ترامب يفتح أبواب التمويل الاتحادي لمصادرة الذكاء الاصطناعي الصيني

السباق التكنولوجي يعد محورا أساسيا في الحرب التجارية المُعلنة بين أميركا والصين، حيث تتهم واشنطن بكين بسرقة الحقوق الملكية للحلقات التكنولوجية المتقدمة.
الأربعاء 2019/02/13
هوس صيني بالذكاء الصناعي يصعب اللحاق به

فتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أبواب تمويل الحكومة الاتحادية لتعزيز موقع الولايات المتحدة في السباق العالمي على جبهة الذكاء الاصطناعي، الذي يؤكد الخبراء أن الصين تنفرد بعيدا في صدارته بعد أن وضعته بكين في أعلى أولوياتها الاقتصادية.

واشنطن- وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء الاثنين، أمرا تنفيذيا يسمح باستخدام موارد الحكومة لتعزيز قدرات الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح الجبهة الأكثر سخونة في السباقات العالمية للتفوّق العلمي والاقتصادي.

ويرى محللون أن هذا الميدان يختزل جميع السباقات الأخرى لأنه يرتبط بجميع القطاعات الأخرى، ويحتلّ موقع الصدارة في جميع جبهات المنافسة على دخول عهد الثورة الصناعية الرابعة.

وينصّ الأمر التنفيذي الرئاسي على أنه يهدف إلى “الدفع بنموّ اقتصاد الولايات المتحدة، وتعزيز أمننا الاقتصادي والقومي، وتحسين نوعية حياتنا وضمان أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في حماية الحريات المدنية والخصوصية والقيم الأميركية”.

ولم تكشف الإدارة الأميركية حتى الآن عن حجم الميزانية التي ستخصّصها بموجب الأمر التنفيذي، لكنها قالت إنه يدعم أيضا عمليات البحث وإعادة تدريب العمال ووضع اللوائح المنظمة لهذا القطاع.

الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب يهدف إلى فتح أبواب التمويل الاتحادي لبحوث الذكاء الاصطناعي وتوسيع استخداماتها في جميع القطاعات
الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب يهدف إلى فتح أبواب التمويل الاتحادي لبحوث الذكاء الاصطناعي وتوسيع استخداماتها في جميع القطاعات

ومن المتوقّع أن تقدّم الحكومة الاتحادية تمويلا للمبتكرين والشركات لتنفيذ مشاريعها المستقبلية، ودعم دراسة الطلاّب الأميركيين للعلوم المرتبطة بكافة مجالات الذكاء الاصطناعي.

وتزايدت التقارير العالمية في الآونة الأخيرة التي ترصد تركيز الحكومة الصينية بشكل كثيف على دفع برامج متقدّمة للذكاء الاصطناعي منذ عام 2017، والنجاحات الكبيرة التي أصبحت تضعها في صدارة هذا السباق العالمي دون منازع.

وتعهدت بكين مرارا بوضع الذكاء الاصطناعي وإنتاج التكنولوجيا المتقدمة في صدارة أولوياتها للتفوّق على جميع دول العالم، وخصّصت لهذا الغرض موازنات كبيرة، الأمر الذي يهدّد هيمنة الولايات المتحدة في مجال الإبداع التكنولوجي.

ويذكر الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بقرار مماثل الرئيس الأميركي دوايت إيزنهاور بفتح أبواب التمويل الاتحادي لمشاريع غزو الفضاء، بعد مفاجأة إطلاق الاتحاد السوفييتي لأول قمر صناعي في العالم (سبوتنيك).

وأدّى ذلك القرار إلى تمويل إنشاء وكالة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتمويل بحوث الشركات وتشجيع دراسة الطلاّب الأميركيين للعلوم والتكنولوجيا والرياضيات، من أجل منافسة الاتحاد السوفييتي في سباق الفضاء.

وتشير البيانات والتقارير العالمية إلى أنّ الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية تملك الكثير من حلقات البحوث المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، لكنها لم تكن تملك تقدّم الكثير من الدعم الحكومي لتشجيع تلك الحلقات التكنولوجية.

في المقابل تستخدم الحكومة الصينية تمويلات ضخمة من ميزانية الدولة في دعم تلك البحوث التكنولوجية من خلال دعم شركات حكومية وخاصة. كما أنها تصدّر تلك التكنولوجيا لحكومات، تقول واشنطن إنها أنظمة غير ديمقراطية.

ويبدو أن الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب يهدف إلى معالجة تلك الثغرة من خلال فتح أبواب التمويل الاتحادي لبحوث الذكاء الاصطناعي وتوسيع استخداماتها في جميع القطاعات. وتشير التقارير إلى أن القطاع الخاص في الولايات المتحدة يُبدي حذرا في الدخول في شراكات حول الذكاء الاصطناعي مع الحكومة، وخاصة الجيش.

ويعدّ السباق التكنولوجي محورا أساسيا في الحرب التجارية المُعلنة بين الولايات المتحدة والصين، حيث تتهم واشنطن بكين بسرقة الحقوق الملكية للحلقات التكنولوجية المتقدمة وإجبار الشركات العاملة في الصين على الكشف عن أسرارها التكنولوجية.

ويأتي إعلان ترامب في خضم حرب تجارية مع بكين، مع تحديد مهلة ينتهي أجلها بحلول نهاية الشهر الجاري للتوصّل إلى اتفاق، وإلا ستفرض الولايات المتحدة مجموعة جديدة من الرسوم الجمركية على ورادات من الصين. وتتواصل المفاوضات بين فريقين رفيعيْ المستوى من كلا البلدين.

وقد حدّد الرئيس تشي جين بينغ صراحة هدف أن تكون الصين هي الرائدة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المتقدّمة الأخرى بحلول عام 2030. وترجم دعم بكين لذلك الهدف من خلال خطة تنمية مثيرة للإعجاب وممولة بشكل جيد.

وشهدت الصين في العام الماضي لأول مرة بحوثا حول الذكاء الاصطناعي أكثر من الولايات المتحدة. وتشير الدراسات إلى أنّ ثلث الروبوتات في العالم موجودة في الصين وأنها ستبتعد بسرعة كبيرة في الصدارة، بسبب معدلات نمو تزيد على 20 بالمئة سنويا.

ويرى مراقبون أن وتيرة الاندفاع تستند إلى رغبة الصين في التفوّق على جميع منافسيها، بعد أن وضعت الروبوتات والذكاء الصناعي عنوانا رئيسيا لسباقها مع الدول الأخرى.

الرئيس الصيني تشي جين بينغ وضع هدف قيادة العالم في الذكاء الاصطناعي في أعلى اولويات الصين
الرئيس الصيني تشي جين بينغ وضع هدف قيادة العالم في الذكاء الاصطناعي في أعلى اولويات الصين

وتواجه الدول الغربية خيارات صعبة وربما مستحيلة، فإيجاد بدائل تكنولوجية محليّة أمر غير واقعي. أما الخيارات الأخرى فتتراوح بين حرمان نفسها من التكنولوجيا والاستثمار الصيني بحجة التهديد المحتمل، أو العثور على طرق لإدارة المخاطر الأمنية.

ويقرّ الخبراء بعجزهم عن تقدير حجم المخاطر التي تنطوي عليها هذه التبعية، وهو ما يجعل صنّاع السياسة التقليديين أمام تحديّات جديدة تختلف عن التحديّات التي واجهتها دول العالم في الماضي.

ويرى محللون أن المؤسسات السياسية معتادة على المواجهات المتعلقة بالنفوذ في الأراضي وأعالي البحار وتجارة السلع والخدمات التقليدية، لكنها غير مهيّأة للصراع في فضاءات وحروب إلكترونية، وهي بحاجة إلى إعادة تعريف صناعة القرارات السياسية.

ولا تقف مخاوف واشنطن والحكومات الغربية عن ضياع حقوق الملكية الفكرية وفقدان زمام المبادرة التكنولوجية والاقتصادية، بل تمتد إلى مخاوف أمنية وعسكرية واسعة، إضافة إلى عوامل التبعية التي يمكن أن تؤدي إليها.

وتبلغ المخاوف ذروتها بعد أن تبيّن أن معظم الهجمات الإلكترونية المدمرة في السنوات الأخيرة كانت تتم بشكل متزايد من خلال سلسلة توريد مكوّنها الأجهزة الإلكترونية، حيث يجري دفن ثغرات عميقة فيها.

وحتى في الحالات التي يمكن فيها التدقيق في الأجهزة والبرمجيات، فإن تحديد الفرق بين الخطأ الهندسي وبين “الباب الخلفي” المتعمد هو في كثير من الأحيان قضية خلافية يصعب الحكم فيها.

ولا يكمن التحدي الحقيقي الذي يواجهه الغرب في أن التكنولوجيا الصينية أصبحت موجودة في كل مكان، بل في أن النفوذ الصيني يبتعد في الصدارة بسرعة فلكية لا يمكن اللحاق بها.

10