ترسانة من التشريعات تثير المخاوف والتساؤلات في الجزائر

تتجه وزارة العدل الجزائرية نحو عرض نصوص تشريعية جديدة على البرلمان لمراجعتها، وسط مخاوف سياسية وشعبية من تحجيم هامش الحقوق والحريات في البلاد، وتغليب الحكومة لكفة النيابة العامة، على حساب دور الدفاع.
الجزائر - كشف وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة عن محتوي نصين تشريعيين يتعلقان بتعديل القانون الجزائري، وحالة التعبئة العامة، واللذين سيعرضان على البرلمان من أجل المناقشة والمصادقة، غير أن الأوساط الحقوقية والسياسية أبدت مخاوفها من تعمد السلطة المضي قدما في إجراءات التقييد والتضييق على الحقوق والحريات، لاسيما في ما يتعلق بتوسع صلاحيات النيابة العامة على حساب حق الدفاع وقرينة البراءة، فضلا عن خلفيات وأسباب التمهيد لإعلان حالة التعبئة العامة في البلاد.
وعبّر الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين في الجزائر عن مخاوفه من إمكانية تمرير مشروع التعديلات التي أدرجت على قانون الإجراءات الجزائرية، بسبب إفراط الحكومة في تغليب كفة النيابة العامة، على حساب دور الدفاع، الذي يمثل حلقة مهمة في تكريس الحقوق الأساسية في حالة الاشتباه، فضلا عن تعزيز بعض الممارسات المثيرة للجدل، كتحويل الحبس المؤقت إلى قاعدة عامة، وبعض الإجراءات المرافقة لعملية التحقيق.
وبموازاة ذلك تتزايد الاستفهامات حول الأسباب والخلفيات الحقيقية لطرح مشروع قانون التعبئة العامة أمام البرلمان، خاصة وأن المسألة ترتبط بالوضعيات الاستثنائية كالحروب والكوارث، وهو ما لا يطرح في الظرف الراهن رغم التجاذبات الجيوسياسية في المنطقة، ولذلك لا يستبعد البعض أن يكون القانون المذكور مطية للمزيد من الغلق السياسي والإعلامي في البلاد، في حالة ما تم إعلانه من طرف رئيس الجمهورية.
الاستفهامات تتزايد في الجزائر حول الأسباب والخلفيات الحقيقية لطرح مشروع قانون التعبئة العامة أمام البرلمان
وأعرب الاتحاد الوطني لمنظمات المحامين، في بيان وجه إلى رئيس المجلس الشعبي الوطني، (الغرفة الثانية للبرلمان)، ووزير العدل، عن “رفضه الصريح لمشروع قانون الإجراءات الجزائية” المعروض حاليا على البرلمان، داعيا إلى إشراك جميع الفاعلين في القطاع، لاسيما قطاع المحامين في مشاورات موسعة لإثراء وبلورة المشروع.
وأبرز المصدر استغراب الاتحاد من توقيت عرض هذا النص القانوني الحساس، الذي تزامن مع انتخابات تجديد هياكل منظمات المحامين، لاسيما وأن التنظيم المهني الذي يضم أكثر من 60 ألف محام ومحامية، كان قد سجل عدة تحفظات جوهرية على المشروع، حيث عقد خمس جلسات عمل مع إطارات وزارة العدل تم خلالها الاتفاق على حذف بنود وتعديل أخرى.
واستعرض البيان جملة من المآخذ التقنية والجوهرية على المشروع، خاصة في ما يتعلق بنظام المثول الفوري الذي أثبت عدم جدواه، وساهم في ارتفاع عدد المحبوسين احتياطيا، وتركيبة محكمة الجنايات، وتعزيز صلاحيات الضبطية القضائية في حالات الاشتباه، واللجوء إلى انتهاك خصوصيات وممتلكات وحتى التشهير في حق هؤلاء، قبل أن تثبت التهم في حقهم.
وخلال عرضه للمشروع، على اللجنة البرلمانية المختصة، أكد وزير العدل لطفي بوجمعة على أن “مشروع قانون الإجراءات الجزائية الجديد يهدف إلى حماية المال العام والاقتصاد الوطني من خلال إدراج إجراءات بديلة للمتابعات الجزائية تجاه الأشخاص المعنوية، ومواكبة التطورات التي يعرفها المجتمع وتوفر حماية الحقوق والحريات بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر.”
ولفت إلى أن مشروع القانون يتضمن “تعديلات هامة تندرج في وضع إجراءات بديلة للمتابعة الجزائية للأشخاص المعنوية، على غرار إرجاء المتابعة الجزائية في بعض الجنح المحددة على سبيل الحصر، مقابل إرجاع الأموال والممتلكات والعائدات المتصرف فيها أو المحولة خارج التراب الوطني أو ما يمثل قيمتها ودفع كامل المبالغ المستحقة للخزينة العمومية.”
مشروع القانون يتضمن تعديلات هامة تندرج في وضع إجراءات بديلة للمتابعة الجزائية للأشخاص المعنوية
وتابع “التعديلات تتضمن إنشاء وكالة وطنية تتكفل بتسيير الأموال المجمدة أو المحجوزة أو المصادرة لسد الفراغ المؤسساتي في مجال تسيير العائدات الإجرامية، وتشمل مهامها أيضا الأموال والممتلكات الموضوعة محل إجراءات تحفظية والقيام بعملية استرداد الأملاك والأموال المهربة خارج التراب الوطني.”
وشدد على أن الأحكام الجديدة تهدف إلى “تعزيز الوساطة كآلية بديلة للمتابعة الجزائية، وكذلك الإبقاء على نظام المحلفين في الجنايات مع تخفيض العدد إلى اثنين بدلا من أربعة بالنسبة إلى محكمة الجنايات الابتدائية والاستئنافية، وتعزيز صلاحيات النيابة العامة.”
وأضاف “ستسمح الأحكام الجديدة التي ينطوي عليها النص المذكور بتعزيز حقوق الأفراد وحرياتهم، لاسيما من خلال تكريس حق التظلم أمام النائب العام وتعزيز حقوق الدفاع عبر كافة مراحل الدعوة العمومية، وإعادة تنظيم الأقطاب القضائية الجزائية وضبط صلاحياتها.”
من جهة أخرى، كشف وزير العدل، خلال الحديث عن مشروع قانون يتعلق بالتعبئة العامة، بأن المشروع يتكون من 69 بندا، يدمج جميع القطاعات والمجتمع المدني ولا يقتصر على المؤسسات العسكرية، وأن القانون يندرج ضمن جهود الدولة لتعزيز القدرة الدفاعية للأمة، في ظل التحديات المباشرة التي تهدد استقرار البلاد، وأن المشروع يهدف إلى إضافة لبنة جديدة إلى المنظومة القانونية التي تنظّم هذا المجال.
وكشف المتحدث عن “عقوبات بالحبس والغرامات خاصة ضد الذين يسيئون استخدام الممتلكات المسخرة أو يمتنعون عن تقديم المعلومات المطلوبة، إلى جانب عقوبات تسلط على من ينشر معلومات قد تؤثر سلبا على سير التعبئة العامة أو يمتنع عن تبليغ السلطات عن الأفراد المشبوهين.”
ويتضمن المشروع عقوبات بالسجن والغرامات المالية، في حق من يؤثّر سلبا على سير العمليات العسكرية، مثل الأخبار الكاذبة أو المعلومات المضللة التي قد تخلق الفوضى أو تهدد الأمن القومي.
ولفت إلى أن القانون، يأتي استجابة لأحكام البند 99 من الدستور، حيث يوضّح مفهوم التعبئة العامة وأهدافها ليُشكل منظومة متكاملة، ووضع إعلانها وإنهاءها ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية، بعد استشارة المجلس الأعلى للأمن، ورئيسي غرفتي البرلمان، (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمن).