديد من البنوك المركزية حول العالم مثل دول الخليج والأردن إلى مجاراة هذا الوضع الجديد، لكن بنوكا مركزية أخرى أبقت على أسعار الفائدة، ومن بينها تركيا التي ثبتته للشهر الرابع على التوالي عند نحو 14 في المئة.
وتعليقا على هذه العملية قال إدوين غوتيريز، رئيس الديون السيادية للأسواق الناشئة في أبردين أسيت مانجمنت في لندن، لبلومبرغ إن تركيا التي صنفتها وكالة ستاندرد أند بورز عند بي+ يتعين عليها “الدفع لإنجاز صفقاتها الآن في السوق المتقلبة”.
وكانت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية قد خفضت بدورها الديون السيادية لتركيا طويلة الأجل الشهر الماضي إلى مستوى أقل من بي.بي- إلى بي+، مما جعل البلد العضو في مجموعة العشرين متساويا مع الدول ذات الاقتصادات الأضعف مثل كينيا وتركمانستان.
وأجبرت الأزمة المالية المستمرة في تركيا السلطات على طرق باب أسواق الدين الدولية مرة أخرى، رغم ما تروجه السلطات إلى أن خطتها التي يتبناها الرئيس رجب طيب أردوغان لا تستدعي جمع سيولة من باب الاقتراض.
وطرقت تركيا أسواق الدين الدولية في فبراير الماضي، حيث طرحت سندات إسلامية بقيمة ثلاثة مليارات دولار، في أول بيع سندات مقومة بالدولار الأميركي منذ سبتمبر 2021، قبل خفض غير تقليدي لسعر الفائدة على الرغم من ارتفاع التضخم، أدى إلى تدهور الليرة.
وأظهرت وثيقة من أحد البنوك بشأن الصفقة أن تركيا باعت السندات عند سعر فائدة بنحو 7.25 في المئة، وهو أقل من التوقعات الأولية التي تراوحت بين 7.5 في المئة و7.62 في المئة، بعد أن تجاوزت الطلبات 10.75 مليار دولار.
وفي حين كانت أنقرة قادرة على خفض تكلفة ذلك الإصدار بمقدار 25 نقطة أساس من السعر المستهدف الأولي، تم إطلاق السندات بعلاوة تبلغ حوالي 60 نقطة أساس على السندات المعلقة التي تستحق قبل ستة أشهر فقط وتنتج حاليا 8.1 في المئة.
ودخل الاقتصاد التركي في حالة اضطراب أواخر العام الماضي، حيث خفض البنك المركزي سعر أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس إلى 14 منذ سبتمبر الماضي.
لكن تلك الخطوات جاءت بنتائج عكسية تجلت في إنهاء العملة المحلية العام الماضي على انخفاض بواقع 44 في المئة أمام العملة الأميركية، وهو أسوأ أداء لها خلال فترة حكم الرئيس رجب طيب أردوغان منذ عقدين.
وقد أدى انخفاض قيمة الليرة في نهاية الأمر إلى ارتفاع جنوني في التضخم الذي تجاوز الخمسين في المئة، وهو أعلى مستوى له منذ العام 2020، في حين يقول خبراء إن الرقم الحقيقي لأسعار الاستهلاك عند نحو 115 في المئة.
واستقرت الليرة إلى حد كبير هذا العام، بعد أن أعلن أردوغان عن خطة جديدة لحماية الودائع بالليرة، وتدخلات حكومية مكلفة في سوق العملات وصفقة تبادل عملات محلية مع الإمارات العربية المتحدة.
ورغم أن كونستانتين روزانتسيف، المحلل في بنك جي.بي مورغان الأميركي، يعتقد أن ثمة استقرارا في سوق الائتمان التركي على المدى القريب جدا، إلا أنه حذر من المخاطر الكبيرة لاحقا في ظل مستوى التضخم المرتفع.
ووفقا لمؤشر بلومبرغ الذي يتتبع ديون الشركات في الأسواق الناشئة، تفوق أداء الديون التركية على نظيراتها من البلدان النامية على مدى العقد الماضي، حيث حققت عوائد بنسبة 82 في المئة مقارنة بمتوسط 66 في المئة لفئة الأصول.
ولعبت الزيادة في أرباح البنوك في العام الماضي دورا في مصلحة المضاربين على الارتفاع، فقد أعلنت شركة غارانت، التي يسيطر عليها بنك بيلباو فيزكاي أرجنتاريا الإسباني، على سبيل المثال، عن زيادة أرباحها بنسبة 109 في المئة العام الماضي.
وقال دوج بيتكون، رئيس استراتيجيات الائتمان في بنك رسملة للاستثمار، “ما زلنا نحافظ على وزن تركيا المنخفض بسبب ارتفاع حالة عدم اليقين”.
وتظهر بيانات وزارة المالية التركية أن الدين العام للحكومة زاد بنسبة 109 في المئة، منذ تطبيق النظام الرئاسي الذي تطالب المعارضة بإلغائه والعودة إلى النظام البرلماني.
وكان الدين العام للحكومة عند مستوى 115 مليار دولار في يونيو 2018، وقد شكلت الديون بالعملة الصعبة نحو 42 في المئة، أي ما يعادل 48.7 مليار دولار.
وفي الإجمال يبلغ الدين الداخلي نحو 250 مليار دولار، وتشكل 36 في المئة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي، وهي مقارنة بالدول النامية تُعتبر نسبة غير مرتفعة، لكن بقية الدول النامية تتمتع بسهولة في الوصول إلى ديون خارجية وبأسعار فائدة أقل.