ترامب عاد.. يا إيران اذهبي إلى الوراء

ما كان عليّ أن أحتفي بعودة ترامب لولا أن إيران قد دفعت وكلاءها إلى حرب صار من نتائجها أن تُمحى أجزاء من العالم العربي من غير أن تدفع ثمن مغامرة حلفائها.
الجمعة 2024/11/08
الأميركان قرروا عودة ترامب

أعاد الأميركيون دونالد ترامب إلى البيت الأبيض رئيسا بعد أن نجا من الكثير من المحاكمات التي كانت حياته الشخصية محورها. فضائح لم يلتفت إليها رجل العقارات ولم تخفه ما دام قادرا على دفع ما يقابلها من أموال. أما السمعة فالبلاد التي هي أميركا والشعب الذي هو أميركي لا يلتفتان إليها كثيرا بشرط ألا تتضارب مع المصلحة العامة. وترامب في ولايته السابقة كان أكثر رؤساء الولايات المتحدة دفاعا عن المصلحة العامة الأميركية وحرصا على الإعلاء من شأنها. ما جلبه ترامب من فرص استثمار للشركات الأميركية بجهده الشخصي هو حدث فريد من نوعه.

ما أن أعلن عن فوز ترامب حتى ارتفع سعر الدولار في أسواق الصرف وانتعشت الحركة في أسواق الأسهم. ذلك جانب مشرق بالنسبة إلى الأميركيين أما الجانب الأخلاقي فهو ما يختلفون في الموقف منه. على العموم فإن كمالا هاريس لم تكن أكثر التزاما بالأخلاق في عالم السياسة من ترامب. بل قد يكون ترامب أفضل منها. بالنسبة إلى العرب كانت الترامبوية أفضل بكثير من الأوبامية.

لا يهم الموقف العربي هنا. الأميركان هم الذين قرروا أن تنتهي ولاية الديمقراطيين السياسية. بالتأكيد لديهم أسبابهم الداخلية. وهي أسباب أكثر تأثيرا من الأسباب الخارجية. ذلك وضع طبيعي. كل الشعوب المتزنة تراقب عمل حكوماتها في الداخل أكثر مما تهتم بسياساتها في الخارج. دائما كانت الإدارة الأميركية تفعل ما تشاء خارج الولايات المتحدة من غير الإنصات إلى رأي الشعب. سيُقال “أهذه الديمقراطية الحقة؟” “نعم إنها الديمقراطية وفق الوصفة الأميركية. بل إن هناك ثغرات أسوأ يتم التغاضي عنها حفاظا على الهدف الأسمى وهو الأخذ برأي الأكثرية واحترام رأي الأقلية”. لا نقاش هنا حول النوع البشري الذي تنتمي إليه الأكثرية. ذلك مفهوم سلفا. وليست هناك حتى الآن وسيلة أفضل للتعبير عن الديمقراطية سوى ما صار معتمدا.

ترامب جاء في الوقت المناسب. الوقت الذي سيتغير فيه مستقبل الشرق الأوسط الذي شعر الكثيرون بتعاسته بعد أن صارت إيران تدير الحروب فيه

أكثر من 51 في المئة من الأميركيين صوتوا لترامب. الرجل الذي مزج علنا ومن غير أية محاولة للإخفاء السياسة بالتجارة. يقبض بيد ويفعل باليد الأخرى. غير أنه وتلك ميزته كان واضحا. ما يريده يقوله وما يفعله يعلن عنه. هو النموذج النقيض لباراك أوباما الذي كان يقول أشياء في العلن ويفعل ما يناقضها في الخفاء. غير مرة أحرجت السياسة الأوبامية الحلفاء الأوروبيين. وبالرغم من طريقته الصادمة في قول ما يريد يبقى ترامب مريحا. ذلك لأنه يضع كل شيء على الطاولة ولا يُخفي شيئا تحتها.

أميركا هي الدولة الأعظم في زماننا. تصرف ولايته السابقة بالطريقة التي أكد من خلالها سلميا أنه رئيس تلك الدولة. إنه الرجل الذي يحمل السوط ويستعمله حين يريد. فعل رؤساء سابقون ما يخدم الصالح الأميركي بما يفوق ما فعله ترامب. غير أن ميزة ترامب عليهم أنه فعلها بطريقة تشف عن مزاجه الشخصي العنيف الذي لا يخلو من السخرية. وبذلك يكون ترامب هو المثال النموذجي للأميركي الناجح. التاريخ الأميركي لم يغادر لحظة الغزو الأوروبية الأولى. الأميركي المنتصر أبداً هو الأميركي الحقيقي. ولا يؤمن ترامب سوى بالانتصار. ذلك ما وضع العالم أمامه باعتباره الحقيقة التي لا يمكن الحياد عنها.

ما يهمنا من ترامب أنه سيواصل سياسته. وهي سياسة لا تهتم بالتفاصيل بل تذهب إلى المركز الذي تصدر عنه تلك التفاصيل ويديرها. سنحتفل بها في وقت قريب. ما لا ينفع إيران أنها صارت تعلن أنها تستعد للحرب في حالة وصول ترامب إلى البيت الأبيض. الآن وصل ترامب إلى البيت الأبيض فيما يواصل الصهيوني بنيامين نتنياهو تنفيذ سياسة الإبادة التي كان من تداعياتها القضاء على قيادتي حركة حماس وحزب الله وعلى إيران أن تستعد لمواجهة من نوع جديد. وما أنا على يقين منه أن طهران ستفضل الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من مكتسباتها الإقليمية في مقابل خسران كل شيء بما فيها نظامها السياسي.

جاء ترامب في الوقت المناسب. الوقت الذي سيتغير فيه مستقبل الشرق الأوسط الذي شعر الكثيرون بتعاسته بعد أن صارت إيران تدير الحروب فيه. ما كان عليّ أن أحتفي بعودة ترامب لولا أن إيران قد دفعت وكلاءها إلى حرب صار من نتائجها أن تُمحى أجزاء من العالم العربي من غير أن تدفع ثمن مغامرة حلفائها. ترامب هو الذي سيفكر بطريقة مختلفة.

8