ترسانة قانونية لتنظيم الإعلام الجزائري وتكريس الرقابة

مداخلات نواب مجلس الشعب تظهر استياء من أداء الإعلام الجزائري وعدم فاعليته.
الأربعاء 2023/11/08
عناوين كثيرة اختفت

انضم مشروع قانون جديد يتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية إلى مشروعين سابقين لتنظيم الإعلام في الجزائر وحماية النشاط من سلطة “أرباب المال والأعمال”، بينما يرى متابعون أن مشاريع القوانين تمثل تكريسا للرقابة.

الجزائر - ناقش نواب مجلس الشعب الجزائري الثلاثاء، مشروع قانون يتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية، الذي ينضم إلى نصين آخرين لاستكمال التشريعات الإعلامية الجديدة، التي تعتمد لأول مرة في تاريخ الجزائر على ثلاثة نصوص قانونية بدل نص واحد، بينما يبقى التساؤل حول إمكانية هذه الترسانة القانونية في انتشال القطاع من أزماته، وجعله مؤثرا لدى الرأي العام.

وعرضت هذه المشاريع الثلاثة التي تتعلق بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية والنشاط السمعي البصري على نواب المجلس الشعبي الوطني للمناقشة العلنية، ابتداء من النصف الثاني من شهر أكتوبر الماضي، قبل التوجه نحو تنصيب المؤسسات المؤطرة للمهنة من سلطات الضبط ومجلس الآداب والأخلاقيات.

ويمنح النص بعدا رقابيا واستشاريا للسلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري، إلى جانب تأطيرها للمضمون السمعي البصري الذي يبث على الإنترنت، ما يعني تشديد الرقابة على المحتوى الذي يتم بثه في وسائل الإعلام كافة وعلى الإنترنت.

وسبق لوزير الاتصال محمد لعقاب التأكيد على أن استكمال المنظومة التشريعية يمثل أولوية، قبل التوجه نحو تنصيب المؤسسات المؤطرة والمتمثلة في سلطة ضبط الصحافة الإلكترونية والصحافة المكتوبة وتعزيز دور السلطة الوطنية للنشاط السمعي البصري، إلى جانب تنصيب مجلس آداب وأخلاقيات المهنة. ومن أبرز تدابير القانون حماية النشاط من سلطة “أرباب المال والأعمال، من خلال تحديد سقف المساهمات فيه، باعتبار الإعلام رسالة قبل أن يكون تجارة”.

◙ القوانين من شأنها تعزيز الرقابة على الصحافيين والناشطين في الفضاء الإلكتروني، وملاحقتهم على نحو غير عادل

وأظهرت مداخلات نواب مجلس الشعب استياء واضحا من أداء الإعلام الجزائري وعدم فاعليته في التأثير على الرأي والدفاع عن وجهة نظر السلطة، وطالب البعض بتوفير بيئة اجتماعية واقتصادية لوسائل الإعلام للقيام بهذا الدور.

واعتبر النائب عن التجمع الوطني الديمقراطي حليم بن شريف أنه “لا يمكن الوصول إلى إعلام احترافي إلا بتوفير مناخ اجتماعي ومهني لائق ومغلق في وجه الدخلاء”، مطالبا بـ”تحديد القيمة المالية للإشهار الممنوح لكل وسيلة إعلامية بما يضمن المساواة في الدعم والاحترافية في الأداء”. وفي مداخلته، دعا النائب رشيد بوعمري إلى “تحرير وسائل الإعلام من قبضة المال ومنح صلاحيات هامة لسلطة ضبط نشاط الصحافة المكتوبة مع توفير حماية أكبر للصحافي وإعادة النظر في ظروفه الاجتماعية والمهنية”.

وتقول مصادر مطلعة إن مشروع قانون الصحافة المكتوبة يتوخى ترقية الجودة الإعلامية من خلال اشتراط المستوى الجامعي لمسؤولي ومهنيي الصحافة المكتوبة والإلكترونية، وكذلك الخبرة الإعلامية الضرورية للاضطلاع بمهام التسيير فيها.

وستتولى السلطة المختصة ضبط نشاط هذه الفئة، من خلال ضمان التعددية الإعلامية وإبعاد الإعلام عن كافة أشكال الفساد والاحتكار “في ظل الضوابط الدستورية والأخلاقية والثوابت الوطنية”. ولفت النائب عن حركة مجتمع السلم زين رشيد إلى أن “الدفاع عن الجزائر ومصالحها يستلزم إعلاما قويا واحترافيا”، مطالبا بـ”توفير جميع الظروف للنهوض بالإعلام الوطني وترقية أدائه”.

وبموجب مشروع النص الجديد، سيتم تبسيط إنشاء الصحف والمواقع الإلكترونية، من خلال نظام التصريح بدل الترخيص. في وقت يرى التقرير التمهيدي للجنة المختصة، الذي أعد في وقت سابق أنه سينظم “مجال الصحافة المكتوبة الذي عرف في السنوات الأخيرة فوضى، لاسيما بإنشاء صحف غير ناشطة ولا تأثير لها، همها الاستفادة من أموال الدعم والإشهار”.

ومن أبرز التعديلات المقترحة على المشروع، إدراج المحتوى السمعي البصري ضمن مضمون الصحافة الإلكترونية على أن يكون مطابقا للمحتوى المكتوب أو ذا صلة، وتقليص مدة الخبرة المطلوبة لشغل منصب مدير النشر في الصحافة المكتوبة.

وأقرت لجنة الثقافة والاتصال والسياحة بالمجلس الشعبي الوطني في تقريرها التمهيدي حول مشروع القانون، مجموعة من التعديلات طالت العديد من المواد وعلى رأسها المادة 9 المتعلقة بحيازة مدير النشر على خبرة 15 سنة، حيث اقترحت تقليص المدة إلى 10 سنوات بهدف فتح المجال للشباب لشغل مناصب المسؤولية في الصحافة المكتوبة والاعتماد على معايير الكفاءة والاستعداد والمردودية وتقديمها على معيار الأقدمية.

وتهدف السلطات من وراء إنهاء مشروع قانون السمعي البصري، إلى إنهاء ما تعتبره “حالة شاذة” للقنوات الخاصة التي تبث من الخارج برامج للجمهور الجزائري، إلى جانب تمكينها من مواكبة التكنولوجيات الحديثة.

وتتضمن ترسانة المشاريع القانونية المتعلقة بالإعلام عقوبات مالية تصل إلى 14 ألف يورو لمن يتلقّى تمويلا أو إعانة من “جهة أجنبية”، مع إلزامية إثبات مصدر أموال الاستثمار في مجال الإعلام والاتصال. وهو ما قد يُستخدم على نحو تعسفي للتضييق على عمل الصحافيين مع وسائل الإعلام الأجنبية.

وينصّ “مشروع القانون العضوي للإعلام” الذي يتألف من 55 مادة على إلزامية الحصول على “اعتماد” من أجل العمل في الجزائر لصالح وسائل إعلام أجنبية، كما يفرض على الصحافي التصريح بمصدره أمام القضاء. وهو ما سيقلص من فرص الصحافيين ووسائل الإعلام في إعداد ونشر تحقيقات استقصائية، وخاصة في ما يتعلق بالملفات التي تخص الشأن العام، خشية تعرّض مصادرها للملاحقة أو الأعمال الانتقامية.

◙ مداخلات النواب أظهرت استياء واضحا من أداء الإعلام الجزائري وعدم فاعليته في التأثير على الرأي والدفاع عن وجهة نظر السلطة

وينصّ كذلك على غرامة مالية تصل إلى مليون دينار (نحو سبعة آلاف يورو) “لكلّ شخص يعمل لحساب وسيلة إعلام خاضعة للقانون الأجنبي بدون الحصول على الاعتماد”. وفي المقابل، يكفي التصريح بإنشاء “الصحف والمجلات” بدون انتظار اعتماد من وزارة الاتّصال، وسيتم بموجب مشروع القانون الجديد إنشاء “سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية”، إلى جانب سلطة ضبط النشاط السمعي البصري، الموجودة حاليا والمكلفة بمراقبة عمل القنوات التلفزيونية.

وطرح أعضاء المجلس إشكالية مشاركة الجزائريين مزدوجي الجنسية في الاستثمار في قطاع الإعلام، بما أنّ القانون يتحدّث عن “الحاملين للجنسية الجزائرية حصرا”. وانتقد رئيس المجلس صالح قوجيل، والكثير من الأعضاء، غياب النصوص التطبيقية المذكورة في القانون، وذكّر بأنّ “الشيطان يسكن في التفاصيل”. وسبق للحكومات الجزائرية المتعاقبة تعديل القانون الصادر في 1990 مرّات عدّة.

وسبق أن دعا المرصد الأورومتوسطي البرلمان الجزائري إلى إعادة النظر في جميع مواد القوانين المنظمة للإعلام التي قد تسهم بتقييد حرية وسائل الإعلام والعاملين في المجال الصحافي، بما في ذلك النصوص الفضفاضة التي تسمح للسلطات بتفسيرها واستخدامها على نحو قد يكون غير مبرر.

ولم تعد غرف الأخبار في الجزائر اليوم تحتسب عدد العناوين التي تختفي، دون أن يثير ذلك أدنى عاطفة. وتوقف نشر ستة وعشرين صحيفة بين عامي 2014 و2017. وتتقلص الصحف الصادرة باللغة الفرنسية أكثر من غيرها، إذ اختفى أكثر من أربعين عنوانا منذ التسعينات.

وبينما كانت الصحف الناطقة بالفرنسية على قدم المساواة مع الصحف الصادرة باللغة العربية، فإنها تمثل الآن ثلث العناوين الموجودة في البلاد وعددها 149 عنوانا. وانخفض تداولها بنسبة 50 إلى 60 في المئة في بضع سنوات. وتطبع أربع أو خمس جرائد يومية فقط أكثر من 10000 نسخة، بينما كانت هناك 21 نسخة في عام 2016. وتظهر التقارير الأخيرة احتمالات أكثر كآبة من أي وقت مضى.

5