ترشح المكي للرئاسة: تحدّ للنهضة أم مناورة لتجنب الصدام مع السلطة

الخطوة تضعف قرار المقاطعة الذي تلوّح به جبهة الخلاص.
الثلاثاء 2024/06/25
هل يوفر المكي بديلا للغنوشي

تونس – أعلن عبداللطيف المكي الأمين العام لحزب العمل والإنجاز، المنشق عن حركة النهضة الإسلامية، ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، في خطوة تثير الكثير من التساؤلات بشأن علاقتها بحركة النهضة وجبهة الخلاص التي يرأسها أحمد نجيب الشابي.

وتقول أوساط مقربة من حركة النهضة إن ترشيح المكي للانتخابات الرئاسية ليس مدعوما من الحركة بشكل مباشر، وليس هناك قرار يقضي بدعمه خلال الحملة الانتخابية أو الدعوة إلى انتخابه كمرشح للحركة، لكن ذلك لا يمنع أن يستفيد القيادي التاريخي من فرص الدعم غير المعلن لماكينة الحركة.

وتشير الأوساط نفسها إلى أن النهضة لا تنوي تقديم مرشح أو دعم مرشح واضح بمن في ذلك أحمد نجيب الشابي، وأن ضبابية الموقف من المقاطعة الذي اتخذته جبهة الخلاص ستمنح الحركة حرية المناورة والتحرك من وراء الستار لتزكية هذا أو ذلك من دون أن يكون لذلك تأثير على علاقتها بجبهة الخلاص أو يثير ردّ فعل لدى شق من أنصارها يطالب بمقاطعة الانتخابات كليا.

المنذر ثابت: المكي أحد أبواب الحل السياسي في مرحلة ما بعد الغنوشي
المنذر ثابت: المكي أحد أبواب الحل السياسي في مرحلة ما بعد الغنوشي

لكن موقف المكي يلقى دعما من شق داخل الحركة يؤمن بضرورة القطع مع الماضي وأن تختار النهضة سياسة جديدة تقوم على عدم الصدام مع السلطة بأي شكل، ويعتبر أن إعلان مقاطعة الانتخابات يمكن أن يستفز الرئيس قيس سعيد ويدفعه إلى التشدد أكثر في ملف النهضة، وهو موضوع مازال مفتوحا في ظل توقيف كبار قادة الحركة وإثارة ملفات كثيرة ضدها.

ويعتبر الشق البراغماتي الداعم لخيار التهدئة مع السلطة أن المكي اتخذ الخطوة السليمة ويجب إسناده لإظهار أن الحركة لديها قيادات تؤمن بضرورة الجلوس مع السلطة إلى طاولة الحوار حتى لو اختلفتا في تقييم الملفات والمواقف. وقد لا يمثل هذا التمشي خيارا قويا داخل الحركة، لكنْ له أنصار وداعمون كانوا قد تفاعلوا مع الاستقالات والانشقاقات التي حصلت في فترات سابقة، والتي كانت تهدف إلى تحرير قرار الحركة من قبضة رئيسها راشد الغنوشي لكن اعتقاله حد من الجدل والنقاشات غير أنه لم ينهها.

ومن الانتقادات التي كان يوجهها بعض المنشقين عن النهضة، سواء منهم الذين انضموا إلى الحزب الجديد أو الذين استمروا داخل الحركة، استمرار الغنوشي في كرسي الرئاسة لعقود، وأنه لا يستمع لمن حوله، بالرغم من وجود مؤسسات يفترض أنها صاحبة القرار.

ويتساءل مراقبون عما إذا كان المكي قادرا على تبني سياسة إصلاحية براغماتية قادرة على إنهاء مرحلة التشدد الحزبي في عهد الغنوشي وقادت الحركة إلى الصدام مع الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، ومهدت للتصعيد مع قيس سعيد.

وقال المحلل السياسي التونسي المنذر ثابت إن “المكي منذ فترة طويلة وقبل إجراءات 25 يوليو 2021 هو مرشّح لخلافة الغنوشي داخل الحركة، والبداية كانت بصراع الأجنحة في النهضة وخصوصا بين لوبيّيْ الجنوب والشمال الغربي”.

وأضاف ثابت في تصريح لـ”العرب” أن “تحرك المكي يؤخذ بعين الاعتبار في سياق الحراك الداخلي للنهضة، ولكن لا أعتقد أن يسلّم رموز النهضة المشعل إلى المكي عن طواعية، ومع ذلك يمكن أن يكون التحرك فرصة سانحة للإسلاميين وقد يكون نافذة أمل للحركة”.

وتابع ثابت “ترشح المكي هو محاولة للضغط وفرض نفسه كبديل، ويريد أن يكون إحدى بوابات الحل السياسي في المستقبل وفي مرحلة ما بعد الغنوشي”.

واستطرد قائلا ” تقريبا حركة النهضة دخلت في مرحلة ما بعد الغنوشي”.

ولا يُعرف ما إذا كان حزب العمل والإنجاز سينأى بنفسه عن النهضة ويحدث معها قطيعة تنظيمية وسياسية -باعتبار أن الانشقاق عنها كان بسبب خلافات جوهرية، منها ما يتعلق بطريقة القيادة ومعارضة سيطرة الغنوشي على رئاسة الحركة لسنوات طويلة واحتكار القرار وتهميش المؤسسات وبعضها الآخر يتعلق باتهام الحركة بتهميش البعد الاجتماعي لصالح العمل السياسي وخيار التصعيد مع السلطة- أم أنه سيعيد إنتاج تجربة النهضة من خلال تضخيم دور القيادة.

هل المكي قادر على تبني سياسة إصلاحية براغماتية قادرة على إنهاء مرحلة التشدد الحزبي في عهد الغنوشي

وقال المكي في تصريحات سابقة إن “حزب العمل والإنجاز هو حزب محافظ ديمقراطي اجتماعي ووطني، ونعني بكلمة محافظ المحافظة على مكتسبات الأجيال التي سبقتنا بما يخلق فكرا تراكميا ضد فكر القطيع الذي يسود اليوم والمحافظة على القيم التي تبني هوية المجتمع”.

وتم إعلان تأسيس حزب العمل والإنجاز في 28 يونيو 2022، من قبل عدة شخصيات منشقة عن حركة النهضة. ومن بين هذه الشخصيات قيادات سابقة في النهضة مثل وزير الزراعة الأسبق محمد بن سالم، ووزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية الأسبق سمير ديلو.

ولا شك أن ترشيح المكي لنفسه في تحد لقرار المقاطعة الذي اعتمدته جبهة الخلاص سيقود إلى خلافات جديدة داخلها، وقد يؤدي إلى إعلان انسحابات منها بالرغم من أن رئيس الجبهة لم يكن يحظى بدعم واضح بسبب تقدمه في العمر (حوالي 80 سنة)، كما أنه لا يمتلك شعبية حتى أن اسمه لا يأتي ضمن استطلاعات الرأي، ما يجعل الاعتماد عليه لمنافسة قيس سعيد محسوما سلفا لفائدة الرئيس الحالي.

وسيكون موقف النهضة هو الحاسم في تحديد اسم المرشح. لكن تجربة الشابي مع النهضة على هذا المستوى غير مطمئنة، فكثيرا ما راهن على دعمها، لكنها كانت تختار غيره مثل دعم المنصف المرزوقي في 2011.

وقال الأمين العام لحركة النهضة العجمي الوريمي في تصريحات سابقة إن الحركة لن تقدم مرشحا حزبيا للانتخابات الرئاسية لسنة 2024، وهو ما يفتح الباب لدعم الشابي.

1