ترقب في مسقط.. هل تطفئ المحادثات الأميركية الإيرانية حرائق الشرق الأوسط

أجواء مشحونة تسبق المحادثات، حيث تتصادم رغبة إيران في اتفاق "عادل ومشرف" مع تلويح ترامب باستخدام في حال فشل التوصل إلى صفقة جديدة.
السبت 2025/04/12
هل تنجح الدبلوماسية في تجاوز هوة الخلاف الأميركي الإيراني

مسقط – تتجه أنظار العالم اليوم السبت إلى العاصمة العمانية مسقط، حيث تجري محادثات رفيعة المستوى بين الولايات المتحدة وإيران، تهدف إلى فتح مسار لمفاوضات جديدة حول البرنامج النووي الإيراني الذي يشهد تطورا متسارعا.

وتأتي هذه اللقاءات في ظل تصريحات متباينة، حيث أكد وزير الخارجية الإيراني لدى وصوله إلى مسقط على سعي بلاده لاتفاق "عادل ومشرف"، بينما لوّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخيار العمل العسكري في حال فشل التوصل إلى صفقة جديدة.

وستكون هذه المحادثات الأعلى مستوى بهذا الشأن منذ انسحب الرئيس الأميركي ترامب في 2018 خلال ولايته الأولى من الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني المبرم العام 2015 بين إيران والقوى العظمى حول برنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات عنها.

وقبيل المحادثات، قال عراقجي بحسب مقطع فيديو نشره التلفزيون الرسمي قبل المحادثات إن "نيتنا هي التوصل إلى اتفاق عادل ومشرف على أساس المساواة. وإذا تبنى الطرف الآخر أيضا الموقف نفسه، فمن المأمول أن تكون هناك فرصة للتوصل إلى تفاهم أولي يفضي إلى مسار تفاوضي".

وتسعى إيران التي أضعفت حربان خاضتهما إسرائيل في قطاع غزة ولبنان حليفين رئيسيين لها هما حركة حماس وحزب الله، إلى تخفيف وطأة العقوبات المفروضة عليها منذ سنوات طويلة والتي تخنق اقتصادها.

ووافقت طهران على هذا اللقاء رغم معارضتها لسياسة "الضغوط القصوى" التي تنهجها إدارة ترامب حيالها والتهديدات العسكرية المتكررة.

وفي المقابل تسعى الولايات المتحدة ومعها حليفتها الكبيرة إسرائيل عدوة طهران اللدودة، إلى الحؤول دون اقتراب إيران من امتلاك السلاح النووي.

وفي مؤشر إلى التباعد بين الجانبين، لم يتم تأكيد صيغة المحادثات حتى الآن، إذ وصفتها الولايات المتحدة بأنها "مباشرة"، بينما تصرّ إيران على وجود وسيط.

وبعد وصوله إلى مسقط جدد عراقجي موقف إيران من المحادثات "غير المباشرة" خلال لقائه بنظيره العماني بدربن حمد البوسعيدي على ما جاء في بيان إيراني.

وأوضحت وزارة الخارجية الإيرانية "عراقجي عرض على نظيره العماني أسس إيران ومواقفها من المحادثات لنقلها إلى الطرف الآخر".

إيران تصر على أن المحادثات غير مباشرة
إيران تصر على أن المحادثات غير مباشرة

ويرتقب أن يقود مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف الوفد الأميركي في عمان التي لطالما قامت بدور الوسيط بين إيران والدول الغربية.

وقال ويتكوف لصحيفة وول ستريت جورنال "موقفنا اليوم" ينطلق بمطالبة إيران بتفكيك برنامجها النووي بالكامل وهو موقف يتمسك به المتشددون في أوساط ترامب لكن لا يتوقع كثيرون أن تقبل به إيران.

وأضاف "هذا لا يعني بأننا على هامش ذلك لن نجد طرقا أخرى للتوصل إلى تسوية بين البلدين" مؤكدا أن "الخط الأحمر بالنسبة لنا هو عدم إضفاء الطابع العسركي على القدرة النووية" الإيرانية.

وفاد مسؤول إيراني لوكالة رويترز بأن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يمتلك الكلمة الفصل في القضايا الرئيسية للدولة في هيكل السلطة المعقد في إيران، قد منح وزير الخارجية عباس عراقجي "السلطة الكاملة" في هذه المحادثات. 

وقال المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الأمر، إن "مدة المحادثات، التي ستقتصر على القضية النووية، ستعتمد على جدية الجانب الأميركي وحسن نيته". وقد استبعدت إيران التفاوض بشأن قدراتها الدفاعية، مثل برنامجها الصاروخي.

وأعلن ترامب عن المحادثات بشكل مفاجئ قبل أيام قليلة خلال حديث أمام صحافيين في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وقبل ساعات على بدء المحادثات، قال ترامب الجمعة لصحافيين في طائرة الرئاسة الأميركية "اير فورس وان"، "أريد أن تكون إيران دولة رائعة وعظيمة وسعيدة. لكن لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي".

وأكد علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الجمعة، أن إيران تبحث عن اتفاق "واقعي وعادل" مع الولايات المتحدة مضيفا أن "اقتراحات مهمة وقابلة للتطبيق باتت جاهزة".

وتأتي المحادثات بين الجانبين اللذين لا تربطهما علاقات دبلوماسية منذ عقود، عقب تهديدات متكررة بشن عمل عسكري من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل على الجمهورية الإسلامية.

وقال ترامب الأربعاء، ردا على سؤال عما سيحدث إذا فشلت المحادثات في التوصل إلى اتفاق، إنه "إذا تطلب الأمر تدخلا عسكريا، فسيكون هناك تدخل عسكري".

وردا على تهديد ترامب، قالت إيران إنها قد تطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو ما حذرت الولايات المتحدة من أنه سيكون "تصعيدا".

وكان اتفاق 2015 الذي انسحبت منه واشنطن بعد ثلاث سنوات يهدف إلى الحؤول دون امتلاك إيران السلاح الذري.

وكانت المملكة المتحدة والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا الأطراف الأخرى في الاتفاق الذي كان عراقجي أحد مهندسيه.

وتؤكد طهران أن برنامجها النووي مخصص للأغراض المدنية فقط.

وبعد انسحاب واشنطن الأحادي من الاتفاق، تراجعت إيران عن التزاماتها تدريجا. ومطلع ديسمبر، أعلنت أنها بدأت تغذية أجهزة طرد مركزي جديدة في موقع فوردو "ما من شأنه على المدى الطويل إحداث زيادة كبيرة في معدل إنتاج اليورانيوم المخصب عند مستوى 60 بالمئة"، وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وقدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها الأخير أن إيران تمتلك 274.8 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، معربة عن "قلق عميق".

وببلوغها عتبة تخصيب عند مستوى 60 بالمئة، تقترب إيران من نسبة 90 بالمئة اللازمة لصنع سلاح نووي.

وقال علي فايز من مجموعة الأزمات الدولية لوكالة فرانس برس إن الاتفاق على نطاق المحادثات سيكون "إحدى القضايا الأولى والأكثر أهمية" مضيفا أن "إيران لا ترغب في جدول أعمال واسع في المراحل المبكرة. لكن لن يكون أي اتفاق مستداما ما لم يصبح أكثر شمولا".

وأشار فايز إلى أن إيران "يُحتمل أن تنخرط في خطوات لخفض برنامجها النووي، ولكن ليس تفكيكه تماما" في مقابل تخفيف العقوبات.

من جهته، رأى رئيس جمعية الصحافيين العمانية محمد العريمي أنّ المفاوضات قد تستمر "شهورا" وقد تشمل "ربما ملفات عالقة كملفات الصواريخ الايرانية التي طورتها خلال السنوات الماضية (..) وأمن الممرات المائية".

من جهته، اعتبر كريم بيطار المحاضر بدراسات الشرق الأوسط في كلية العلوم السياسية في باريس، أن المفاوضات "لن ترتكز حصرا على (...) البرنامج النووي".

وأضاف لفرانس برس "لا بد من أن يشمل الاتفاق توقف إيران عن دعم حلفائها الإقليميين"، وهو مطلب قديم من حلفاء الولايات المتحدة في الخليج.

ورأى بيطار أن "الأولوية الوحيدة لإيران هي استمرارية النظام، واحتمال الحصول على بعض الأكسجين، بتخفيف بعض العقوبات، لاستعادة زخمها الاقتصادي مرة أخرى، لأن شعبية النظام تراجعت بشكل كبير".

وتواجهت إيران وإسرائيل للمرة الأولى بشكل مباشر في أكتوبر بعد تصاعد التوترات عقب اغتيال قيادات من حزب الله وحماس والحرس الثوري الإيراني، على خلفية الحرب في غزة.

.