تردد المعارضة في الاستمرار بالحوار الوطني يحرج الحكومة المصرية

الحكومة المصرية لن تغير سياساتها ما لم تتعرض لضغوط سياسية كبيرة تشعرها بخطورة الأوضاع.
السبت 2023/02/25
توجس من جدية الإصلاح السياسي

القاهرة - بدأ شبح انسحاب قوى معارضة مصرية من المشاركة في الحوار الوطني يطل برأسه مرة أخرى وتعمدت قيادات فيها توصيل صوتها مباشرة إلى مسؤولين كبار في الدولة المصرية، احتجاجا على ما أسمته بـ”التلكؤ” في عقد جلسات لمناقشة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفق عليها.

وعلمت "العرب" أن قيادات في الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة تلقت تطمينات من مسؤولين كبار في الدولة على صلة بالحوار الوطني حول تدشين جلساته عمليا قريبا بعد انتهاء الترتيبات اللوجستية، وأن الدولة حريصة على مشاركة المعارضة.

واطمأنت الحركة المدنية إلى اختفاء الجدل حول مشروع قانون لتعديل هيئة قناة السويس وتلقي رسائل محددة تفيد بعدم خروج المشروع إلى النور وأن القناة لن تمس، لا من قريب ولا من بعيد، أو تتعرض لأي مساومات تخرجها عن مسارها التقليدي.

وطلبت شخصيات معارضة لقاء مع مسؤولين كبار لفهم بعض التطورات وإنقاذ الحوار الوطني من الارتباك، فقد اقتربت الدعوة التي وجهها الرئيس عبدالفتاح السيسي من العام ولم يقدم القائمون عليه كشف الحساب المطلوب أو يتم البدء أصلا في مناقشة القضايا المطروحة، وهو ما أوجد شكوكا في جدواه.

وعندما أطلق الرئيس السيسي دعوته لحوار وطني شامل في أبريل من العام الماضي طلب أن يتلقى توصياته في المناسبة التالية التي أعلن فيها عنه، وهي إفطار الأسرة المصرية في رمضان الماضي.

حمدين صباحي يواجه معارضة شديدة داخل الحركة المدنية بسبب إصراره على عدم الانسحاب من الحوار
حمدين صباحي يواجه معارضة شديدة داخل الحركة المدنية بسبب إصراره على عدم الانسحاب من الحوار

وقبلت قوى معارضة المشاركة في الحوار بناء على دعوة السيسي رغبة في أن تحدث انفراجة سياسية، وبدت الحكومة متجاوبة مع جزء كبير من مطالب المعارضة بشأن عملية الإفراج عن سجناء في قضايا سياسية وحريات ورأي، غير أن الحصيلة التي نجمت عن الحوار ولجنة العفو الرئاسي المسؤولة عن إعداد قوائم من تم وسيتم الإفراج عنهم غير مرضية حتى الآن للمعارضة، وفي مقدمتها الحركة المدنية.

وبدأت قيادات في الحركة، من تلك المقتنعة بأهمية الاستمرار في الحوار، تتعرض لانتقادات لأن ثقتها بحدوث إصلاحات سياسية غير صائبة، فلا يزال الانسداد السياسي قائما ولم تتجاوز الإشارات الإيجابية حدود الوعود التي لم يتم تنفيذ معظمها.

وبدا القيادي في الحركة المدنية والمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي محرجا بين الاستمرار في الحوار أو مقاطعته في ظل عدم تنفيذ الكثير من الوعود التي تلقاها عندما قبل بالمشاركة في الحوار الوطني، لكنه لا يزال يحدوه أمل في الرهان على حنكة النظام الحاكم وقدرته على تفكيك العراقيل التي تحيط بالحوار.

ويواجه صباحي معارضة شديدة داخل الحركة المدنية بسبب إصراره على عدم الانسحاب من الحوار، ويرى أن المرحلة الحالية تستوجب صبرا وتكاتفا، لأن تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية وخروجها عن نطاق السيطرة سوف تكون لهما تداعيات على الجميع، ومن الواجب العمل على ترشيد تصورات النظام المصري وليس مقاطعته، ودفعه إلى تغيير سياساته الاقتصادية التي أصبحت تتحمل جزءا من الأزمة السياسية.

وقالت مصادر في الحركة المدنية لـ”العرب” إن “الحكومة المصرية لن تغير سياساتها ما لم تتعرض لضغوط سياسية كبيرة تشعرها بخطورة الأوضاع، وتعثر الحوار الوطني ومواصلة الإفراج بالتنقيط على المحبوسين في قضايا رأي وحريات والعناد في التعامل مع الأزمة الاقتصادية… كل ذلك سوف يفضي إلى مشكلات كبيرة يتحملها الجميع”.

وأضافت المصادر ذاتها أن الانقسام في الرؤى داخل الحركة المدنية بين الاستمرار في الحوار الوطني وبين مقاطعته يعبر عن غضب مما وصلت إليه الأوضاع، فمن يعولون على التجاوب مع الإصلاحات السياسية المطلوبة يأتي موقفهم خوفا من خيار المقاطعة، بينما يرى أنصار تبني موقف متشدد والإفصاح عن معوقات الحوار الحقيقية أنهما يمثلان صدمة قد تدفع النظام إلى إعادة النظر في موقفه من الحوار برمته.

وقدم القائمون على الحوار الوطني رسائل تطمين متكررة في الفترة الماضية، غير أن التحركات العملية لم تعكس ذلك، وكلما تأخر انطلاق الجلسات عمليا ازدادت بعض القوى المعارضة -التي قبلت المشاركة على مضض- اقتناعا بعدم جدوى الانتظار، ما يمثل ضغطا على قوى معارضة تحض على عدم قطع ما تبقى من أمل في الحوار.

◙ الحكومة تتعمد إلقاء رسائل إلى المعارضة كي تثير حيرتها وترغمها على عدم التضحية بالحوار الوطني والانسحاب منه

ويعبر تردد قيادات من الحركة المدنية الديمقراطية في مواصلة التجاوب مع الحوار أو الانسحاب عن مأزق كبير لشخصيات في الحركة تعتقد أن هناك مساحة مشتركة مع النظام الحاكم يمكن استثمارها سياسيا وسط هذه الأجواء العاصفة داخليا وخارجيا.

وإذا كان تيار الاستمرار في الحوار نجح في انتزاع موافقة مؤقتة من تيار المقاطعة والممانعة، فإن الفترة المقبلة قد تشهد خروجا لما يدور في كواليس الحركة المدنية إذا لم تستجب الحكومة لما وصلها من مطالب عاجلة بشأن ضرورة أن يثمر الحوار الوطني عن نتائج ملموسة قريبا.

وتتعمد الحكومة من حين لآخر أن تلقي برسائل إلى المعارضة كي تثير حيرتها وترغمها على عدم التضحية بالحوار الوطني والانسحاب منه، فعودة المعارض ممدوح حمزة من الخارج أخيرا لقيت ترحيبا داخل الحركة المدنية، كما أن الإفراج عن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة عزز قناعة تيار مواصلة الحوار في الحركة حيال وجود فرص لإمكانية انتزاع مكاسب سياسية في المدى المنظور.

ويشير مراقبون إلى أن سياسة “المماطلة” في تصورات الحكومة بشأن الحوار الوطني بقدر ما تمكنها من تحقيق أهدافها تفقد ما تبقى من ثقة لدى قوى معارضة، وما لم تحدث تطورات حقيقية تصب في الخط المرسوم للحوار ومخرجاته المتنوعة ربما تواجه الحكومة صعوبة في التجاوب مع أي خطوات لها لاحقا.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن الكرة في ملعب النظام المصري وعليه ألا يخسر التيار المساند له في المعارضة بتفهمه لطبيعة الأزمة الاقتصادية واستعداده للمشاركة في إيجاد حلول لها، شريطة أن يتم تعبيد الطريق أمام قطار الحوار الوطني ليتحرك بسرعة فائقة إلى محطته النهائية.

2