تراكم المنغصات يُفقد التمور العراقية قدرتها التنافسية

أفقدت كثرة المشاكل قطاع التمور في العراق مزاياه التسويقية في ظل قلة الإنتاج جراء غياب الدعم الحكومي اللازم للنهوض به، فضلا عن الطقس السيء الذي أثر على وفرة المياه، مما راكم المنغصات على المزارعين وجعل البلد يبتعد عن دائرة المنافسة.
بغداد - تكافح تمور العراق بشق الأنفس للحفاظ على أسواقها سواء المحلية أو العالمية، وسط عراقيل كثيرة تعترض معظم المنتجين ومن أبرزها شح المياه وغياب الدعم الحكومي اللازم للنهوض بهذا المجال وجعله يعود إلى مستواه السابق.
وشهدت زراعة النخيل في مناطق كثيرة من البلاد بعد عام 2003 تراجعا لافتا، ومعه تقهقرت قدرة البلاد على إنتاج التمور والتصدير سنويا.
فمنذ الغزو الأميركي للعراق وما تبعه من فوضى سياسية ودمار كبير في البنى التحتية لكل القطاعات، بدأ الاهتمام المحلي بالقطاع الزراعي بشكل عام يتراجع، في مقابل تركيز الاهتمام على صناعة النفط.
وخلال الآونة الأخيرة تعرض القطاع للمزيد من التراجعات الناجمة عن ضعف الاهتمام الحكومي، والتغيرات المناخية القاسية التي أثرت على موعد تساقط الأمطار وأدت إلى شحها في الشتاء.
وأمام هذه الظروف تحولت أولويات المزارعين العراقيين إلى الحنطة والشعير، اللذين يعتبران أيضا من المحاصيل الإستراتيجية، لكن ذلك جاءت على حساب النخيل.
ويسجل العراق تراجعا في أرقام نسبة إنتاج التمور سنويا، بعد أن كانت حصته تتجاوز 10 في المئة من حجم الإنتاج العالمي، وفق بيانات حكومية، بينما لا تتجاوز حاليا 5 في المئة.
وتظهر الإحصائيات الرسمية لوزارة الزراعة أنه تم تصدير نحو 650 ألف طن من تمور الزهدي إلى الأسواق العالمية في العام الماضي، لكن ذلك يبقى بعيدا عن مستويات إنتاج كل من مصر والسعودية اللتين تتصدران صادرات المنطقة العربية.
وفي العام 2021 تم تصدير حوالي 600 ألف طنّ من التمور، التي تعتبر ثاني أكبر منتج يسوقه العراق في الخارج بعد النفط الخام.
وتشير أرقام رسمية لعام 2023 إلى أن عدد أشجار النخيل في العراق بلغ أكثر من 20 مليون شجرة منتجة، نزولا من قرابة 32 مليونا في ثمانينات القرن الماضي.
ويقول يحيى الحميري أمين سر الاتحاد المحلي للجمعيات الفلاحية في بابل وسط البلاد، إن الفرق كبير بين زراعة النخيل والإنتاج.
وقال لوكالة الأناضول إن “النخلة الواحدة تنتج سنويا بين 100 و125 كيلوغراما وأحيانا يصل الإنتاج إلى 150 كيلوغراما”.
وأوضح الحميري أن إنتاج أشجار النخيل، التي تنتشر بكثافة في محافظة البصرة جنوب البلاد، يعتمد بالدرجة الأولى على المكافحة الجيدة، ووفرة المياه، ومعالجة الأمراض التي تصيبها كل موسم.
وزاد “شح المياه عامل مهم يؤثر على مستوى إنتاج النخيل، خصوصا في مدن الفرات الأوسط جنوب العراق، فقد بات المزارعون في تلك المحافظات يعانون من شح المياه لري المزارع”.
ويعتمد أغلب المزارعين بجنوب البلاد على مصادر الري القديمة، أي السقي على الأنهار والسواقي التي تتسبب في هدر كميات كبيرة من المياه، وذلك لعدم توفير الدولة ووزارة الزراعة آلات ري حديثة.
50
في المئة نسبة تراجع حصة العراق عالميا، حيث صدر في 2022 نحو 650 ألف طن
لكن في محافظات أخرى بدأ الاعتماد في الزراعة على طريقة الري بالتنقيط، خاصة في محافظتي النجف وكربلاء الواقعتين وسط البلاد.
وبدأت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تظهر اهتماما بهذا القطاع، وشرعت في تشجيع مستثمرين على زراعة النخيل في المناطق الصحراوية، لزيادة إنتاج التمور وتصديرها كما كان يحصل في السابق.
وتقول وزارة الزراعة إنها تبذل كل ما في وسعها لدعم زراعة النخيل وتوسعة مساحاتها، وخلال السنوات العشر الأخيرة زادت أشجار النخيل من 11 مليونا إلى 17 مليون نخلة. وبدأ المشروع في عام 2010، لكنّه توقّف في العام 2018 بسبب انقطاع الدعم المالي.
وبحسب أمين سر الاتحاد المحلي للجمعيات الفلاحية، فإن الحروب التي شهدتها البلاد كان لها دور فعّال في التقليل من عدد أشجار النخيل، إضافة إلى عمليات تجريف البساتين من قبل المزارعين، وتحويلها إلى أراض سكنية وبيعها.
وتظهر تقديرات البنك الدولي أن قطاع التمور يدر إيرادات سنوية للعراق تصل إلى حوالي 120 مليون دولار كل عام، لكنه يرى أنه في الوقت الذي يزداد فيه الطلب العالمي على هذا الثمرة، يتوجب على بغداد أن تواصل المبادرات الجارية من أجل تحسين النوعية.
وفي تقرير صدر قبل أكثر من عامين ذكر خبراء المؤسسة المالية المانحة أن “نحو نصف تمور العراق تصدر إلى الإمارات ليتمّ بعد ذلك تغليفها وتصديرها من جديد، بسعر أعلى”.
ويبلغ عدد أصناف التمور العراقية 625 صنفا، أشهرها الزهدي والخستاوي والحلاوي والبرحي والساير والخضراوي والألوان والمكتوم والبربن. وتنقسم الأنواع إلى قسمين؛ تمور جافة وشبه جافة، وتجارية.

ويشكو أصحاب مزارع النخيل من قلة الدعم الحكومي للاستمرار في زراعة النخيل، واستعادة البلاد لمكانتها الزراعية في إنتاج التمور.
ويقول محمد حسن سلمان، وهو مزارع وعضو اتحاد الجمعيات الفلاحية، إن “الحكومة لم تمنح المزارعين دعما في شكل تقديم معدات زراعية وأسمدة عضوية ومبيدات لمكافحة الحشرات الضارة”.
وأكد أن هناك أسبابا أخرى أثرت على إنتاج النخيل، تتمثل في شح المياه وعدم تجهيز المساحات المزروعة بالنخيل بأدوات ري حديثة، ما اضطر المزارعين إلى حفر الآبار للحصول على مياه الري.
وقال إن “الدولة لا تتسلم أي كميات تمور من المزارع، لعدم وجود مخازن رسمية لخزنها، كما أن عدد تصاريح التصدير قليلة، الأمر الذي يخلق فائضا في الأسواق وانخفاضا في الأسعار”.
أما المزارع محمد كاظم فيرى أن دعم الحكومة لأصحاب مزارع النخيل موجود، لكنه ضعيف إذا ما قورن بالأعوام السابقة، أي قبل الغزو الأميركي.
ويشير كاظم إلى أن المشاكل التي تواجه أصحاب بساتين النخيل عديدة، غير أن أبرزها عدم وجود شركات تسويقية من قبل الدولة تستوعب الإنتاج المحلي، الأمر الذي يدفع المزارعين إلى بيع محصولهم للتجار.
ويعدّ العراق، الغني بالموارد النفطية، من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم، وفق الأمم المتحدّة، خصوصا بسبب تزايد الجفاف مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز في مرحلة من مراحل فصل الصيف 50 درجة مئوية.
والبلد أيضا من أقدم مواطن زراعة النخيل في العالم، إذ كان أول ظهور موثق للنخلة في العالم بمدينة إريدو التاريخية جنوبي البلاد، أي حوالي أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، والتي كانت منطقة رئيسية لزراعة النخيل.