ترامب ينهي التردد الأميركي بقتل رجل إيران القوي

على خلاف رئيسي الولايات المتحدة السابقين جورج بوش الابن وباراك أوباما، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدا حاسما تجاه إيران في أكثر من ملف. هذا الحسم ترجمه من خلال قرار تصفية أهم رجال إيران في المنطقة قاسم سليماني أثناء مغادرته مطار بغداد الدولي، ليؤكد أن أعوام التردد انتهت إزاء صناع الفتن والفوضى في الشرق الأوسط وأن مقاربة بلاده للسياسة الإيرانية بصدد التغير.
واشنطن - حسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بوضع حد لحياة مهندس الفوضى ورجل إيران القوي في الشرق الأوسط، اللواء قاسم سليماني، معتبرا أن تلكؤ رؤساء الولايات المتحدة السابقين، هو ما سمح له بالتمادي في تنفيذ سياسات نظام الملالي التخريبية في المنطقة، والتخطيط لهجمات وشيكة ضد أهداف أميركية.
وحمل ترامب في تغريدة له على تويتر، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، المسؤولية بشكل مباشر وغير مباشر، عن وفاة ملايين الأشخاص، “بما في ذلك مؤخرا العدد الكبير من المحتجين الذين قتلوا في إيران نفسها”.
وذهب الرئيس الأميركي إلى القول بأنه كان يجب عليه “التخلص من سليماني منذ عدة سنوات”، باعتبار أن الجنرال في الحرس الثوري و”فيلق القدس” التابع له مسؤولون عن مقتل المئات من أفراد القوات الأميركية وقوات التحالف وإصابة الآلاف بجروح، مشيرا إلى أنه دبر هجمات على قواعد قوات التحالف في العراق خلال الأشهر القليلة الماضية.
وقال مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون إن أجهزة الأمن الأميركية رصدت القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني على مدى أعوام وبحثت في مناسبات عديدة التخلص منه لكنها ترددت دوما في التحرك.
لكن في الساعات الأولى من يوم الجمعة الماضية في بغداد قتلت ضربة جوية أميركية سليماني الذي يرأس الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني ويعتبر ثاني أهم رجل في إيران بعد الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
رؤية أميركية جديدة

اعتبر محللون سياسيون أنه من المستبعد أن تكون الضربة مجرّد قرار يرتبط بمزاج الرئيس الأميركي دونالد ترامب مثلما يجري الترويج له، وسط إشارات مختلفة عن تغيّر في المزاج الأميركي تجاه النفوذ الإيراني في العراق والذي بلغ منتهاه في استهداف الوجود الأميركي سواء في القنصلية بالبصرة أو في قواعد عسكرية وخاصة في العملية الأخيرة بالسفارة الأميركية ببغداد، وهي التي أعطت إيحاء قويا بأن إيران كسرت التوازن القائم على الاعتراف المتبادل بالمصالح في العراق.
ورجحوا أن مقتل سليماني بذلك الشكل وبتلك القصدية، يمثل رسالة أميركية واضحة لإيران مفادها أن صبر إدارة الرئيس ترامب نفد أمام ما تقترفه الجمهورية الإسلامية من ممارسات وجرائم في مختلف البلدان العربية المحيطة بها، لذلك قرر الأميركان تغيير قواعد الاشتباك معها معلنين نهاية “الحرب الباردة” بين إيران والولايات المتحدة في العراق، وانتقالها إلى مرحلة جديدة تقوم على تسجيل النقاط مع الحفاظ على الخطوط الحمراء التي تفرضها توازنات المصالح، ذلك أن طهران تعتقد أن المواجهة الواسعة قد تقود إلى خسارة النفوذ الإقليمي النوعي الذي حققته من خلال الاعتراف بالنفوذ الأميركي وإظهار نواياها في الاستمرار باستراتيجية تقاسم المصالح مع واشنطن.
وقال مسؤولون إن الأمر الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقتل سليماني جاء بعد سلسلة من المناقشات رفيعة المستوى على مدى الأسبوع الماضي تشمل اجتماعا مع أهم أعضاء فريقه للأمن القومي الأحد الماضي أثناء قضاء ترامب العطلة في منتجع مارالاغو في فلوريدا، جنوب شرق الولايات المتحدة.
وقرار توجيه الضربة الجوية، بعد اختيار مسؤولين أميركيين من قبلُ الامتناع عن ذلك، نبع مما وصفه مسؤولون بارزون بأنه معلومات استخبارية تستوجب التحرك لأن سليماني (62 عاما) يخطط لهجمات وشيكة ضد دبلوماسيين أميركيين والقوات المسلحة في العراق ولبنان وسوريا وأنحاء أخرى من الشرق الأوسط. ولم يذكروا سوى القليل من التفاصيل بشأن الأهداف المحتملة.
قرار توجيه الضربة الجوية، بعد اختيار مسؤولين أميركيين من قبلُ الامتناع عن ذلك، جاء بعد ورود معلومات استخبارية تستوجب التحرك
ولم يتضح كيف تغلّب ترامب ومساعدوه على المعارضة السابقة لمثل هذا الهجوم بدعوى أنه يهدد بتوريط الولايات المتحدة في حرب جديدة بالشرق الأوسط قد تمتد للمنطقة بأسرها.
قرار توجيه الضربة الجوية، بعد اختيار مسؤولين أميركيين من قبلُ الامتناع عن ذلك، جاء بعد ورود معلومات استخبارية تستوجب التحرك
ويأتي قتل سليماني، بعد فترة وجيزة من عودته من دمشق حسبما أفاد البيت الأبيض، في نهاية أسبوع من العداء المتصاعد على نحو سريع بين الولايات المتحدة وإيران.
وعلى مدى أعوام سافر سليماني في أنحاء المنطقة، غالبا تحت نظر الجيش الأميركي وأجهزة المخابرات، دون أن يعبأ على ما يبدو باحتمال أن ينتهي به الأمر في مرماهم، مضطلعا بمهمة رئيسية وحيدة هي تشكيل ميليشيات مسلحة تدين بالولاء لطهران على أسس طائفية ومذهبية تحارب بالوكالة عنها، وهو ما أثار قلق بعض حلفاء الولايات المتحدة ومنهم إسرائيل والسعودية ومصر.
وقال مسؤول سابق في الإدارة الأميركية إن سليماني أبدى ثقة مفرطة “بشكل فجّ” خاصة بعد أن قتلت كتائب حزب الله المدعومة من إيران متعاقدا أميركيا في قاعدة بشمال العراق وهو ما أدى إلى ضربات جوية أميركية أودت بحياة 25 شخصا. وأضاف المسؤول السابق ” لقد منحنا ذريعة لاتخاذ القرار”.
تصفية الهدف
قال مسؤولون طلبوا عدم نشر أسمائهم إن قرار التخلص من سليماني اتخذ بعد الاجتماع الذي تم الترتيب له على عجل لترامب في مارالاغو الأحد الفارط مع وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر ومستشار الأمن القومي روبرت أوبريان ورئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي.
وذكر أحد المسؤولين أن الأمر النهائي “لتصفية الهدف” جاء بعد اقتحام مقاتلين موالين لإيران السفارة الأميركية في بغداد الثلاثاء.
وأضاف المسؤول أن الخيارات كانت تشمل استهداف قادة قوات الحشد الشعبي وهجمات إلكترونية لكن القرار استقر في النهاية على استهداف سليماني.
وقال مستشار الأمن القومي روبرت أوبريان للصحافيين “كان تحركا دفاعيا، اتخذ الرئيس قرارا واضحا لا لبس فيه”.
وأشار مسؤول أميركي آخر إلى أن سليماني كان يسافر في أنحاء المنطقة لتوجيه أوامر بشن هجمات تستهدف الأميركيين تعتقد المخابرات الأميركية أنها كانت “في المراحل النهائية” من التخطيط.
وقال مسؤولون أميركيون لرويترز إن سليماني كان دائما يعتبر عدوا تلطخت يداه بدماء أميركيين منهم المئات من الجنود الذين قتلوا في حرب العراق التي بدأت في 2003 بعبوات ناسفة إيرانية الصنع. لكن حتى الآن ظل الأميركيون يميلون لعدم التخلص منه.
وركزت إدارة ترامب على سليماني قبيل أحدث موجة عنف. ويقول مسؤولون أميركيون إن التفكير في تنفيذ ضربة تستهدفه بدأ في الصيف بعد سلسلة هجمات في المنطقة اتهمت إيران بالمسؤولية عنها. لكن التخطيط للضربة بلغ ذروته بعد مقتل متعاقد أميركي في الأسبوع الماضي اتهمت الولايات المتحدة إيران بالمسؤولية عنه بينما نفت الأخيرة تورطها.
ونفى كبار الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي اطّلاعهم على الأمر كما جرت العادة قبل مثل هذه التحركات العسكرية المهمة.
وينتقد الكثير من الديمقراطيين ترامب ويصفون قراراته بالطيش مشيرين إلى أنه عزز احتمال تصاعد العنف في منطقة محفوفة بالمخاطر.
لكن ترامب أصر الجمعة على أنه أمر بقتل سليماني “لوقف حرب” وليس لإشعالها.