ترتيبات دولية جديدة في شمال سوريا تتجاوز تركيا

الرياح في سوريا تجري على ما يبدو وفق ما لا تشتهيه السفن التركية، فأنقرة التي عملت منذ اندلاع الأزمة على محاولة فرض نفسها رقما صعبا في المعادلة السورية الجديدة، تواجه اليوم مأزقا حقيقيا على ضوء الترتيبات الجديدة التي تجريها واشنطن في شمال سوريا بعيدا عن أعينها.
دمشق – وقعت الأمم المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية، اتفاقا يقضي بمنع تجنيد الأطفال دون سن الـ18، في خطوة وصفتها تركيا بالتطور الخطير، لأن من شأنها إضفاء شرعية دولية على هذا التحالف السوري الذي تشكل في العام 2014 لدحر تنظيم الدولة الإسلامية.
ورغم أن الاتفاق في ظاهره يحمل إدانة لقوات سوريا الديمقراطية على تجنيد أطفال في صفوفها فإن مضمونه ينطوي على اعتراف أممي بهذا التحالف، وهذا ما يفسر ردة الفعل التركية الغاضبة.
وترى تركيا في قوات سوريا الديمقراطية تهديدا وجوديا لأمنها القومي بالنظر إلى سيطرة وحدات حماية الشعب الكردي على هذا التحالف المدعوم أميركيا. وتعتبر أنقرة أن وحدات حماية الشعب الذراع العسكرية للاتحاد الديمقراطي الكردي امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي ينشط على أراضيها وتصنف تركيا الوحدات منظمة إرهابية.
وتأتي الخطوة الأممية وسط حديث عن ترتيبات جديدة في الشمال السوري أهمها إعلان الولايات المتحدة موافقة دول شريكة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، على إرسال قوات لها لملأ الفراغ الذي ستخلفه القوات الأميركية في تلك المنطقة، ما يعني عمليا إجهاض طموحات تركيا في بسط نفوذها على كامل الشريط الحدودي مع سوريا، والقضاء على العدو الكردي “اللدود”.
وقالت الأمم المتحدة في بيان، إنه بموجب الاتفاق تعهدت قوات سوريا الديمقراطية “بعدم استخدام الأطفال كمقاتلين، والكشف عن الأطفال من الذكور والنساء الموجودين في صفوفها وإخلاء سبيلهم، واتخاذ التدابير اللازمة في هذا الشأن”.
وجرى توقيع الاتفاق، في نهاية شهر يونيو، بين القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، وممثلة الأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، فرجينيا غامبا، خلال احتفال رسمي أقيم في أحد مقرات المنظمة الأممية في جنيف.
وأشار البيان الأممي إلى أن هذه الخطة “تم توقيعها بعد مشاورات استمرت لأشهر بين الأمم المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية”. وكانت منظمات حقوقية دولية وجهت انتقادات لوحدات حماية الشعب بسبب تجنيدها أطفالا بينهم فتيات للقتال في صفوفها، وأحصى أحد التقارير وجود 224 حالة تجنيد أطفال من قبل وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة عام 2017، بزيادة 5 أضعاف عن عام 2016.
وفي رد على تلك الانتقادات اعتبر مجلس سوريا الديمقراطية ما حصل “تجاوزات فردية”. وأبدت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة فيرجينيا غامبا، في معرض كشفها الاثنين عن الاتفاق ارتياحها، معتبرة ذلك يوما هاما لحماية الأطفال في سوريا.
في المقابل يبدو أن الاتفاق يثير فزع تركيا التي رأت أنه يحمل مضامين خطيرة تتهدد طموحاتها في سوريا، وتشكل على المدى البعيد تهديدا مباشرا لأمنها. وقالت الخارجية التركية، في بيان، إن توقيع الأمم المتحدة على خطة عمل مع “التنظيم الإرهابي المذكور، يعد تطورا خطيرا، وأنقرة تدينه بشدة”.
وأضاف البيان أن تركيا تدين أيضا توقيع الممثلة الخاصة ووكيلة الأمين العام للأمم المتحدة، فرجينيا غامبا، مع إرهابي من “ي ب ك/ بي كا كا”، على خطة العمل، دون علم أعضاء الأمم المتحدة.
وأشار إلى أن تركيا باشرت إجراءاتها لدى الأمم المتحدة، لاتخاذ ما يلزم حيال التوقيع. وشدد على أنه لا يمكن إيجاد أي تفسير لتوقيع الأمم المتحدة على اتفاقية مع تنظيم إرهابي.
ويرى مراقبون أن ردة الفعل التركية مبررة، فالأمور في منطقة الشمال السوري تتسارع بشكل يتجاوزها، وتخشى أن يكون هناك توجه دولي لسحب البساط من تحت أقدامها، خاصة بعد نجاح الإدارة الأميركية على ما يبدو في إقناع حلفائها الغربيين بإرسال عناصر لهم إلى منطقة الشمال السوري، بعد أن رفضوا القيام بهذه الخطوة في السابق.
ومؤخرا أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري بأنه سيتم إرسال قوات من دول أعضاء في التحالف الدولي ضد داعش إلى الشمال السوري في غضون أسابيع، تاركا الإعلان عن أسماء الدول للحكومات المعنية.
وأكد جيفري أن الولايات المتحدة لن تنسحب كليا وأنها ستبقي عددا من قواتها هناك، فضلا عن كون واشنطن “ستواصل الحفاظ على المراقبة الجوية ذات الأهمية القصوى كما ستواصل وجودها على الأرض في التنف (جنوب شرق سوريا)، وستكون مستعدة لإرسال قوات لمطاردة أهداف إرهابية محددة”. وفي وقت سابق نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الجيش الأميركي يخطط للاحتفاظ بما يقارب 1000 جندي في سوريا، في تحول بالخطط الأميركية.
ويقول مراقبون إن توجه واشنطن للإبقاء على نحو نصف قواتها في سوريا قد يكون الدافع الأساسي للقوى الحليفة لإرسال عناصر لها إلى هذا البلد. وسبق أن صرح المسؤولون الفرنسيون والبريطانيون بأن إعادة النظر في الانسحاب الأميركي الكلي من سوريا قد تدفعهم إلى مراجعة موقفهم الرافض لإرسال المزيد من القوات إلى هناك.
ويرجح المراقبون أن تكون روسيا غير بعيدة عن التفاهمات التي تجريها الولايات المتحدة، لافتين إلى أن موسكو تدرك أن عقد تفاهمات مع واشنطن السبيل الأمثل لحل الأزمة السورية، خاصة وأن تركيا لا تبدو جدية في التعاطي مع اتفاق خفض التصعيد في إدلب، وهو ما دفعها إلى تولي زمام الأمور بنفسها هناك. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أجرى خلال قمة العشرين في أوساكا اليابانية لقاء مع نظيره الأميركي دونالد ترامب (دام أكثر من ساعة)، وأظهر فيه الأخير رغبة في تعاون أكبر مع روسيا، وفق ما أعلنه الكرملين.
وتطرق اللقاء وفق تصريحات المسؤولين الروس والأميركيين بشكل مركز إلى الملف السوري وضمنه إدلب، وكان استبق اللقاء اجتماع استثنائي جرى في القدس برعاية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشارك فيه مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون ونظيره الروسي نيكولاي باتروشيف.
ويرى محللون أن تركيا التي تكابد للحفاظ على نفوذها في إدلب عبر الجماعات الجهادية التي تدعمها، في وضع أقل ما يوصف به سيء لأن الترتيبات الجديدة الجارية في الشمال السوري -سواء بالاتفاق مع روسيا أو عدمه- والتي تجعل من قوات سوريا الديمقراطية طرفا رئيسيا في أية تسوية مستقبلية في هذا البلد من شأنها أن تبعثر جميع طموحاتها في هذا البلد.
للمزيد: